تقارير وتغطيات

انزياحات تنعي الفنان الكبير حلمي التوني: برحيله فقدنا قامة فنية عظيمة

الفنان الكبير حلمي التوني
الموت يغيّب "رسّام المرأة" وعازف الألوان بعد مشوار صاخب
انزياحات

فقدت الساحة الفنية والثقافية العربية فناناً عظيماً برحيل الرسام المصري الكبير حلمي التوني، الذي أثرى الحياة الفنية لعقود على مدى سبعين عاما ،من خلال إبداعاته الفريدة والملتزمة. يعتبر التوني أحد أبرز الفنانين العرب الذين تجاوزوا حدود الإبداع التقليدي، لينحت اسمه بين كبار المبدعين الذين شكلوا وجدان أجيال بكاملها، ليس فقط في مصر، بل في مختلف أنحاء العالم العربي. تميز برسوماته التي لم تكن مجرد لوحات، بل أعمال تعبيرية نابضة بالحياة، عكست قضايا اجتماعية وإنسانية بلمسة مبهجة وساحرة.

الموت يغيّب “رسّام المرأة” وعازف الألوان بعد مشوار صاخب

البدايات والالتزام العربي

منذ بداياته، اتسمت أعماله بالالتزام بقضايا الأمة العربية والإنسانية، حيث كانت مصر وفلسطين، ومعاناة الإنسان البسيط، حاضرة بقوة في لوحاته.

كانت رسومه غنية بالرمزية الشرقية، حيث مزج بين البعد الشعبي والتراثي وبين التجريب الفني، مما جعل أعماله تتسم بالتفرد والجرأة. كان دائماً ما يعبر عن الأمل والحلم من خلال ألوانه المشرقة، متجاوزاً تعقيدات الواقع بتقديم رؤى جمالية تجعل المتلقي يتفاعل مع القضايا المطروحة بشكل فني وإنساني.

المسيرة الفنية

منذ تخرجه في الستينيات، قدم حلمي التوني سلسلة من الأعمال التي أثرت الحياة الفنية، حيث تميز بأسلوبه الخاص الذي جمع بين الواقعية التعبيرية والرؤية الشاعرية. أسهم بشكل كبير في مجال الرسم الصحفي، حيث كان من الرواد الذين جعلوا الرسم أداة لفتح الأفق أمام المتلقي العربي للتفكير والتأمل.

لم يكن التوني مجرد رسام تقليدي، بل تعددت مواهبه لتشمل التصميم الجرافيكي وتصميم أغلفة الكتب، حيث أصبحت أغلفة العديد من الكتب الأدبية والفكرية الشهيرة تحمل توقيعه المميز. كما أن أعماله كانت حاضرة في الكتب المدرسية وكتب الأطفال، حيث رسم عالماً ساحراً من الخيال والألوان التي فتحت عيون الأطفال على الفن والجمال منذ الصغر.

 

الأعمال البارزة

قدّم التوني العديد من المعارض الفردية والجماعية على المستويين المحلي والدولي، حيث عُرضت أعماله في العديد من العواصم العالمية. وكان دائماً ما يعبر في لوحاته عن الإنسان العربي ومعاناته وأحلامه. رسوماته للأطفال كانت أيضاً محطة مميزة في حياته الفنية، حيث نجح في خلق لغة بصرية تفهمها عيون الصغار وتثري خيالهم.

أعماله الرائدة في تصميم أغلفة الكتب تعد شاهداً على مدى تأثيره العميق على المشهد الثقافي العربي، فقد صمم أغلفة العديد من الكتب التي أصبحت جزءاً من التراث الثقافي العربي. ولعل أشهر ما يميز هذه الأغلفة هو حسه الجمالي الذي كان يعكس مضامين الكتب بطرق إبداعية، مما جعل منه مرجعاً مهماً لكل من يرغب في دراسة فن تصميم الأغلفة.

 

الفن والتزامه بالقضايا العربية

 

كان التوني ملتزماً بقضايا وطنه وأمته العربية، حيث عبر من خلال فنه عن معاناة الشعوب العربية وآمالها. فلسطين كانت دائماً في قلبه، وعبر عن قضيته العادلة من خلال لوحات حملت رسائل قوية تعكس عمق ارتباطه بهذه القضية المركزية.

