تقارير وتغطيات

في استحضار الأيقونة اليمنية الكبيرة نبيلة الزبير ملف خاص بالمبدعة اليمنية الفذة

منصة انزياحات

 

نبيلة الزبير: شاعرة وروائية يمنية ملهمة في ساحة الأدب العربي

 

فتحي أبو النصر

 

نبيلة الزبير، من مواليد عام 1964، هي واحدة من أبرز الأسماء في المشهد الأدبي اليمني والعربي. تخرجت من جامعة صنعاء، حاصلة على شهادة في علم النفس من كلية الآداب. برغم تخصصها الأكاديمي، لم تكن العلوم النفسية هي المجال الوحيد الذي أبدعت فيه، بل تجلت موهبتها في الشعر والرواية، حيث أصبحت واحدة من أكثر الكاتبات تأثيرا في جيلها. اشتهرت الزبير بأعمالها الأدبية التي تتنوع بين الشعر والرواية، وقد حققت شهرة واسعة بفضل أسلوبها الفريد، الذي يمزج بين الرمزية والتأمل الشخصي العميق.

 

الإسهامات الأدبية والثقافية

 

على الرغم من الظروف الصعبة التي شهدها اليمن في العقود الأخيرة، تمكنت نبيلة الزبير من ترك بصمة كبيرة في الأدب اليمني. تُعد روايتها الشهيرة إنه جسدي من بين أهم أعمالها، وقد حازت على الجائزة الأولى في مسابقة نجيب محفوظ للرواية في عام 2002، وهي جائزة مرموقة ووازنة، ما جعلها رمزاً للكتابة النسوية في الوطن العربي. الرواية استكشفت قضايا الذات والوجود والحرية الجسدية، مما جعلها تثير الجدل والإعجاب على حد سواء.

بالإضافة إلى الرواية، قدمت الزبير مجموعة من الدواوين الشعرية التي تبرز حساسيتها الشعرية الفائقة وقدرتها على تقديم التجربة الإنسانية من خلال لغة مفعمة بالرمزية والإحساس. من بين أعمالها الشعرية التي نالت استحسان النقاد والمتابعين على حد سواء، ديوان متواليات الكذبة الرائعة (1991) وثمة بحر يعاودني (1997). هذه الأعمال وغيرها سلطت الضوء على مواضيع متداخلة بين الحب والوجود والسياسة، مما جعلها واحدة من أبرز الأصوات النسوية في الأدب اليمني.

 

دورها الثقافي والنسوي

 

لم تتوقف الزبير عند حدود الكتابة الأدبية، بل وسعت نشاطاتها لتشمل تأسيس ودعم المؤسسات الثقافية في اليمن. ترأست مؤسسة “لقى للثقافة النسوية وحوار الحضارات”، التي تهدف إلى تعزيز دور المرأة في المجتمع اليمني من خلال الفن والثقافة. من خلال هذه المؤسسة، سعت الزبير إلى تمكين النساء اليمنيات وتوفير مساحة لهن للتعبير عن أنفسهن بحرية، خاصة في مجتمع تقليدي يفرض قيودا على دور المرأة في الحياة العامة.زار لقى عديد أدباء وشعراء ومثقفين من اليمن والوطن العربي بل وأدباء واديبات أوروبيين.

 

الثقة في النفس والآخرين

 

نبيلة الزبير كانت تجسد مفهوم الثقة بكل معانيه. في أوقات الاضطراب والتحديات، كانت تظل متمسكة بثقتها في قدرتها على إحداث تغيير إيجابي، وهذا منحني درساً مهماً في أهمية الثقة بالنفس. لكنها لم تقتصر على الثقة بنفسها فقط، بل كانت تسعى أيضاً لبناء ثقة بين الأفراد والجماعات التي عملت معها. تعلمت منها أن الثقة هي حجر الزاوية في بناء العلاقات والعمل الجماعي، وأنها أساس لتحقيق النجاح في أي مشروع.

 

تعتبر الزبير من الأصوات القليلة التي استطاعت تقديم رؤية ثقافية شاملة تجمع بين الأدب والعمل الاجتماعي السياسي. وقد كانت دائماً تدعو إلى الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة، مؤكدة على ضرورة تجاوز الحواجز الاجتماعية والسياسية من خلال الفنون. بالنسبة لها، الأدب ليس مجرد وسيلة للتعبير الشخصي، بل هو أيضا أداة للتغيير الاجتماعي والتواصل الحضاري.

 

رؤيتها حول الأدب والسياسة

 

تعتبر نبيلة الزبير الأدب والفن وسيلتين لمواجهة الركود الاجتماعي والسياسي، وهي تؤمن بأن الكتابة ليست مجرد عملية إبداعية فحسب، بل هي وسيلة لتحقيق تغيير حقيقي. في إحدى المقابلات، صرحت بأن المجتمع اليمني يعاني من نسبة أمية مرتفعة تصل إلى 80%، مما يجعل من الكتابة وسيلة لترحيل الوعي إلى المستقبل. فهي ترى أن الأدب قادر على تشكيل الوعي الجماعي والمساهمة في تحقيق تحول حقيقي نحو الحرية والعدالة.

 

الزبير والثورة اليمنية

 

لم يكن دور نبيلة الزبير مقتصرا على الأدب فقط، بل شاركت بشكل فاعل في الثورة اليمنية عام 2011. انضمت إلى المثقفين والكتاب اليمنيين الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالتغيير السياسي والإصلاح. بالنسبة لها، كانت الثورة فرصة لتأكيد دور المثقف في تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي، وإثبات أن الفن والأدب يمكن أن يكون لهما دور حاسم في هذه اللحظات التاريخية.

 

تعتبر الزبير من الأصوات التي دعت إلى مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية بكل شجاعة، مؤكدة أن التغيير يبدأ من قدرة الفرد على مواجهة الظلم والتحدي. في هذا السياق، كانت مساهماتها الأدبية تتوازى مع مشاركتها السياسية، حيث جمعت بين النشاط الثقافي والنضال من أجل حقوق الإنسان.

 

تأثيرها على الأدب النسوي

 

بفضل أعمالها الأدبية المتنوعة ودورها النشط في دعم المرأة والمشاركة السياسية، أصبحت نبيلة الزبير من أبرز الأسماء في الأدب النسوي العربي. لقد ساهمت في إحداث تحولات جذرية في الطريقة التي تُرى بها المرأة في الأدب اليمني، إذ قدمت نماذج نسائية قوية ومستقلة في أعمالها، تسعى إلى تحقيق ذاتها وكسر القيود الاجتماعية المفروضة عليها.

