تقارير وتغطيات

تعز”. حصن الثورة وأرض البطولة: كيف أصبح صوت الثورة في مهب الريح؟

منصة انزياحات

“كيف لشخصية أكاديمية تدير مؤسسة علمية أن تقف ضد فعالية تعزز من وعي الطلاب بتاريخهم النضالي وتُذكّرهم بتضحيات ثوار 26 سبتمبر’
…….

صادم ما حدث في جامعة تعز ، بلو يجب أن يُقرأ على أنه جرس إنذار لكل القوى الوطنية التي تؤمن بالجمهورية والوحدة. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى الوقوف معاً في وجه كل من يحاول تقويض قيم الثورة والجمهورية. وفي هذا السياق، لا يمكن لتصرفات فردية أن تمحو تاريخاً من النضال والتضحيات. تعز ستبقى كما كانت، حاملة مشعل الثورة، وأبناءها سيظلون على العهد مهما كانت التحديات.
منذ اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، كانت تعز الحاضنة الأبرز للفكر الجمهوري والحركة الثورية في اليمن. هذه المدينة التي رفعت راية الحرية والكفاح ضد الاستبداد الإمامي لقرون، والتي كانت منارة الثورة والجمهورية، تواجه اليوم اختباراً تاريخياً أمام مواقف تتسم بالخنوع واللامسؤولية.
فالرفض المفاجئ الذي واجهه اتحاد طلاب اليمن بجامعة تعز لإقامة فعالية بمناسبة الذكرى الـ 62 لثورة 26 سبتمبر من قبل عميد كلية الآداب، الدكتور يحيى المذحجي، لا يُعد مجرد موقف عابر، بل يعكس تحولاً مقلقاً في التعامل مع الإرث الثوري للجمهورية اليمنية. تلقت انزياحات بيان اتحاد طلاب اليمن جامعة تعز فرع كلية الآداب صباح يومنا الاثنين.

رمزية تعز في الثورة اليمنية

لطالما كانت تعز، المدينة المثقفة والقلعة المقاومة، في قلب النضال الوطني منذ سنوات الاستبداد الإمامي. وكانت تضرب بها الأمثال في الشجاعة والإصرار على مواجهة الظلم والاستبداد، فالثورة في اليمن لم تندلع من فراغ، ولم تكن ثورة مفاجئة، بل كانت نتيجة حتمية لتراكمات نضالية عبر سنوات طويلة. لعبت تعز فيها دوراً محورياً، إذ قدمت عدداً لا يُحصى من الشهداء والمقاتلين الذين رفضوا الإمامة وظلوا متمسكين بحلم الجمهورية.

حين جاءت ثورة 26 سبتمبر، كان أبناء تعز في كل الساحات الرئيسية لمعارك التحرير، خصوصاً ملحمة فك حصار السبعين يوما الذي فرضه أزلام الملكية حينها على العاصمة صنعا وساهمت بشكل كبير في إنجاح الثورة وانتشار الفكر الجمهوري. لذا، لا يمكن الحديث عن تاريخ الثورة اليمنية دون أن تكون تعز حاضرة في السرديات كمدينة تحمل روح المقاومة ووهج الثورة.

الحدث المشين: كيف يتم تقويض رمزيات الثورة؟

في هذا السياق التاريخي العظيم، يُعتبر موقف عميد كلية الآداب بجامعة تعز بمنع الفعالية المخصصة للاحتفاء بثورة 26 سبتمبر موقفاً غير مفهوم ومخيباً للآمال. إذ كيف لشخصية أكاديمية تدير مؤسسة علمية أن تقف ضد فعالية تعزز من وعي الطلاب بتاريخهم النضالي وتُذكّرهم بتضحيات ثوار 26 سبتمبر؟ بل الأكثر من ذلك، أن يقوم بتوجيه حراسة الجامعة لاحتجاز رئيس فرع الاتحاد في الكلية، ما يجعل الأمر لا يقتصر على مجرد منع، بل يمتد ليصبح تعدياً على حرية التعبير والتجمع السلمي.