الهدهد من أبرز الرموز التراثية الموحية في أعماله (الشرق الأوسط)

تميزت أعماله بروحها الشعبية، حيث كانت الألوان الزاهية والأشكال البسيطة تعبر عن عمق الجذور الثقافية والإنسانية للمجتمعات العربية. وفي الوقت نفسه، كان فنه يحمل دائماً رسائل إنسانية تدعو إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، مما جعله صوتاً للفن المقاوم.

الإرث الذي تركه

برحيل حلمي التوني، فقدنا قامة فنية عظيمة، لكن إرثه الفني سيظل حاضراً ليواصل إلهام الأجيال القادمة. ترك التوني وراءه مئات الأعمال التي لن تُنسى، وستظل شاهدة على إبداعه الذي تجاوز الحدود. لقد كان أكثر من مجرد فنان، كان رمزاً للالتزام الفني والاجتماعي، وشخصية نادرة جمعت بين الإبداع والمسؤولية تجاه المجتمع.

تجديد التراث الشعبي (صفحة فيسبوك)

 

رحل التوني بجسده، لكن أعماله ستظل نابضة بالحياة، تروي قصصاً عن الجمال، الحلم، والمقاومة. وسيظل اسمه محفوراً في ذاكرة الفن العربي، كنموذج للفنان الذي لم يترك يوماً قضايا وطنه، وكان دائماً ما يسعى من خلال فنه لإيصال صوت الإنسان البسيط.

رحم الله حلمي التوني، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا جميعاً أن نواصل على خطاه في حب الوطن والإنسانية، وتكريس الفن لخدمة القضايا العادلة.

في النهاية، لا يمكن للكلمات أن توفي حلمي التوني حقه كاملاً، فهو كان وسيظل رمزاً من رموز الفن العربي الحديث. لقد أسهم في تشكيل الوعي الثقافي والفني لأجيال بكاملها، وترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن العربي. ستظل ألوانه الزاهية ونبضات قلوب لوحاته شاهدة على عبقريته، وعلى التزامه بقضايا مجتمعه وأمته.

 


“أحد حراس الهوية العربية”.. وفاة الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني
تحرير سالم الخبجي

 أحد أشهر وأمهر الرسامين التصويريين ومصممي الكتب في العالم العربي”.

انزياحات رويترز الشرق الأوسط القدس العربي فرنس برس الجزيرة الحرة متابعات
……….
خيّم الحزن على الوسط الثقافي والفني في مصر والوطن العربي برحيل الفنان التشكيلي حلمي التوني عن عمر يناهز الـ90 عاما، وتم تشييع الجنازة من مسجد مصطفى محمود بالقاهرة.
نقابة الفنانيين التشكيليين في مصر، نعت الفنان حلمي التوني، أحد أبرز مصممي أغلفة الكتب عربيا ودوليا، الذي توفي، السبت، عن عمر ناهز 90 عاما.
كما نعاه وزير الثقافة المصري، أحمد فؤاد هنو، في بيان قال فيه إن “الراحل كان أحد حراس الهوية المصرية، وشكّل وجدان جيل بأكمله بأعماله الخالدة
وولد التوني في محافظة بني سويف عام 1934، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة تخصص ديكور مسرحي، كما درس فنون الزخرفة.
عمل في مؤسسة دار الهلال مشرفا على المجلات، وظهرت رسومه في مجلتي “سمير” و”ميكي” للأطفال. كما ساهم في إخراج مجلة “المسرح والسينما”.
وتعاون مع كبرى دور النشر في تصميم أغلفة الكتب وإخراجها فنيا، لا سيما مؤلفات الأديب المصري نجيب محفوظ.
ورأس تحرير مجلة “وجهات نظر” الشهرية، وأقام عشرات المعارض الفردية في معظم الدول العربية، وشارك في معارض جماعية عربيا ودوليا.

عالم الصغار (غاليري بيكاسو)