 

في روايتها إنه جسدي، على سبيل المثال، تعمقت الزبير في استكشاف علاقة المرأة بجسدها، متجاوزة الحدود التقليدية التي تفرضها الثقافة المجتمعية. جعلت من ثيمة الجسد ليس عارا كان هذا العمل بمثابة دعوة للنساء للسيطرة على حياتهن وقراراتهن، بعيدا عن التوقعات الاجتماعية. هذا النوع من الكتابة أثار إعجاب النقاد ولكنه أيضا جذب اهتمام القراء الباحثين عن أدب نسوي حقيقي يعكس تجربتهم الشخصية.

نبيلة الزبير: تفكيك مفاهيم الجسد والمرأة في “إنه جسدي”

إنه جسدي طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافه مصر
إنه جسدي طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافه مصر

في عالم الأدب، حيث تتقاطع القضايا الاجتماعية والثقافية مع إبداعات الكتاب، تبرز رواية “إنه جسدي” للكاتبة نبيلة الزبير كعمل مميز يجسد رؤية جديدة وفريدة في تناول قضايا المرأة والجسد. من خلال هذه الرواية، تقدم الزبير دراسة عميقة لعلاقة المرأة بجسدها، متجاوزة الحدود التقليدية التي تفرضها الثقافة المجتمعية، وتطرح سؤالا جوهريا حول كيف يمكن للمرأة أن تعيد تعريف جسدها واحترامها له، بعيدا عن الأحكام المسبقة والعوائق الاجتماعية.

 

تفكيك المفاهيم التقليدية

 

في الرواية التي ترجمت فصولا منها وصارت درجات ماجيستير تحضر عنها في جامعات بريطانية، تأخذنا الزبير معها في رحلة فريدة لفهم العلاقة بين المرأة وجسدها، حيث تستعرض كيف أن هذه العلاقة غالبا ما تكون مشوهة بفعل القيم الثقافية والاجتماعية التي تفرض قيودا صارمة. ومن خلال تصفح النصوص والأحداث، يتضح لنا كيف أن الجسد الأنثوي غالبا ما يُنظر إليه كمصدر للخزي والعار، بدلاً من كونه جزءا من الهوية الشخصية والوجود الإنساني. تجسد الزبير من خلال شخصياتها عملية تفكيك هذه المفاهيم التقليدية، وتعيد بناء تصور جديد يعترف بجمال الجسد واحترامه.

 

الجسد كرمز للحرية والتمكين

 

الزبير في “إنه جسدي” لا تعالج قضية الجسد من منطلقاته السطحية فحسب، بل تتناولها كرمز للحرية والتمكين. الجسد، كما تصوره الرواية، هو جزء لا يتجزأ من الذات الفردية، ويجب أن يُحترم ويُعتنى به بقدر ما يُعتنى بأي جانب آخر من جوانب الحياة. عبر شخصياتها، تُظهر الزبير كيف يمكن للمرأة أن تستعيد السيطرة على جسدها وتعيد تعريفه بما يتماشى مع قيمها وتطلعاتها الفاضلة بدلاً من الاستسلام للأحكام الاجتماعية التي تقيد حريتها.

 

مواجهة الأحكام الاجتماعية

 

تتعامل الرواية مع الأحكام الاجتماعية السائدة حول الجسد الأنثوي بنهج نقدي، مظهرة كيف أن هذه الأحكام لا تعكس حقيقة الجسد أو قيمته. الزبير تتناول موضوع الجسد ليس كعورة، بل كجزء طبيعي وجميل من الحياة الإنسانية. من خلال هذه النظرة الجديدة، تتحدى الزبير التصورات السائدة التي تحاول تجسيد الجسد كسبب للخجل أو العيب، وتقدم رؤية قائمة على الاحترام والتقدير.

 

احترام المرأة وقيمتها

 

بجانب تفكيك الأحكام الاجتماعية، تبرز الزبير الاحترام العميق للمرأة في روايتها. من خلال معالجة العلاقة بين المرأة وجسدها بهذه الطريقة العميقة والمفككة، تُعزز الرواية قيمة المرأة ككائن كامل له حقوقه وخصوصيته. وهذا يبرز بوضوح كيفية احترام الزبير للمرأة ومكانتها، وهو ما يتناقض بشكل كبير مع الأحكام السلبية التي يروج لها البعض حول قيمتها.

 

الوعي الثقافي

 

من خلال تناولها لقضية الجسد بهذه الرؤية الثاقبة، تساهم الزبير في توسيع الوعي الثقافي حول أهمية احترام الجسد والاعتراف بقيمته. الرواية تدعو إلى التفكير بعمق في كيفية تأثير الثقافة المجتمعية على تصوراتنا حول الجسد، وتحث على إعادة تقييم المواقف والأحكام التي نحتفظ بها.

 

إن رواية “إنه جسدي” للكاتبة نبيلة الزبير تقدم لنا دروسا مهمة في فهم العلاقة بين المرأة وجسدها. من خلال تفكيك المفاهيم التقليدية وتعزيز الاحترام والوعي الثقافي، تعيد الزبير تعريف الجسد الأنثوي بعيدا عن الأحكام المسبقة. روايتها لا تعكس فقط تقديرها للمرأة، بل تدعو أيضا إلى نقاش أعمق حول قضايا الجسد والحرية والتمكين. في عالم الأدب والثقافة، تظل إسهامات الزبير محطة هامة في مسيرة النضال من أجل احترام حقوق المرأة وتعزيز قيمتها الحقيقية.

 

 

قصائد متميزة

 

إلى جانب الروايات، قدمت الزبير قصائد متميزة تعكس تجربتها الشخصية والإنسانية. في ديوانها محايا (1999)، تعبر الزبير عن حالة من التأمل الفلسفي العميق في الوجود والحب والحياة. تمثل هذه القصائد نموذجا للشعر الذي يعتمد على الرمزية والصور العاطفية القوية، مما يجعلها قصائد تحتفي بالإنسان والوجود في آن واحد.

 

أما ديوان تنوين الغائب (2001)، فهو واحد من أعمالها الشعرية التي تميزت بلغة قوية ومكثفة، حيث تجسد الزبير في هذا الديوان مشاعر الحب والفقد والانتماء. وكما هو الحال في معظم أعمالها، تظهر الزبير في هذا الديوان قدرتها الفائقة على استخدام الشعر كوسيلة للتأمل الشخصي والفلسفي.

