تقارير وتغطيات

نهب إرث النساء في اليمن: تاريخ من الظلم وتفاقم المعاناة في قبائل طوق صنعاء

منصة انزياحات

في اليمن، تتعرض النساء للعديد من أشكال الظلم الاجتماعي، ولكن من بين أكثر القضايا إثارة للجدل والاستياء قضية نهب إرث النساء. هذه الظاهرة التي تعكس عمق التمييز القائم على النوع الاجتماعي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة القبلية في اليمن، خاصة في المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء، والتي تعرف بقبائل طوق صنعاء. اطلعت على مئات من ملفات قضايا نهب النساء كمحامية، ففي هذه المناطق، تحكم التقاليد القبلية والعادات الاجتماعية القديمة حياة الناس بشكل أكبر من القوانين الحديثة أو الشريعة الإسلامية، وهو ما يؤدي إلى انتهاك حقوق النساء بشكل صارخ، خاصة في ما يتعلق بحقهن في الميراث.

الجذور التاريخية لمشكلة نهب إرث النساء

كان هذا موضوع رسالتي في الماجيستير من جامعة بغداد عام ١٩٩٩ م. ظاهرة حرمان النساء من الميراث ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى عصور قديمة كانت تهيمن فيها العادات القبلية والأنظمة الأبوية على مجريات الحياة اليومية في المجتمع اليمني. ولقد كانت المجتمعات اليمنية القبلية، بما فيها قبائل طوق صنعاء ،تعتمد بشكل كبير على الأرض والموارد الطبيعية كمصدر للعيش، مما جعل الرجال يعتبرون الأرض والميراث حقا مقدسا لهم فقط، بينما يتم تهميش النساء وحرمانهن من حقوقهن الشرعية.كانت قبائل طوق صنعاء
تشرع نهبها لارث النساء معززة بفتاوى صادرة عن أئمة.!

في العادات القبلية، تُعتبر المرأة كائنا “ضعيفا” وغير مؤهل للتعامل مع الأرض أو إدارة الممتلكات، ولهذا السبب، يتم حرمانها من الميراث تحت ذريعة أنها ليست بحاجة له، أو أن حصولها على الميراث قد ينقله لاحقا إلى أسرة الزوج، إذا كانت متزوجة. وبهذا تظل النساء تحت رحمة الأقارب الذكور الذين يتحكمون بمصيرهن المالي.

تأثير الإسلام على نظام الميراث

رغم أن الإسلام جاء بمبادئ جديدة تدعو إلى إعطاء النساء حقوقهن في الميراث بنصوص قرآنية صريحة، إلا أن تطبيق هذه النصوص لم يغير كثيرا من واقع النساء في المناطق القبلية. فالآية الكريمة: “للذكر مثل حظ الأنثيين” (النساء: 11) تضع قاعدة توزيع الميراث، إلا أن كثيرًا من القبائل اليمنية تختار تجاهل هذا الأمر.

تمثل النصوص الشرعية الواضحة في الإسلام ضمانة لحقوق النساء، إلا أن القوانين القبلية والعادات المحلية تقف في وجه هذه الحقوق. وبدلاً من احترام هذه القوانين السماوية، تواجه النساء في مناطق مثل طوق صنعاء استبعادا متعمداً من الميراث، حيث يتم الضغط عليهن للتنازل عن حقوقهن لصالح الرجال. وتلعب القوانين القبلية هناك دورا رئيسيا في تفاقم هذا الوضع، حيث تمنح الرجال السيطرة المطلقة على الممتلكات والميراث.

الانتهاكات الممنهجة في قبائل طوق صنعاء

تعد المناطق المحيطة بصنعاء واحدة من أكثر الأماكن التي تتجلى فيها هذه الممارسات بصورة واضحة. قبائل طوق صنعاء، التي تحيط بالعاصمة، تعيش في بيئة اجتماعية مغلقة تعتمد على التقاليد القبلية كمرجع أساسي في كل شؤون الحياة، بما في ذلك توزيع الميراث.

من أبرز الأسباب التي تجعل هذه الممارسات شائعة في هذه المناطق هو الخوف الاجتماعي، حيث تخشى النساء التحدث علنا عن حقوقهن خوفا من وصمة العار أو القمع الأسري. تتعرض النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن في الميراث إلى التهديد والإقصاء من الأسرة والمجتمع، وهو ما يزيد من تفاقم الوضع ويجعل الوصول إلى العدالة أمرا بالغ الصعوبة.

علاوة على ذلك، تستغل بعض الأسر تأثيرها القبلي وقوتها المسلحة لمنع النساء من الحصول على حقوقهن، وغالبا ما تلجأ إلى القوة المفرطة والتهديد بالانتقام في حال تمسكهن بحقوقهن. وهذا يجعل الكثير من النساء يتجنبن المطالبة بحقوقهن خوفا من العواقب.