رحلة بصرية عبر التاريخ والأسطورة

نال حلمي التوني جائزة معرض بولونيا لكتب الأطفال عام 2002، وجائزة منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” عن ملصقه للعام الدولي للطفل عام 1979، وتقتني العديد من المتاحف والمؤسسات لوحاته.
في مشواره الفني الطويل رسم الفنان المصري الكبير حلمي التوني، وناضل بقوة؛ ترسيخاً لمعانٍ طالما آمن بها وأصر على تأكيدها، وأثناء ذلك اصطدم المبدع الذي يعد واحداً من أعمدة التشكيل المصري بالكثير من الصعوبات، ولم يفقد عناده، حزن بعمق على “تآكل الجمال حوله”، شعر للحظات بـ”عدم جدوى صرخاته”المتكررة التي يطلقها عبر لوحاته، لكنه سرعان ما كان يعود إلى مرسمه، حصنه الآمن، حيث فرشاته وألوانه وإبداعاته التي تجسد “الهوية المصرية’، وتدعو إلى “الحب والجمال والحلم”، وفق تصريحاته السابقة.
وشكلت المرأة مكانة بارزة وخصوصاً في هذا العالم الذي رسمه لنا حلمي التوني، ناضل من أجل حريتها، وخاف على مستقبلها الذي كان يصفه بأنه «هو ذاته مستقبل مصر»؛ لذلك مثلما اهتم بها من الناحية الفنية في لوحاته كمنطق للبناء البصري، والنقطة المركزية في أعماله، فإنها كانت من الناحية الفكرية هي قضيته الكبرى.وفي آخر معارضه، الذي حمل عنوان “يحيا الحب”، جسّد التوني الحب بجميع صوره، فعلى مسطح لوحاته طالعتنا المرأة بجمالها ودلالها مثلما كان يحلو له تجسيدها، وجذبتنا طاقات من العاطفة عبر صياغات شعبية مفعمة بالأحاسيس الإنسانية والروح الفلكلورية.

احتفى بالجمال والحياة (غاليري بيكاسو)

وعلق التوني على معرضه هذا: “طوال حياتي أرسم عالم المرأة، وهو عالم لا ينفصل عن عالم الحب، وعندما أتذكر المرأة فإننا نتذكر الحب على الفور؛ ومن ثمّ فإن الحب حاضر بقوة في كل معارضي، وليس من المستغرب إذن أن يكون هذا المعرض الذي ربما يكون الأخير عن الحب أيضاً”.

عمق الفكرة وسلاسة التشكيل وقوة الألوان الرمزية (غاليري بيكاسو)

ينتمي حلمي التوني إلى جيل من التشكيليين العرب الذين نظروا نظرةً ملتزمة إلى الفنّ، بصفته أداةً للنضال ومقاومة مختلف أشكال الهيمنة، وحاملاً للقيم والمبادئ الإنسانية على رأسها العدالة الاجتماعية والوحدة العربية ومناصرة المرأة. وانطلاقاً من هذه القناعة، جاءت مسيرته الإبداعية لتقترب من الناس وتدخل بيوتهم، جاعلةً الفنّ في متناول الجميع: من تصميم الأغلفة والكتب إلى الملصقات وصولاً إلى اللوحة… كلّها حُمّلت تراثنا وموروثنا الشعبي والفني، فيما ظلّت فلسطين هاجسه حتى… “البوست” الأخير.وكان التوني من المطرودين بـ “تهمة”أنّه شيوعيّ، ولم يكن كذلك، فقرّر مغادرة بلده إلى بيروت حيث أقام لأكثر من عقد في المدينة التي كانت ملجأً للمناضلين والمفكّرين العرب المطرودين من أوطانهم، تغلي بأفكار التحرّر والحداثة والتيارات الفنية والثقافية والقضايا العربية على رأسها فلسطين. التحق التوني أولاً بـ”المؤسسة العربية للنشر” بسبب علاقته بالناشر عبد الوهاب الكيالي، وبالمقاومة الفلسطينية التي كانت انتقلت إلى بيروت (الأخبار 4/5/2009). وبعد أيلول الأسود، راح يصمّم ملصقات المقاومة وبوستراتها. كذلك، صمّم لوغو جريدة “السفير” التي أسهم في إنشائها وأضفى لمساته الفنية الخلّاقة على صفحات الجريدة وملاحقها، وهو مصمّم شعارها الذي حملته حتى يوم توقّفها عن الصدور. تولّى أيضاً تصميم شعار ‘معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” المعتمد حتى اليوم. آنذاك، عبّر عن إعجابه ببيروت كمدينة منفتحة على الغرب حيث الطباعة المتطورة والإمكانات المتوافرة، فضلاً عن كونها عاصمةً نضالية للمقاومة الفلسطينية.
تبدو الفكرة الأساسية التي انطلقت منها جميع أعماله الفنية المتنوعة والغزيرة، والمتباينة من لوحات وتصاميم أغلفة كتب أدبية ودوريات، وكذا كتب أطفال. فمصر وناسها كانت هي هاجسه ـ رغم تكرار العديد من اللوحات وثيماتها ـ نجد ذلك في معارضه المختلفة، التي جاءت لتواكب ما مرّت به مصر من أحداث، ولكن هناك دوماً حالة من الأمل والبهجة ـ ولو على سبيل الذكرى ـ حتى لا ننسى مصر الجميلة في ظل التشويه المتعمَد والدائم لها الآن. هنا بعض من سيرة الفنان الراحل، سواء ممن كتبوا عنه أو من حوارات في الصحف توضح رؤيته الفكرية والفنية.حلمي التوني مصري، وهو أحد أشهر وأمهر الرسامين التصويريين ومصممي الكتب في العالم العربي. ساهم عبر عمله الغزير بتشكيل الحس البصري لدى أجيال من الأطفال والكبار العرب على حد سواء. كان هادفا اجتماعيا، كما آمن بضرورة جلب الفن للشخص العادي عبر التصميم. سعى لتطوير أسلوب عربي حقيقي في الرسم التصويري، وذلك بمزيج من الأنماط الحروفية القديمة، والرموز الإسلامية والقبل-إسلامية، والثقافة الشعبية، والنمط الحداثي في الرسم التصميم. عمل في التصميم التحريري أكثر من ٥٠ عامًا، وقد رسم وصمم عدة مجلات رائجة وغلافات كتب لـ”دار الهلال”(القاهرة)، والهوية البصرية وكتب “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” (بيروت)، وكتب الأطفال لـ”دار الفتى العربي”و”دار الشروق”(القاهرة وبيروت)، وعدة دور نشر غيرها. يعرض ويناقش هذا الكتاب غنى أعمال التوني وغزارتها، بدءاً بمقابلة شخصية مع الفنان/المصمم.