غلاف ديوان " تنوين الغائب" آفاق أخرى لقصيدة النثر
غلاف ديوان ” تنوين الغائب” آفاق أخرى لقصيدة النثر

التكريم والاعتراف الدولي

 

لم تقتصر شهرة نبيلة الزبير على اليمن أو العالم العربي فقط، بل تجاوزت حدود الوطن العربي لتصل إلى القراء والنقاد الدوليين. تُرجمت أعمالها إلى اللغة الإنجليزية، وظهرت في مجلة “بانيبال” الشهيرة التي تهتم بترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى. كما تم إدراج أعمالها في مختارات دولية لأدب الشرق الأوسط، مما يؤكد مكانتها كواحدة من أبرز الأصوات الأدبية في المنطقة.

 

في عام 2008، تم تضمين بعض قصائدها في مختارات “لغة للقرن الجديد: الشعر المعاصر من الشرق الأوسط وآسيا وما بعدها”، مما عزز من مكانتها كصوت شعري عالمي. هذا التكريم يعكس الاعتراف الدولي بأهمية أعمالها وتأثيرها على الأدب العربي والدولي.

 

إن نبيلة الزبير ليست مجرد كاتبة يمنية، بل هي رمز للأدب النسوي العربي وللكفاح من أجل الحرية والتغيير الاجتماعي. من خلال أعمالها الشعرية والروائية، قدمت الزبير صوتا نسائيا قويا يعبر عن قضايا الحرية والانتماء، كما شاركت بشكل فعال في الحياة السياسية والاجتماعية في اليمن. تأثر جمهورها بقدرتها على تقديم الأدب كوسيلة للتغيير والتأمل الفلسفي العميق، مما يجعلها واحدة من أبرز الأسماء في الأدب العربي الحديث.

 

نبيلة الزبير، التي عُرفت بدورها البارز في الحياة الثقافية والسياسية اليمنية، وجدت نفسها في موقف صعب بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن. بوصفها رئيسة فريق عمل قضية صعدة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، كانت تعمل على إيجاد حلول للقضايا التي عانت منها اليمن، بما في ذلك الوضع المعقد في صعدة الذي كانت حركة الحوثيين في مركزه. لكن، مع خيانة عبد الملك الحوثي وجماعته لمخرجات الحوار الوطني، وقلب الطاولة على العملية السياسية، بدا أن كل الجهود التي بذلها الفريق الذي ترأسته الزبير أصبحت بلا جدوى.

 

هل شعرت نبيلة الزبير بالإحباط؟

 

لا شك أن كل مخرجات الحوار الوطني نسفت ، مما جعل عمل نبيلة الزبير وفريقها يبدو وكأنه جهد ضائع فالكلام صار للبنادق ، ما لاينفع معه كلام الفنادق. وهكذا فأن ما حدث لم يكن مجرد فشل سياسي، بل كان خيانة لعملية شاملة تهدف إلى إعادة بناء اليمن على أسس ديمقراطية، وهو ما قد جعل الزبير تشعر بالإحباط وربما بالعجز أمام هذا التحول الدراماتيكي.

 

سر اختفاء نبيلة الزبير عن المشهدين الثقافي والسياسي

 

برأينا فإن اختفاء نبيلة الزبير عن المشهدين الثقافي والسياسي قد يكون نتيجة عدة عوامل. أولاً، الزبير كانت دائما رمزا للسلام والحوار، ووجودها في موقف صعب بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء قد جعل من الصعب عليها مواصلة نشاطها بنفس القوة والزخم. الحوثيون، باعتبارهم جماعة متطرفة وقمعية، قد لا يتسامحون مع أي شخص حاول سابقا إيجاد حلول سلمية لمشاكل اليمن.

 

تقيم نبيلة الزبير حالياً في جمهورية مصر العربية.فيما أتمنى أن تدون مذكراتها حين كانت تترأس فريق عمل قضية صعدة وتنشرها في كتاب ليستفيد منه كل دارس أو باحث جاد عن العقل السياسي اليمني.

 

 

نبيلة الزبير: دروس في الحلم، الشفافية، والثقة

 

حينما نستذكر شخصيات بارزة في المشهدين الثقافي والسياسي، نجد أن بعضهم يترك أثراً عميقاً في مسارات حياتنا، ليس فقط من خلال إنجازاتهم، ولكن أيضاً من خلال القيم والمبادئ التي يتبنونها.

نبيلة الزبير، هي واحدة من هذه الشخصيات التي أثرت في مسيرتي الشخصية والمهنية بشكل كبير، قدّمت دروساً ثمينة في الحلم، الشفافية، والثقة، بالإضافة إلى مفاهيم شعرية ورؤية ثقافية ناضجة.

 

الحلم ورؤية المستقبل

 

من خلال متابعتي لعمل نبيلة الزبير على مدى 25 سنة ، تعلمت أهمية الحلم ورؤية المستقبل بوضوح. في ظل التحديات الكثيرة التي واجهتها، وخاصة بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن، أثبتت الزبير أنها قادرة على التفكير بعقل مفتوح ورؤية أبعد من الواقع المعقد الذي كانت تعيشه. كانت تعمل على تحقيق أهدافها رغم الصعوبات التي كانت تعترض طريقها، وهو ما علمّني أن الحلم ليس مجرد فكرة خيالية، بل هو دافع قوي يدفعنا للعمل والمثابرة، حتى في أحلك الأوقات.

 

الشفافية في العمل

 

الشفافية كانت من أبرز القيم التي تميز بها عمل نبيلة الزبير. في مجال عملها، كانت تسعى دائماً إلى أن تكون واضحة وصريحة في أهدافها وإجراءاتها. هذه الشفافية لم تكن مجرد مسألة مهنية بل كانت فلسفة حياتية، حيث أكدت على ضرورة التعامل مع الآخرين بوضوح ونزاهة. تعلمت منها أن الشفافية ليست فقط في ما نقوله، بل أيضاً في كيفية تعاملنا مع القضايا والمشاكل بصدق وموضوعية، مما يعزز الثقة ويقوي الروابط بين الأفراد والمجتمعات.

