في نفس اللحظة التي تنتفض فيها مجموعات واسعة من حول العالم ضد منطق العنصرية التي تُمارس ضد الأقليات، يتعمق داخل المجتمع اليمني مزيد من الانقسام والتمييز..
تكرس ذلك بعد أن أعلنت جماعة الحوثي عن لائحة تنفيذية لقانون “الزكاة” تمنح من يصفونهم بـ”بني هاشم” 20 بالمئة من إيرادات البلاد .
فقد فجرت قضية إقرار سلطة أنصار الله (الحو..تتيين)، تعديلات قانونية تمنح خمس الركاز والمعادن لـ”بني هاشم”، الذين تنتسب إليهم قيادة الجماعة، عاصفة سياسية وإعلامية وفكرية. تصدّرت القضية عناوين النقاشات والبيانات السياسية والدينية يمنياً، ووُجّهت اتهامات للجماعة بـ”العنصرية” وباستغلال نصوص دينية لأخذ حصص إضافية.
بدأت العاصفة، مع تسريب وثيقة مصورة لتعديلات في لائحة قانون الزكاة اليمني الصادر عام 1990، قُدمت إلى البرلمان الخاضع للجماعة في صنعاء، لتأتي الصيغة الجديدة بتعديلات ومضامين جديدة تترجم الرؤى المذهبية والفقهية التي تعبر عن معتقدات الجماعة وجناحها الديني، بما في ذلك ما يتعلق بـ”الخمس”.
وتمحورت ردود الفعل، تحديداً في مضامين المادتين الـ47 والـ48، إذ تضمنت الأولى وفقاً لمراجعة “درج”، أنه “يجب الخمس في الركاز والمعادن المستخرجة من باطن الأرض أو البحر أياً كانت حالتها الطبيعية جامدة أو سائلة كالذهب، الفضة، النحاس، الماس، العقيق، الزمرد، الفيروز، النفط، الغاز، القير، الماء، الملح، الزئبق، الأحجار، الكري، النيس، الرخام، وكل ما كان له قيمة من المعادن الأخرى”، كما “يجب الخمس في كل ما استخرج من البحر كالسمك واللؤلؤ والعنبر وغيره، ويجب الخمس في العسل إذا غنم من الشجر أو الكهوف”.
المادة التي أضيفت كاملة في التعديل تحدد أن مصارف الخُمس وفقاً لتفسير إحدى الآيات القرآنية في ستة أسهم، الأول “لله”، والثاني لرسوله ويصرف لـ”ولي الأمر”، أما “الثالث لذوي القربى من بني هاشم الذين حرمت عليهم الصدقة فجعل الله لهم الخمس عوضاً عن الزكاة والأولى أن تصرف في فقرائهم”، والرابع والخامس والسادس لليتامى والمساكين وابن السبيل بما فيهم يتامى ومساكين و”بنو هاشم”.
وثيقة تمييز عنصرية
عقب نشر صورة الوثيقة، بدأت موجة واسعة من تعليقات النشطاء والسياسيين والإعلاميين في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى بيانات رسمية صادرة عن أحزاب سياسية، وجدت في اللائحة وانحيازها إلى “الهاشميين” دون غيرهم، وثيقة إدانة لاتخاذ الجماعة تشريعات وصفت بـ”العنصرية”، واعتبرت حلقة جديدة من إجراءات سلطات الجماعة في أخذ الجبايات.
واعتبر بيان موقّع باسم عشرات المثقفين والشخصيات اليمنية أن تقديم لائحة قانون تمنح خمس الركاز حصرياً لبني هاشم، “يمنح لهذا النظام الذي نعيشه في صنعاء صفة العنصرية بامتياز ويتناقض مع قيم المساوة والعدالة ويضرب بالنصوص الدستورية التي تؤكد أن باطن الأرض والثروات ملك حصري للشعب، عرض الحائط”، وفقاً لما جاء في البيان.