.. بتصرف


كان الفنان حلمي التوني شاهداً على العديد من الأحداث والتحولات المحورية التي حصلت في مصر والمنطقة العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.تعامل الفنان الراحل مع جميع الوسائط التي أبدع من خلالها بالقدر نفسه من الاهتمام والروح الإبداعية، وربط باقتدار، بين هذه الوسائط جميعها بخيط من المفردات والعناصر التي ميزت أعماله. بين هذه العناصر والمفردات التي عرف بها حلمي التوني كان للمرأة مكانتها الفريدة، إذ احتفى بها كرمز، قبل أن يتعامل معها كمكون جمالي من مكونات اللوحة. المرأة التي رسمها التوني هي امرأة خلابة التفاصيل دائماً، تنتمي ملامحها وسماتها إليه وحده. هذه الخصوصية التي تمتعت بها صورة المرأة في أعمال حلمي التوني، انعكست على معالجاته الفنية لبقية العناصر الأخرى في أعماله، والتي تميزت بخصوصيتها وتفردها.كان الفنان الراحل يوازن بين عمق الفكرة وسلاسة الرؤية وبساطتها من دون تعقيد يربك المتلقي، كما عُرف باستلهامه للموروث الشعبي وتوظيفه داخل العمل في تناسق لوني يميل إلى الدرجات المبهجة.جمع التونى مفرداته وعناصره من سجلات التاريخ، ومن بين ركام الذاكرة المسجلة على قلائد أوأقراط الجدات، ومن رسوم الوشم والنقوش المنحوتة على أبواب البيوت الخشبية القديمة. استلهم الفنان ذلك الموروث الشعبي، فارتكن إلى ذخيرة لا تنضب من المفردات والعناصر. في استلهامه للموروث، ظل يبحث ويجمع ويدقق لسنوات، في مفردات كما في تجليات ذلك الفن الذي كان يعتبره بوتقة كبيرة، انصهرت فيها وتفاعلت كل العصور والحقب التي مرت على مصر. وقد بدأ الفنان في رحلة استلهامه للفن الشعبي مقلداً وناسخاً لمفردات هذا الفن وعناصره، لكنه سرعان ما تحول إلى مرحلة أخرى بعد أن تشبعت روحه وذاكرته البصرية بمئات الأشكال والرموز والدلالات الخاصة. استطاع التوني أن يخلق لنفسه رموزه وعناصره التي تنتمي إليه، من دون أن يقطع حبال التواصل مع ذلك الفن الذي أبحر فيه لسنوات وذابت روحه في تجلياته ودلالاته المختلفة.

اندبندنت عربية