 

الثقة في النفس والآخرين

 

نبيلة الزبير كانت تجسد مفهوم الثقة بكل معانيه. في أوقات الاضطراب والتحديات، كانت تظل متمسكة بثقتها في قدرتها على إحداث تغيير إيجابي، وهذا منحني درساً مهماً في أهمية الثقة بالنفس. لكنها لم تقتصر على الثقة بنفسها فقط، بل كانت تسعى أيضاً لبناء ثقة بين الأفراد والجماعات التي عملت معها. تعلمت منها أن الثقة هي حجر الزاوية في بناء العلاقات والعمل الجماعي، وأنها أساس لتحقيق النجاح في أي مشروع.

 

 

المفاهيم الشعرية والفنية

 

العمل الثقافي والفني لنبيلة الزبير لم يكن مجرد نشاط جانبي، بل كان جزءاً أساسياً من رؤيتها الثقافية. كانت تملك قدرة استثنائية على دمج المفاهيم الشعرية في عملها، مما أضفى طابعاً جمالياً وفنياً على مشاريعها. تعلمت منها أن الفن والشعر يمكن أن يكونا أدوات ثقافية قوية للتعبير عن القضايا الاجتماعية، وكذا السياسية بالمحصلة.!

 

إنها التجسيد الحقيقي لمعنى الاستقلالية

 

والمقصد أن نبيلة الزبير تجسد الاستقلالية الحقيقية في العمل الثقافي والسياسي. لقد كانت قادرة على دمج المفاهيم الشعرية في أعمالها، مما منحها عمقاً جمالياً وفنياً مميزاً. لم تكن أعمالها مجرد تعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية فقط ،بل كانت تجسيداً لرؤيتها الثقافية المستقلة، حيث أظهرت كيف يمكن للفن والشعر أن يكونا أدوات فعالة للتعبير والاحتجاج. هذه القدرة على الجمع بين الجمال الفني والرسائل العميقة تعكس مدى استقلاليتها وابتكارها في المجالين الثقافي والسياسي أيضا .

 

***

نبيلة الزبير
ببلوغرافيا ومختارات ومفاهيم ورؤى

من مواليد عام 1964.
تخرجت في جامعة صنعاء / آداب /علم نفس.
ترأس مؤسسة: لقى للثقافة النسوية وحوار الحضارات.
حازت روايتها: إنه جسدي، على الجائزة الأولى في مسابقة نجيب محفوظ للرواية والقصة للعام 2002.
صدر لها:

متواليات الكذبة الرائعة، شعر، المستقبل دمشق، 1991.
ثمة بحر يعاودني، شعر، الفكر دمشق، 1997.
محايا، شعر، الهيئة العامة للكتاب صنعاء، 1999.
إنه جسدي، رواية، الهيئة العامة لقصورالثقافة القاهرة، 2000.
تنوين الغائب، شعر، دار الآفاق صنعاء ،2001.
صعودا إلى فردة كبريت، شعر، إتحاد الأدباء صنعاء، 2003.
رقصت في الصخر، سرد، 2003.
***

غلاف مجموعة رقصت في الصخر
غلاف مجموعة رقصت في الصخر

التميمة

في الفسحة التي أختارها النهار
ليغازل قطته
يحكم إغلاق الشرفة
كامنا يتقد وجهك
ينفث إلى سجادة النسوة
تميمة العازف على صعيد كرامة أولى
يتوافد العشاق من كمائن الوصل
تنفك عن أعناقهم الأكاليل المنسية
يطلقون ـ لوجه الحب ـ
سراح ورود أحبائهم
يبتكرون زهرة
يبتكرهم مواؤها
وأخيرا
يغرب الإنتظار
تتفتح الشمس خمس مراتٍ
كي تندس في فراش حبيبها فلا يلسعه البرد.
***
يحكم إغلاق فمه

يتوافد قطاع الشوق
علّك بين أولئك الذين ينتظرون كابينة إضافية
هل حضرت آخر عروض السحرة
لمعجزة الراكعات من النخل والطير
تصغي إليّ
دائما أنت تمضي على حبل صوتي
إلى أخمص الصمت
تُبقي الجداول مسدلةً
تنسى أن تربّتَ فوق مدامع نافذت
لا يردك حجر الليل
لا يجيء إلاّ بحجر ذاته الخالصة
لذا ينبجس العطر
تسبّح الأمشاج :

لا بورك في عود أخضر لا يحمل قربانه
لصباح القصيدة.

بدونك أسكن جسدي كله
أعترف بأني أضعف أحيانا
أحلم أحيانا بالحجر الأكثر تعطشا
لقهوة عيني
لا أخون
لا يعترف حجري إلاّ أنه كل يوم غيره
وأنني كل يوم أكثر تدفقا فيه
جرّب أن تطفئ شمعة الليلة السابقة
المرأة السابقة
لا تذهب إلى أيِّ نجار لتصقل نخلة
أرفع رأسك إلى سعف القبس
ثمَّ …
ثم…
أرجع البصر
تؤمن بالحب الأعمى
لستُ أدري بماذا أحبك ؟
جلّ جلال الظلام
لك معاقلك تحكم إغلاقها
ولي حجري.
***

مناخات

قرأتْ:

ها أنا ذي بمجداف واحد
أبسطه
ويطويه البرد.

قرأتْ:

تكسرتِ الموجةُ مرة أخرى
والشاطئ لا يزال في مكانه.

قرأتْ:

ما من داعٍ لأن تتهيئي لفنجان آخر
قهوتك
مرارة لا تحتمل
طأطأتِ الورقةُ:

كل هذا غير صالح إلا ….
مزقتْ كل ذلك ودخلتْ في القهقهة.
***
غبار المرات الأولى

هوامش من دفتر حضري لـ هاديس

ستكسو وجهها الحمرة
الطفلة التي تقع على الأرض لمرة
ليست الأولى كما تشعر
الطريق الثانية تنفض غبار ركبتيها
عربة ستقف
ليغسل الشرطي تعب نعليه
نافورة كانت بئرا
يحاذر الأطفال أن يدلوا رؤوسهم من فوهتها
تخرج العيون من منتصف قعرها
لترى كل شيء أصفر وغريبا
هرم هذا الفرن كثيرا
يتمتم الشحاذ
تلوي أذنها المرأة
التي تبتاع كل يوم خمسة أرغفة
طفلان وجه أحدهما يلمع
فاترينة الكافتريا المجاورة
هي التي تلحس لعاب الولد الآخر
هذه الجلبة والغبار
لمبنى أنهدم
أو سينهدم بعد قليل
النوافذوالأبواب
وأخشاب السقوف
لا تسمّى سرقةً عادةُ جمع الأنقاض
صاحب هذه السيارة واقف
الزمامير تثبته في الناصية
ريثما ينتهي أحدهم من العبور
ستتكدس الإشارات الحمراء
في فم الولد
ليبصق بها في الإشارة الثانية
سرب حقائبَ مدرسية
تحت آباط بدأ فوحانها يفضح الطريق
ستختبأ
أو ستحمل هذه الحقائبَ
آباطٌ برائحة مذكرة
عصير يندلق من يد رجل يعابث جنبيته
بعد قليل يصب لعناته
على مرأة الناصية
التي أستنزفت عصيره
النساء لا يجلسن إلا تحت شجرة الزقوم
أحدهم يدفع بها من ظهرها
لكنها تترنح وتجلس تحت جذع الطلحة
عربة خضروات تندس بين وركي ولد يركض
الولد الآخر مسموم بالفتارين
التي أصبحت كلها شطيرة جبن
خردوات
ألسنة لهيب تلتلهم شريحة من الفضة
مكبرات صوت فوق عربة مقلوبة
أكوام طلاءات جافة ومطموسة
قضم بازلت
مكعبات
ودوائر هواء منخور في قلب الآجر
شمسيات لم يتبق منها
إلا مكبس الزرار
الذي يطلقها فلا تنطلق
وإلا قضبان حديد متباعدة ومعقوفة
شمس مكسورة عند أقدام الإسفلت
ستكسو وجهها الحمرة
تنفض عن سرتها غبار المرات الأولى
البنت التي تقع للتو.
أعمال الزبير الشعرية ترجمت إلى اللغة الإنجليزية في مجلة بانيبال وأيضا في سنة 2008 أدرجت ضمن مختارات لغة للقرن الجديد: الشعر المعاصر من الشرق الأوسط، آسيا، وما بعدها.

لها رواية إنه جسدي (فازت بجائزة نجيب محفوظ 2002)
زوج حذاء لعائشة

شاركت “الزبير” مع رفاقها من المثقفين اليمنيين في الثورة الشعبية التي ملأت ساحات اليمن عام ٢٠١١ مطالبة بالتغيير السياسي.
ترى نبيلة الزبير انه “لا حل إلا المواجهة – ولو بقدر بسيط – فالفن والأدب يظلان – في الأساس – محاولة لعدم الغرق في الركود الاجتماعي، حتي لا نستسلم لهذا الركود، وحتي لا نصبح عناصر سلبية من عناصره، فلابد من الحلم بالتغيير”
ثم تستطىد في حوارها مع الصديق الشاعر المصري الكبير عيد عبد الحليم الذي صار يترأس مجلة “أدب ونقد” الثقافية المرموقة الصادرة عن حزب التجمع المصىري ” اليساري”
“وعموما فنحن نكتب في مجتمع تصل فيه الأمية إلي 80%، وخطورة ذلك أننا حين نكتب نرحّل وعينا إلي المستقبل”.
***

غلاف مجموعة صعودا إلى فردة كبريت
غلاف مجموعة صعودا إلى فردة كبريت

خارج الأجنحة
(يحدث)

يحدث أن
نلتقي بادئا،
لا وراء نغادره..
لا قصيدة
لا شجرة
يحدث
أن نلتقي،
يفرقنا الوقت
نهرب.. شفةً لشفة
يحدث أن نلتقي
يغربنا “الشيء”
لصيقين
تقصمنا شعرة

***

عطر بري

وحده كان يمخر،
يوقظ الحصو،
يؤم الرمال..
إلى حضرة الروحِ:
سافحي زغب الآلهة..!
لا تسأليه لماذا هو الحي..!
واعترفي :
إنني أنثر الأرضَ،
لتسفحها،
لأنبع من عين موت
***
إلى الشاعر الموقف.. عبد الله البردوني

تركت عباءة وجهي،
أعرضت عن رئتي،
وأمي
– إلى أين ؟
.. إلى خارج البدن المتكلس
خلف الإمام
كسرت الدواة ـ دمي
أهلّة عمر الحصى
إلى…
ما سوايا
يالفاحشة الحرب
اكتشفت بأن دمي خائنٌ
ضدّي
حتى خطاي على جمرات اليقين
فهل كنت..؟
.. لما أكن..
كل شيءٍ تخثّر في وطني
.. قلت في (وطني) ؟
خطأ دموي
تحت جلدي أقمت
أعجبتني قطاة الكروم
أوغلت في حضرة الإنفناء
وأتبعت من سبب
وطنا..
.. قلته..؟!
… خطأ الأبدي
لمّا أقم..
أخرجتني الغرابيب من وطني..
.. قلت من …..؟
.. خطأي..
– وهناك..؟
.. لي.. بـ.. ـلا…
بقايا بلاد
لي طفلة وأواخر أم
أب لم أنله..
أخوة.. أمنية..
– هربتِ.. ؟
.. أحادية الشمس كل الجهات..
– إلى….؟
.. آوي إلى الظل يعصمني،
أتعبني عسس الكبرياء
يا الذي منه لا ملجأ
أكنت إليك أهاجر من بدني..؟!
– لماذا إذن تنظرين..؟
.. لـ…. إن بي جنتين
لعنةً
تخصفان على وطني ـ
خطأي الجسدي
– أما كنّ..؟
.. لما تلد..
أخرجوا الجند من فمها..
لفظت وطنا:
لا تطيلوا الوقوف على ولدي..
– من أين..؟
.. من نزف..
شظايا ورود..
أباة يشعون في غمدهم
يصقلهم وارث الظلمات
– فمت يزهرون..؟
.. حمدت ….. له الحرث
” حصيدا جرزا”
متى انتصر الوعلُ
قبلوها إلى كبدي
وانتفلوا:
” فاقع لونها”
– يا لفاجعة الوطن الجب..
تصدعت العير بالأوسمة
عن مائه سال نهر الجباه
بدلت الأرض سيماءها
فاض بها القيظ…
هذا الملأ..
أعين..؟
أم نشيدٌ أبابيل
للمدن الآفلة
للمائدة..
مر طعم السكوت..