في المقابل، وعلى ضوء ما أثارته القضية، تباينت معظم التعليقات والتصريحات الصادرة عن قيادات “أنصار الله”، بين الرد على الحملات والتشكيك في ما وراء إثارة القضية وبين الدفاع عن “الخمس”، بينما أقر القيادي في الجماعة محمد البخيتي في تغريدة على حسابه في “تويتر” أن خصومهم حققوا نصراً موقتاً في القضية.
وكان أبرز ما صدر عن الحوثيين، بعد إثارة القضية، خطبة “مفتي الديار اليمنية” شمس الدين شرف الدين، الذي عينته الجماعة، ودافع في حديثه عن “الخمس”، واعتبر أن إقراره “تطبيق شرع الله في أرضه”، وشدد على أن هناك إجماعاً لدى فقهاء المذاهب جميعها في مسألة “الخمس”، وبأنه لـ”الهاشميين” الذين حُرمت عليهم “الصدقة”.
تبعات اقتصادية
إلى ذلك، يكشف رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر لـ”درج”، عن تداعيات اقتصادية للأمر، “كونه يفرض رؤية مغايرة أو تكاد تكون غير معقولة أصلاً، باعتبار الركاز على سبيل المثال، وهي المعادن والثروات الطبيعية، بحكم الغنيمة ويُخصص جزء منها لشريحة من السكان”.
ويضيف أن “هذه الفلسفة التمييزية إضافة إلى تداعياتها السياسة والثقافية والاجتماعية الكارثية، تطرح إشكالية في الحقيقة في الجانب الاقتصادي، ففلسفة الضرائب والزكاة هي إعادة لتوزيع الثروة عبر نقلها من الأغنياء إلى الفقراء”، مؤكداً أن “القرار المتّخذ يضرب مبدأ عدالة توزيع الثروة في الصميم وسيؤدي إلى حالة من الاحتقان المستقبلي، قد تكون لها مخاطر متعددة”.
ويضيف: “الدستور يؤكّد أن الموارد الطبيعية والثروات هي ملك للشعب ونصّ على إعادة توزيعها بالمساواة بين مختلف الناس… مبدأ العدالة في توزيع الثروات مبدأ أساسي يفترض أن تقوم عليه القوانين، وأي تمييز في هذه المسألة يؤثر تأثيراً كبيراً في الحياة بمختلف أشكالها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً… وهذه اللائحة تضمنت الكثير من الألغام والثغرات”.
لكن جماعة الحوثي تبدو مصرة على تنفيذ القانون، ويقول الصحافي الموالي لـ”أنصار الله” (الحوثيين) والذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة وكالة سبأ، محمد عبدالقدوس، أن “قانون الزكاة ليس بجديد بل هو من أيام ذروة دولة الإصلاح والمؤتمر”، وأن أعضاء البرلمان عن الحزبين هم من أقره في البرلمان عام 1999.
ويضيف لـ”درج”: “هذا الموضوع ليس سياسياً بل هو موضوع شرعي وتسييسه غير منطقي، فالجمهورية اليمنية معروفة بأن شعبها متمسك بكتاب الله والأحكام الشرعية الواردة فيه. كما أنه أمر حاصل على إجماع بين جميع المذاهب حتى الفرق الأشد عداء لأهل البيت (إشارة إلى الهاشميين)”.
وتقدّم مليشيا الحوثي نفسها بأنها الممثل الوحيد لـ”آل البيت” في اليمن، ومنذ الانقلاب المسلح على الشرعية أواخر العام 2014، وقد تسبب سياساتها بإثارة المزيد النعرات الطائفية والعرقية بين اليمنيين.
ورغم سيطرتها على كافة ثروات وموارد الدولة في صنعاء والحديدة، لا تزال الجماعة تحاول الاطباق على القليل الذي ما زال متاحاً من الموارد في وقت يقع اليمنيون فريسة الأمراض والأوبئة القاتلة دون مبادرات جدية من الجماعة على احتوائها.عززت المليشيا التمييز بين اليمنيين على أساس العرق والمنطقة والمذهب.
…
* نقلا عن موقع درج