•تحليل مسار الصاروخ يثبت إنه جاء من الشرق وليس من الجنوب “؟!
• هل دخل الصاروخ الى اليمن قادماً من روسيا ؟!”
—
جعفر الكناني – رئيس قسم التحليلات في انزياحات
نفى الرئيس الإيراني اليوم امتلاك بلاده الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون، زاعما أن ما بحوزة الجماعة نتاج جهودهم المحلية. إلا أن هذا التصريح لا يعكس الواقع تماما؛ فمن المعروف أن الحوثيين حصلوا على دعم تقني ولوجستي من إيران منذ بداية الحرب، سواء كان ذلك من خلال تهريب الأسلحة أو التدريب العسكري.
لكن إطلاق الحوثيين صاروخا باتجاه إسرائيل أمس الأول، يمثل نقطة تحول في مسار الصراع اليمني، ويثير العديد من التساؤلات حول الدعم الذي تحصل عليه الجماعة الحوثية.
مسألة إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا باتجاه إسرائيل تحمل بالفعل العديد من الألغاز، وتتطلب تحليلا دقيقا للأبعاد التقنية والسياسية المحيطة بها.
في البداية، من المهم التساؤل حول الإمكانيات الفعلية لجماعة الحوثي فيما يتعلق بإطلاق صواريخ متطورة قادرة على الوصول إلى إسرائيل، وما إذا كانت هذه القدرات تمثل نقلة نوعية في استراتيجيات الجماعة أو أنها نتاج دعم خارجي.
قدرات الحوثيين الصاروخية
رغم نفي الرئيس الإيراني اليوم امتلاك بلاده الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون، يعرف الجميع أنه منذ اندلاع الحرب في اليمن، طورت جماعة الحوثي قدرات صاروخية لافتة، مستندة إلى ترسانة متنوعة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي استُخدمت ضد أهداف سعودية وإماراتية تملكها إيران.
فرضية الصاروخ الروسي
طبعاً الحديث عن صاروخ فرط صوتي يستهدف إسرائيل يمثل نقلة نوعية في مستوى التهديدات الحوثية، ويطرح تساؤلات عميقة حول مصدر هذه التقنية.فمع تفاقم التوترات الإقليمية والدولية، ظهر احتمال جديد يثير الاهتمام: إمكانية أن يكون الصاروخ الذي استهدف إسرائيل روسي الصنع. في ظل الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا، قد تكون موسكو قد وجدت في اليمن منصة لتجربة تقنيات جديدة أو إرسال رسائل إلى واشنطن وحلفائها.
روسيا تمتلك صواريخ باليستية وفرط صوتية متقدمة، مثل صاروخ “كينجال” الذي أُعلن عن قدراته الهائلة في العام 2018. إذا كانت روسيا قد قررت بالفعل استخدام الأراضي اليمنية أو دعم الحوثيين بهذه النوعية من الأسلحة، فإن هذا يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول تداعيات هذه الخطوة على المنطقة.
كيف دخل الصاروخ إلى اليمن؟
كيفية دخول الصاروخ إلى اليمن يستحق التوقف عنده. فرضية إدخال الصاروخ عبر غواصة روسية ليست بعيدة عن المنطق، خصوصا في ظل التقارير التي تشير إلى تنامي النفوذ البحري الروسي في المنطقة. وقد تكون روسيا قد استخدمت بالفعل غواصاتها لنقل الأسلحة المتطورة إلى حلفائها في اليمن دون الكشف عنها. لا ننسى أن بحرية الميلشيات أعلنت ضرب سفن في خليج عدن. كيف وصلت الضربات إلى خليج عدن التي ليست في نطاقها!؟
يمكن لهذا السيناريو أن يتم عبر تقديم الدعم اللوجستي المباشر من خلال القواعد العسكرية الروسية في المنطقة، سواء في سوريا أو البحر الأحمر. وعلى الرغم من الحصار المفروض على اليمن، فإن الطبيعة الجغرافية للبلاد وساحلها الطويل يجعلان من تهريب الأسلحة عبر الغواصات خيارا معقولا.