كل شيء يهاجر من بلدي
( إلا الذين تبرملوا:
كلوا..
واشربوا..
واشكروا..
– ” فاقع لونها ” )
***
أقدام كثيرة كأنها واحدة

يوم غدٍ هو يوم أحدٍ أو ثلاثاء
……
….
الأحد يختطف من الثلاثاء أنثاه !!
الأحد.. يستطيع أن يختطف من الثلاثاء الأنثى..
يصطحبها من الهودج الذي تتباهى إلى الطين الذي تستلذ
تدحرج من أعلى كتفه إلى البارحةِ
ما تبقى من الوجع والزرقة والثلاثاء..

 

الثلاثاء بالبزّة الأنيقة.. بالجيوب التي تخبئ فيها حنطتها وتسرب
الثلاثاء.. بالاعتيادية ذاتها، بالتلقائية الأقرب إلى التثاؤبِ، بأصابع ليست في يديه تماما
يجرد أنثاه من تشريها في أعطافه..
الثلاثاء..! الذي كان يصفف شعره بأمشاط الحصاد
وكانت الأهازيجُ و”البالةُ” تغض كل مرة عن تَفاجُئ
شعرتين.. وتجدل العيون المباغتة بالقهقهات..

الثلاثاء..! الواقف منذ الصباح أمام التماثيل..
يأكل شطيرته قبالة الفاترينة وأشجار البلاستيك الملمعة

ستمر.. وسيدخل في حلقات الرقص الانفرادي..
أو سيخرج إلى عازفي الطبل بحبالهم وقرودهم المدربة..

الثلاثاء الذي لا يقف ولا ينتظر أحدا لكنه لا يعرف من الرصيف إلا قدمين، وعشيباتٍ يمكن أن تنمو لولا أنه مستعجل وركلاته بعيدة..

الثلاثاء الذي لا شيء ينتظره..
عند منتصف النهار.. تماما عند منتصف الدفء والأيادي الملوّحة والحاجات ذات الرائحة الشرهة يبدأ وجه الثلاثاء بالشحوب..

***

الخرافة

ما الذي سأفعله إذا لم يجئ الصباح
وما الذي ستفعله الظلمة إذا ما بقيت أجفان الحجرة مطبقة هكذا..

إلى أين تسير هذه الدفعة المجنونة في الأجفان المطبقة تماما
كأن لا نافذة جنوبية ولا باب للأهداب التي لم استطع إقناعها بالدخول لحين الشروق..

ما الذي سأفعله إذا لم يلُح ولو وميض من الضوء
على من ستنفتح الأوراق وتخرج من أردانها الكلمات التي لم أستطع أن أقولها..

إلى من ستذهب الصغيرة بزقزقاتها ومِن يد مَن سترتدي جناحيها وتذهب إلى المدرسة..
ما الذي سأطعمه هذه الهرة الجاثمة فوق فرائها..
المتربصة بنوم يتمطى إلى جوارها
كأنما ينتظر هو الآخر الصباح..

في الشارع عربة مجنونة وتسير باتجاه واحد للظلمة..
وأسمع حشرجة كأنما كانت قناديل على وشْكِ الضوء
أو ضوءاً وسقط للتو..
أسمع كأن أقداماً أو قضمةً أو حفحفة أو حشرة أو حجراً تتدحرج

ما الذي تفعله الظلمة في الشوارع التي لا تتقلب ذات الجنوب ولا ذات الشمال..
ولا ترد الملاءات ولا تنزعها.. ولا تبرد ولا تخرج إلى الشرفة..
ما الذي تفعله الظلمة الآن.. وهي تقطع الأصابع مراتٍ ومرات..
وتتثاءب وتنسى أقدامها وتعشوشب..
الجدران ما من جدران في الحقيقة..
الغلالات التي فقدت سوادها كذلك..
وتبحث..! لم تعد تدرك عن ماذا تبحث الهوامش الفائضة؟ هل عن ثياب أم أيادٍ
هاتكة تتحسس فيها انهداماتها وتسميها جدرانا..
***
لكنها تدور الساعة المعلقة إلى عقاربها، تتصنَّت من خلف إيقاعاتها وتدور..
هل الساعة معصوبة العينين وتسير على حدوات أربع إلى إيقاع آخر..
تحت أي الحدوات اندفن الجيولوجيون وهم ينقبون عن الوقت..

ما الذي تمسخه الظلمة أيضا من الأفكار والدورانات الواقفة..
لأبتكر خرافة بدون حدواتٍ ولا مخاوف من الحدود المدبوغة التي لم تعد
تماسيح ولم تكن ديناصورات ولن تكون يدين تتكلمان المدَّ والضوء..
الظلمة تجثم وعلي أن أبتكر خرافة لا تقضم أظافر ورقتي بأحبارها ذات العوادم الثابتة…

الستائر التي تبدو وكأنها تمشي.. والنوافذ التي تبدو وكأنها من زجاج..
المواءات التي لا قطط من ورائها..
والحفيف، جثة طير (هل من دم ونباح) من صادها..؟ تدعي أنها ها هنا منذ كان صباح..

الظلمة كيف ستتخلص من الجثث الماشية والمكسورة
المواءات المغلوبة على صباحاتها..
والجوارحِ التي تحك أظافرها في الناصية..
ما الذي سيكنس كل هذا والعجوز تعبت من التسكع في الشوارع لا تتذكر ما الذي تنتظره..
ما الذي ستفعله الشوارع بالورقة الناصعة البياض
كأنما قنينة الحبر التي كتبت كل هذا
لم تكن إلا بياضا أملس..
من الذي قال للصباح أن يجيء ولم تزل هذه الخرافة في أول السطر..
***

نبيلة الزبير..لقد انهدمت الحواجز بين الأجناس الأدبية

في حوار بديع مع الشاعرة اليمنية الكبيرة نبيلة الزبير مع حسن المطروشي في جريدة الوطن القطرية تقول نبيلة الزبير :
” نحن جئنا في زمن مفعم بالحداثة.. والحداثة ليست فقط في الأدب وإنما في الرؤيا والاتجاه والمتغيرات التي طرأت على المفاهيم الثقافية بشكل عام.. ان مفردات قراءة الواقع هي التي تطورت.. وبديهيا ان يكون هذا الانعكاس على الكتابة بالأخص.. فالمقولة بالحدود الصارمة بين الأجناس لم تعد سارية.. ليس لان ذلك شيء يقال وإنما هو بالفعل أصبح واقعا ملموسا.. لقد انهدمت الحواجز بين الأجناس الأدبية.. فكان من الطبيعي ان تجد في أعمال كثيرة إنها آمنت من الداخل بهذا الانفتاح والتداخل ولو ظل أصحابها متحيزين لفكرة الجنس الأدبي الذي يكتبونه.. أنا اكتب منذ عشرين سنة وكلما نظرت الى قصيدتي وجدت فيها كثيرا من السرد.. إما الرواية فقد كانت شعرا خالصا.. مفرداتها وصورتها والمشهد الذي تقوم عليه.. فالشعر داخل في كل شيء.. وربما لفيضان في الشعر علينا ان نجد له مصبات”
***
نبيلة الزبير:ابحث عما هو فوضى في الكتابة.. لا لأنظمه ولكن لأعيد (فوضوته)