صمت الدولة والقانون المغيّب

رغم أن القانون اليمني ينص بشكل صريح على حماية حقوق النساء في الميراث بناءً على الشريعة الإسلامية، إلا أن التطبيق الفعلي للقانون يكاد يكون غائبًا في المناطق القبلية. يعود ذلك بشكل رئيسي إلى ضعف السلطة المركزية في فرض القانون في هذه المناطق التي تحكمها العادات القبلية أكثر مما تحكمها القوانين المدنية.

كما أن النظام القضائي في اليمن يواجه تحديات كبيرة، حيث لا تستطيع المحاكم فرض القانون بشكل فعال في المناطق التي تسيطر عليها القبائل. ونتيجة لذلك، يُترك الأمر للعائلات القبلية لحل النزاعات، وهو ما يؤدي في الغالب إلى حرمان النساء من حقوقهن.

إلى جانب ذلك، فإن الدولة اليمنية خلال العقود الماضية لم تبذل جهودا كافية لحماية حقوق النساء، حيث استمرت المؤسسات القانونية في تجاهل هذه القضية على الرغم من تزايد الأصوات النسائية والمنظمات الحقوقية المطالبة بإصلاحات حقيقية تضمن تحقيق العدالة للنساء.

الصراع الحالي وتأثيره على النساء

مع تفاقم الصراع في اليمن منذ عام 2014، تدهورت حالة حقوق النساء بشكل عام، وزادت حدة التمييز ضدهن في ما يتعلق بالميراث. ففي ظل غياب الدولة وسيطرة المليشيات الحوثية على مناطق واسعة من اليمن، أصبحت القوانين غير مطبقة بشكل شبه كامل، مما فتح المجال أمام استغلال النساء بشكل أكبر.

في هذه البيئة المضطربة، يستغل كل نافذ قبلي نفوذه في غياب الرقابة القانونية، وتتصاعد حالات نهب ميراث النساء بشكل كبير. بعض النساء يتحدثن عن تعرضهن للتهديد من قبل أفراد الأسرة (مثل الناشطة الحقوقية المواطنة نادية يحيى الهمداني والتي انتشرت قضيتها عبر صفحتها على فيسبوك )بما في ذلك مشرفون حوثيون أو شخصيات قبلية نافذة، لاستغلال الوضع السياسي لتحقيق مصالح شخصية على حساب حقوق النساء.نادية يحيى تقول بصريح العبارة أن غريمها هو ابن عمها وهو ‘مشرف حوثي “.

الحاجة إلى الإصلاح ودور المجتمع المدني

إن قضية نهب ميراث النساء في اليمن هي جزء من مشكلة أعمق تتعلق بالتهميش والتمييز ضد المرأة في المجتمع اليمني بشكل عام والتي تتفاقم بسبب الحروب والصراعات الداخلية. إصلاح هذا الوضع يتطلب جهوداً شاملة من جميع الأطراف، بدءا من الدولة مرورا بالمجتمع المدني وصولا إلى القيادات القبلية.

أحد أهم الخطوات نحو تحقيق العدالة هو تعزيز دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية للضغط على السلطات المحلية والحكومية لتطبيق القانون وضمان حماية حقوق النساء. كما ينبغي تعزيز الوعي القانوني لدى النساء وتشجيعهن على المطالبة بحقوقهن دون خوف من الانتقام أو القمع.

إلى جانب ذلك، من الضروري أن يكون هناك دور فعال للإعلام في تسليط الضوء على هذه القضايا، وفضح الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في اليمن. وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الرقمية، يمكن أن تلعب دورا حاسما في تقديم قصص النساء اللاتي تم حرمانهن من حقوقهن، وتوجيه الرأي العام نحو أهمية إصلاح هذا الوضع.
والحال أن قضية نهب ميراث النساء في اليمن، وخاصة في قبائل طوق صنعاء، هي انعكاس لتحديات أوسع تواجه النساء في مجتمع قبلي محافظ يعاني من آثار الحرب والانقسامات السياسية. معالجة هذه المشكلة يتطلب جهوداً جماعية من المجتمع اليمني بأسره، بدءا من تطبيق القانون وصولا إلى تغيير العقلية الاجتماعية التي ترى في المرأة كائنا أقل استحقاقا.

إنه لمن الضروري أن يتم تحقيق العدالة لنادية يحيى ولكل النساء اللواتي يواجهن نفس المصير، وأن يتم وضع حد لهذا الظلم الذي يتفاقم يوما بعد يوم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اليمنيون. يتعين على المجتمع الدولي والمحلي أن يتحد في وجه هذا الظلم، وأن يُسمع صوت النساء اللواتي يعانين في صمت، لأن العدالة ليست خيارا، بل هي حق يجب أن يتمتع به الجميع.