التعاون بين الحوثيين وروسيا: لعبة معقدة
إذا صحت الفرضية بأن الصاروخ أُطلق باستخدام تكنولوجيا روسية أو بترتيب من موسكو، فإن هذا يكشف عن تعاون معقد بين روسيا والحوثيين، وهو تعاون يمتد إلى ما هو أبعد من الدعم العسكري التقليدي. فروسيا تسعى، منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، إلى استخدام أوراق الضغط في مناطق نفوذ مختلفة، واليمن يمثل ساحة مثالية لذلك.
اليمن يُعد نقطة استراتيجية فيما يتعلق بخطوط الملاحة الدولية، ووجود الحوثيين كحلفاء لإيران قد يفتح المجال أمام روسيا لاستغلال هذا النفوذ في مواجهة الضغط الدولي، خصوصا فيما يتعلق بعقوبات الطاقة. أي تعطيل للملاحة البحرية أو التأثير على تدفق النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا سيعود بالفائدة على موسكو، التي تسعى لضمان استمرار صادراتها النفطية إلى الأسواق العالمية.
لماذا استهداف إسرائيل؟
استهداف إسرائيل يمثل جزءا من الخطاب التقليدي لمحور المقاومة الذي يضم الحوثيين وحزب الله والعديد من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران. لكن توقيت هذا الهجوم يحمل دلالات أعمق، خصوصا في ظل التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة، بما في ذلك تطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، والضغوط المتزايدة على إيران وحلفائها.
قد يكون الهجوم الحوثي محاولة لإعادة توجيه الأنظار نحو الصراع مع إسرائيل، في ظل الخسائر التي يتكبدها الحوثيون على الجبهات اليمنية وتضاؤل نفوذهم تدريجيا .في الوقت ذاته، قد يكون هذا الهجوم رسالة إلى الداخل الإيراني لتأكيد استمرار الدعم لحلفاء إيران في المنطقة، على الرغم من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها طهران.
الصاروخ من العراق: احتمالية أخرى
من جهة أخرى، أشار بعض المحللين العسكريين إلى احتمال أن يكون الصاروخ قد أُطلق من العراق وليس من اليمن. هذه الفرضية تستند إلى تحليل مسار الصاروخ، الذي جاء من الشرق وليس من الجنوب. إذا كان هذا الاحتمال صحيحا، فإنه يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى العلاقة بين الحوثيين والمقاومة الإسلامية في العراق.
العراق، على غرار اليمن، يمثل ساحة نفوذ لإيران وحلفائها. وقد تكون هناك تنسيق مباشر بين الفصائل المسلحة في البلدين لتنفيذ هجمات مشتركة ضد أهداف إسرائيلية أو إقليمية. هذا التعاون يطرح تساؤلات جديدة حول مدى توغل النفوذ الإيراني في المنطقة، ودور روسيا في هذا السياق.
تداعيات الهجوم: رسائل متعددة
الهجوم الحوثي على إسرائيل يحمل في طياته رسائل متعددة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي. من جهة، يعزز الهجوم موقف الحوثيين كجزء من محور المقاومة، ويظهر قدرتهم على الوصول إلى أهداف بعيدة المدى، وهو ما يعزز من موقفهم في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
من جهة أخرى، يرسل الهجوم رسالة واضحة إلى إسرائيل وحلفائها في المنطقة بأن الحوثيين لن يتوانوا عن استخدام القوة ضد أي تهديد، وأن دعمهم الإيراني والروسي يجعلهم قادرين على تنفيذ هجمات متطورة قد تفاجئ العالم.
التحديات المقبلة
الهجوم الصاروخي الحوثي يمثل تحديا جديدا لحكومة اليمن الشرعية وحلفائها في المنطقة بالذات المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية. فاستمرار حصول الحوثيين على أسلحة متطورة يجعل من الصعب على التحالف العربي كبح جماحهم، ويعزز من موقفهم في الصراع الدائر.
في الوقت ذاته، فإن هذا الهجوم قد يؤدي إلى تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة إذا تبين أن الصاروخ كان روسي الصنع. في هذه الحالة، قد تجد الدول الداعمة للحكومة اليمنية نفسها في مواجهة تحديات جديدة تتعلق بزيادة الدعم العسكري للحوثيين من قوى خارجية، وهو ما قد يعقد مسار السلام في اليمن ويطيل أمد الحرب. خلاصة التحليل أن إطلاق الحوثيين صاروخا باتجاه إسرائيل أمس الأول يزيد من منسوب التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة العربية.
.