تضيف في ذات الحوار”هنالك من يجيء ليكتب بهدف انه يعيد هندسة العالم.. يعيد تنظيمه.. إذ يرى ان العالم عبارة عن فوضى وعليه ان يعيد ترتيبه.. إما في الحداثة فأرى ان العالم منتظم أكثر مما ينبغي وعلينا ان نخلخل هذا النظام وان نحدث لنا ثغرات تشبه فقاقيع الأطفال وألعابهم من اجل الخلاص من هذه الرتابة وهذا النظام الفائض عن حاجتنا.. أما بالنسبة لي فانا ابحث عما هو فوضى في الكتابة.. لا لأنظمه ولكن لأعيد (فوضوته) على طريقتي.. ان كل شيء مهندس ومنظم وعلينا خلخلة هذا النظام لنجد لأصابعنا مكانا.. فعندما نكتب فنحن لا نفعل أكثر من البحث عن متسع قليل من البياض.”.
في السياق تؤكد الشاعرة اليمنية الكبيرة نبيلة الزبير”الكتابة إعادة لترتيب الفوضى ولكن بفوضى جديدة اقترحها على العالم.. فلي فوضاي التي أريد ان أقولها للآخرين كتابة.. أي ان أفسح لها مجالا للكتابة.. ومهما ادعينا فوضانا فهي نظام جديد بمنطق آخر.
***
نبيلة الزبير:”أنا أعابث باللغة ولا اعبث بها”.

في سؤال “هذه العبثية الجارفة مقابل الهندسة الصارمة.. هل هذا ما تبشر به نبيلة الزبير ؟!
تجيب نبيلة الزبير “العبثية مصطلح محمل لا أريد ان ننساق اليه.. دعني احد وأقول إنني (أعابث) ولا اعبث.. فالعبثية أصبحت مصطلحا فلسفيا محملا منذ عقود ولا أريد ان أزج بنفسي في ما انتهى منذ عشرات السنين.. أنا أعابث باللغة ولا اعبث بها”.
وتشرح نبيلة الزبير”
في كتاباتي أتناول الانسان من خلال علاقاته.. هذا هو التوسط بينه وبين الأخر بين الفرد / الذات والآخر.. أي العلاقة فمعظم كتاباتي تحط رحالها في هذا التوسط.. لا أناقش الرجل أو المرأة وإنما أناقش العلاقة.. (أنقش في العلاقة) حتى فيما اسمية ويسميه الآخر (نسوية) أنا لا استهدف الرجل وأقول له أنت ظالم ووو.. ولا أخاطب المرأة على أنها مظلومة أو مجروحة.. فهذا خطاب ميت.. والحق ان الرجل والمرأة ليس كلا منهما على حدة.. وليس كلا منهما معا.. وإنما هي مجموعة العلاقات التي يفرزها واقع وهي على قدر كبير من القهرية ينتجها واقع قهري.. ففي كتابة الموسومة بالنسوية لا أناقش الرجل ولا أناقش المرأة ولكني أناقش هذه العلاقات من صورها البعيدة والدقيقة التي توضح ان كليهما في حالة قهر وسلب يتمثل في سلب الإرادة والذات والوجود والحضور بحيث يؤدي نصي رسالة.. بالإضافة الى كونه نصا قائما بذاته.. وهذه المفردات التي اتعاطاها”.
***
نبيلة الزبير :”بقدر ما تكون كلماتي رشيقة وجميلة وأنيقة ستكون أيضا مليئة بالوجع والألم.”.
…..
إنها نبيلة الزبير التي تصرخ” إنني بودي لو اكتب النص لذات النص ليس بمعنى ان الفن لذات الفن ولكن بمعنى ان النص ليس محملا بأي قضية محملا بكوابيس الليل ولست مضطرا لان تجد في هذا النص ترجمة لما رأيته.. ان تقرأ جمالا بذاته كما تقرأ الشجرة أو الهواء أو البحر.. هذا ما أتمناه واحلم به ولكن بيدنا ذلك فقدرنا ان نجيء في ظروف ليست جاهزة.. فنحن لسنا مهيئين ان نجلس ونقرأ الشجرة بجمال خضرتها وانتشارها في الهواء.. لسنا بتلك الجاهزة.. فلابد ان نقول ذاتنا بكل ما فيها ومن هنا جاءت القضية والرسالة.. جاءت تالية للنص وليست سابقة له.. لا اجلس مع سبق الإصرار والترصد لأكتب هذه القضية ولكنني أجدها سربت الى أصابعي.. فبقدر ما تكون كلماتي رشيقة وجميلة وأنيقة ستكون أيضا مليئة بالوجع والألم.”.
***

نبيلة الزبير:”اشعر بغبطة عندما اتسع على ثقافة العالم”.
…….