هذا التصرف لا يخدم سوى أجندة ميليشيات الحوثي الانقلابية، التي طالما سعت إلى طمس رموز الثورة والجمهورية، وإعادة إحياء المشروع الإمامي الذي حاول اليمنيون دفنه قبل أكثر من نصف قرن. إن موقف المذحجي، سواء أكان نابعا من قناعات شخصية أو ضغوطات خارجية، يعكس غياب الوعي الوطني أو تغييب متعمد للقيم التي قامت عليها الجمهورية.

دور الأكاديميين في التحصين ضد الفكر الإمامي

الأكاديميون في الجامعات اليمنية، لا سيما في جامعة عريقة مثل جامعة تعز ؛ وصنعاء واب ،لهم دور جوهري في بناء جيل وطني قادر على مواجهة التحديات الفكرية والسياسية التي تحاول الميليشيات الحوثية فرضها. فالجامعة ليست فقط مكاناً لتلقي العلم، بل هي أيضاً فضاء للحوار وتبادل الأفكار وتعزيز الهوية الوطنية.

ومن هنا، كان على عميد الكلية أن يقف مع طلابه في إقامة مثل هذه الفعالية الوطنية، وأن يرعاها بنفسه، بدلاً من أن يُصدر أوامر المنع. فمن شأن مثل هذه الفعاليات أن تُحصن الشباب الجامعي من الأفكار الإمامية التي يحاول الحوثيون نشرها في أوساط المجتمع، وأن تُذَكِّرهم ببطولات آبائهم وأجدادهم في مقاومة الإمامة وإرساء دعائم الجمهورية.

إن الموقف الذي اتخذه المذحجي، بصفته شخصية أكاديمية، يثير تساؤلات حول دور المؤسسات الأكاديمية في المرحلة الراهنة، وعن كيفية التصدي للفكر الحوثي الذي يسعى إلى تشويه التاريخ الثوري لليمن. هل يعكس هذا الموقف انحداراً في القيم الأكاديمية؟ أم هو مجرد حادثة فردية ينبغي ألا تعكس الصورة العامة لمؤسسات التعليم العالي في اليمن؟

 

تعز لا يمكن أن تكون إلا ثورية وجمهورية

 

الواقع التاريخي يشهد بأن تعز لا يمكن أن تكون إلا ثورية وجمهورية. هذه المدينة التي واجهت الاستعمار البريطاني في الجنوب والظلم الإمامي في الشمال، والتي كانت ملاذاً لكل الأحرار في اليمن، لا يمكن أن تقبل بأقل من أن تكون رمزاً للجمهورية والحرية.

إن هذه الواقعة المشينة لا تعبر عن هوية تعز الثورية والجمهورية، بقدر ما تكشف عن اختراقات فكرية وأيديولوجية تسعى لطمس تاريخ المدينة وتغيير دورها في المشروع الوطني. ولكن، مهما كانت هذه المحاولات، فإن روح تعز ستبقى حية بفضل أبنائها الذين يرفضون الانصياع لأية ضغوطات تسعى لتغيير مسارهم.

ضرورة التحرك

 

يتعين على وزارة التعليم العالي وعلى جامعة تعز أن تتدخل فوراً لتوضيح الأسباب التي دفعت بعميد كلية الآداب إلى اتخاذ هذا القرار، وأن تضمن حرية العمل الطلابي ضمن الأطر القانونية والوطنية. فلا يمكن السماح بتمرير مثل هذه التصرفات التي تُظهر تواطؤاً أو انصياعاً لأجندات لا تخدم سوى الميليشيات الانقلابية.
كما ينبغي أن يتم توجيه رسالة واضحة من كل القوى الوطنية، والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ،تُؤكد أن أي مساس بالثورة أو رموزها هو مساس بالهوية الوطنية، وأن تعز، كما كانت دائماً، ستبقى قلعة الحرية والجمهورية في وجه كل من يحاول النيل من إرثها الوطني.