تقارير وتغطيات

النقوش المسندية في جامعة بيرن بسويسرا

نقوش من أثار الدولة الحميرية في اليمن
نقوش من أثار الدولة الحميرية في اليمن (أرشيف)

ليست سابقة، لكنها من النوادر مؤخرا، تعمد جامعة أوروبية مرموقة كجامعة بيرن في سويسرا، على فتح ارشيفها ومكتباتها لدراسة جديدة عن تأريخ اليمن القديم، وتحديداً عن النقوش المسندية كأحد أهم وسائل حفظ التأريخ العربي القديم.

الحضور اليمني في مراكز الدراسات والبحوث والجامعات الغربية لم يعد يذكر في العقد الأخير إلا وهو مقرون بالأوضاع الحالية التي طغت عليها أخبار الحرب والدمار والمآسي. غير أن معهد دراسات الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية التابع لكلية التأريخ والفلسفة بجامعة بيرن، هيأ لطلابه فرصة البحث في مواضيع تهمهم، في سياق رعايته للنقد والتحليل لمراحل ومناطق تأريخية بعينها.

الزميل الباحث صدام أبو عاصم، وهو مقدم الدراسة التي عنونت بـ “النقوش المسندية وأثرها في حفظ التأريخ العربي القديم” لجامعة بيرن في سياق ندوة جامعة حول Arabic Historiography، يصف الدراسة بالمجمل بأنها محاولة موضوعية لإعادة تفسير وفهم تأريخ أهم بقعة جغرافية لها تأثيراتها القديمة والمعاصرة على أوروبا والعالم.

إن علم التأريخ أو Historiography يهتم بدرجة أساسية بدراسة وتحليل كتابة التاريخ، بما في ذلك أساليبه، وأدواته، ومناهجه، ومصادره. ويهتم بكيفية سرد الأحداث التاريخية وتفسيرها وتقديمها، وكذلك بنقد المصادر والتأكد من صحتها ومصداقيتها.

يؤكد الزميل أبو عاصم، وهو طالب ماجستير بجامعة بيرن أنه ما إن يجد أماه فرصة للكتابة والبحث الأكاديمي، لا يتردد ولو للحظة، في اختيار عناوين مرتبطة باليمن القديم والمعاصر. ومن هنا جاءت فكرة البحث عن اللغة اليمنية القديمة وإسهامها في حفظ تأريخ العرب القديم قبل الإسلام”، يقول لـ “انزياحات”.

وجاء في مقدمة الدراسة أنه وعند الحديث عن التأريخ العربي فإننا نشير إلى مرحلتين اثنتين مر بهما التأريخ العربي. الأولى عصور ما قبل الإسلام والثانية عصر ما بعد الإسلام وحتى الوقت الراهن. ولكل مرحلة من تلك المراحل كانت هناك وسائل وطرق عديدة وثقت هذا التأريخ وأهمها على الإطلاق اللغة.

ويشير المؤرخون إلى وجود عدد من اللهجات أو اللغات التي كانت سائدة في شمال وجنوب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، ويربطونها جميعا باللغات السامية الأم عبر تقسيمات مختلفة حيث انقرضت بعضها فيما لا يزال البعض الآخر جزء مهم من لغات العالم اليوم كاللغة العربية، والعبرية، والأمهرية، وغيرها.

ومن تلك اللغات التي سادت في قرون ما قبل الإسلام في جنوب الجزيرة العربية اللغة اليمنية القديمة بتقسيماتها ولهجاتها السبئية والحميرية والمعينية والقتبانية والحضرمية غير أنها استخدمت نموذج خط واحد وهو المسند.

ويعد “المسند” نظام كتابة لتلك اللغات اليمنية القديمة، ويشبه إلى حد ما أبجديات أخرى كالنبطية والمسمارية والهيروغليفية وغيرها من الأبجديات التي كانت تستخدم في تدوين حياة ممالك ودويلات أخرى في شمال الجزيرة العربية والشام ومصر وبلاد الرافدين.

وطبقاً للدراسة، فقد ووثقت آلاف النقوش المكتوبة بخط “المسند” جزء مهم من التأريخ السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي في جنوب الجزيرة العربية. كما أنها كشفت عن علاقات ممالك جنوب الجزيرة العربية بشمالها وبغيرها من الإمبراطوريات الحاكمة في بلاد الرافدين ومصر والشام وذلك من خلال العثور على نقوش مكتوبة بخط “المسند” في مناطق أثرية كثيرة في شمال الجزيرة العربية فضلا عن معاملات واتفاقيات تجارية مكتوبة بخط المسند وجدت في آثار فرعونية لتدل على طبيعة العلاقات السياسية والتجارية بين الممالك اليمنية القديمة ونظيراتها في شمال الجزيرة العربية وبلاد الرافدين ومصر والشام.

ولأن اللغات السامية وتقسيماتها والمقارنة بينها وماهي اللغة الأقدم من الأخرى وكيف تأثرت تلك اللغات ببعضها، ما يزال موضع جدل بين غالبية خبراء اللغة ودارسي التأريخ العرب والأجانب، قدمت الدراسة المكونة من 15 صفحة والمحفوظة في ارشيف المعهد، استعراضاً موجزاً للغات السامية وعلاقتها باللغة اليمنية القديمة فضلا عن معرفة خصائص اللغة اليمنية القديمة، أحرفها وكيفية كتابتها ودراستها ومقارنتها باللغة العربية. وركزت الدراسة أكثر على موضوعها الرئيسي وهو “النقوش المسندية” حيث تم تحديد نماذج منها ودراستها وتحليلها وبالتالي توصلت الدراسة وفقاً لمحتوى النقوش، لرسم صورة جلية وواضحة عن تأريخ العرب قبل الإسلام.