برأي نبيلة الزبير فإن”الموروث موجود في كل شيء فيما ألبسه وأتعلمه حتى في ثقافة الطعام فأجدني أميل الى أنواع من الطعام دون قصد فالموروث ليس في حاجة الى نبش أو ان أضعه على الطاولة قبل ان اكتبه.. انه موجود في داخلي وفي عمقي كانسجتي وخلاياى الحيوية.. فانا ممتلئة بهذا النسيج الحضاري والارثي.. ربما كنت في حاجة لان أتخلص منه بعض الشيء ومع ذلك لا افعل هذا إنني أتكلم به ولا أتكلمه أو أتكلم عنه ولكنه جزء من لغتي التي أجدها والمسها في كلامي.. هذا بالنسبة للعام. أما بالنسبة لكتابتي فإنني أشعر بزهو ان يشعر القارئ ان هذا النص ينتمي الى بعد تاريخي يمثل جنوب الجزيرة لكنني اشعر بغبطة عندما اتسع على ثقافة العالم.. بحيث أكون ذلك الانسان العربي الذي ويرث الكل وان يورث للكل.. وبالتالي تنفتح لغتي على الثقافة الإنسانية بشكل عام.. سواء البابلي.. أو الإغريقي.. أو الروماني.. فليس لي حواجز.
للرفض وأحاول توظيف المفردة بحكم ما يتطلبه النص.. فليست الجغرافيا هي التي تحكمني.
النقطة الأخرى والمهمة لدى في تعاملي مع الموروث هي أنني استجلب المفردة من آلاف السنين لكن لن أجيء بها كما هي.. فوظيفتها ان تجلس معي.. هي من آلاف السنين وأنا من هذه اللحظة وعلينا ان نتفاهم لا أريدها بكل حيثياتها.. فالذي افعله هو إنني أفرع هذه المفردة وأستعيرها ترمز وأعيد توظيفها فيما هو أنا مثلما فعلت في قصيدتي (الخارجة) حيث استحضرت شخصية أنثى طهرانية من 2500 سنة فأقنعتها بأنها شاعرة أو ألبستها ذاتي وجعلتها تدافع عن طهرها بظواهرها البيولوجية والجسدية الاعتيادية ..
فهذا هو الجديد الذي أدخلته على الشخصية فانا أعيد إنتاج واقع من 2500 سنة وهو ليس بحاجة لي ان أعيد إنتاجه فهو منتج وقائم.. وعلى ان أحاوره وأعيد صياغته.. ولكن احتفظ له بتماس يحفظ له تاريخه وشخصيته وزمنه وجغرافيته وادخل فيه أنا بزمني وجغرافيتي وبيئتي وإرادتي.. فما الذي أريده من خلال هذه الرمز التاريخي في النص الشعري.

***
حين استضافتنا في لقى أنا وإبراهيم المصري وسماح الشغدري
نبيلة الزبير: تلك الأصيلة المؤثرة دوما

بجراءة وشجاعة أسست نبيلة الزبير ملتقى أدبيا ولطبيعة الظروف التي يحلو لنا أن نسميها “خصوصية يمنية” فاللقاء
في البيوت يقتصر على أفراد الجنس الواحد ليسمى عند الذكور “مقيلا” وعند الإناث “تفرطة” ولرغبتنا تقول في خطاب
الآخر أعلنا ملتقانا مؤسسة: “لُقى” مؤسسة الثقافة النسوية وحوار الحضارات” وخرجنا بنشاطها ليشمل
الجنسين. مع استمرار ملتقانا الأدبي في البيت. أتذكر جيدا إستضافة نبيلة الزبير للشاعر المصري الكبير ابراهيم المصري الذي كنت ارافقه أولا كصديق شعر وهموم ثقافية مشتركة يمنية مصرية وثانيا لأنه يحل كضيف في اليمن اليمن التي يحبها حد الحزن والحلم ولقد قال لي يوما شاعرنا الكبير ابراهيم المصري صدقني يا فتحي أبو النصر دي اليمن اللي جعلتها الظروف في الهامش ستكون يوما ما في المتن . كنا أنا وإبراهيم المصري والشاعرة اليمنية الجميلة سماح الشغدري.. قرأنا شعرا لنا لبعضنا ثم قرأنا لبعضنا أيضا قصائد مؤثرة لشعراء عرب من أجيال مختلفة ودول مختلفة.. الرائع أن القدير ابراهيم المصري جرب مضغ القات القات بصفته كيف اليمنيين المقدس. دارت نقاشات جادة حول عديد قضايا ثقافية اجتماعية سياسية بشكل عام.. كانت نبيلة الزبير تلك الأصيلة المؤثرة دوما.

 

***

 

قصائد ناقصة

 

 

***

 

” لعبة المختلف”

 

 

 

سألعب معك أمومتي (لأنني لم أكن يوما أماً تامةً)

 

وستلعب معي رجولتك (لأنك……..

 

ثم سنقلب الأدوار

 

سيتضح لي أنك أم خالصة..

 

وسيتضح لك أنني رجل من الدرجة الأولى..

 

***

“لعبة المغلق”

 

 

 

والآن ..

 

هذان صندوقان

 

سنلقي بهما في البحر

 

صندوقي دخله البحر لأنه مفتوح

 

وصندوقك جرفه الشاطئ

 

لأنك لم تخرج منه..

***

“لعبة السيل”

 

 

 

سأفترض أنني حبيبتك (مجرد فرض)

 

ستقول لي : يا حبيبتي (مجرد كلمة)

 

سنذهب معا للنزهة..

 

في الوادي

 

سنغمض عينينا

 

وسيجرفنا السيل

 

آخر النهار.. وقد تعبنا

 

سنفتح عينينا مستغربين

 

لماذا

 

لم يحدث ذلك..

***

 

“لعبة العقل”

 

 

 

سأدعي أنني عاقلة..

 

وستدعي أنك مجنون

 

سألعب معك بعقلي

 

وستلعب معي بجنونك..

 

ثم

 

سأطاردك

 

وأنت تجمع الحصوات وتعدّ مرات سقوطي..

 

***

 

” لعبة الكتابة”

 

 

 

هذه اللعبة خطرة

 

أنا لم أجرب أن أكون شاعرة عمودية

 

وأنت لم تجرب أن تصبح قصيدة مفتوحة

 

لكنني لا أعرف ما الذي أكتبه

 

إلا بعد مضي عمر

***

“لعبة السيرة”

 

 

 

سألعب معك ظمأي (مجرد لعبة)

 

سأقول لك: قبلني..! (مجرد كلام)

 

في المرة الأولى ستذهل

 

في المرة الثانية ستقترب سنتيما وتبتعد نارك

 

في المرة الثالثة سينهرق ماؤك ونارك وحدهما

 

وظمأي وحده.

 

***

من المحطات التي تعتز بها نبيلة الزبير مشاركتها في مهرجان الشعر العالمي في كولومبيا الذي يعد التجمع السنوي الأكبر للشعراء من حول العالم..يشارك فيه شعراء حازوا على جوائز نوبل مثل شيموس هيني وديريك والكوت وويل سيونكا ومن أبرز الشعراء العرب الذي استضيفوا في مهرجان ميدلين في كولومبيا محمود درويش أدونيس واندريه شديد ترجمت لها العديد من النصوص إلى الإسبانية ، الانجليزية، الفرنسية ، الألمانية.