تقارير وتغطيات

حنين الأماكن” لعيدروس نصر ناصر:شهادة على قوة الإرادة الإنسانية وقدرتها على الصمود والتحرر

تدعو “انزياحات” قرائها في القاهرة إلى حضور الفعالية.

رواية “حنين الأماكن للدكتور عيدروس نصر ناصر تمثل إضافة هامة للمكتبة اليمنية والعربية، إذ تجمع بين العمق التاريخي والفلسفي والأسلوب الفني المتميز. هي دعوة للتأمل في تاريخنا، وفهم المكان بوصفه جزءا لا يتجزأ من هويتنا ووجودنا.

 

تبرز الرواية كواحدة من أهم الأعمال الأدبية التي توثق مرحلة حساسة من تاريخ اليمن الجنوبي، حيث تسلط الضوء على كفاح أبناء عدن والجنوب ضد الاستعمار البريطاني. ومع أن الرواية تغوص في تفاصيل تاريخية عميقة، إلا أنها تتجاوز مجرد السرد التاريخي إلى تقديم رؤية فلسفية ومعالم فنية ما بعد حداثية، مما يجعلها عملا شامخا يتناول المكان كعنصر محوري في الصراع والتحرر.

غلاف رواية حنين الأماكن.

 

أحداث ملحمية ونظرة فلسفية:

تبدأ أحداث الرواية من حادثة غرق السفينة البريطانية “دوريا” (دولت) بالقرب من سواحل أبين عام 1837م، وهي الواقعة التي اتخذتها بريطانيا ذريعة لاحتلال عدن بعد ذلك. تستعرض الرواية فترة الاستعمار البريطاني لعدن وما تلاها من تحولات حتى تحرير المدينة ومغادرة البريطانيين في 20 نوفمبر 1967م. وبين هاتين النقطتين، يعرض عيدروس نصر ناصر في روايته سردا دقيقا لتفاصيل تلك الحقبة، جامعًا بين التاريخ والسياسة والاقتصاد والمجتمع في إطار سردي يبرز عظمة المكان وتأثيره على الأحداث.

 

عيدروس نصر ناصر النقيب برلماني يمني، عضو في مجلس النواب، عضو لجنة الشؤون الدستورية والقانونية، ورئيس الكتلة البرلمانية لنواب الحزب الأشتراكي اليمني عن الدورة البرلمانية 2003-2009، ممثلاً للدائرة الانتخابية رقم (120) بمحافظة أبين، من مواليد عزلة القارة، مديرية رصد. حاصل على دكتوراه فلسفة عربية إسلامية. وهو عضو قيادي في الحزب الاشتراكي اليمني.

***

الشيء الذي يميز “حنين الأماكن” هو أنه بينما تقدم الرواية جوانب النضال ضد الاستعمار، فهي لا تغفل عن استعراض الجوانب الإنسانية والاجتماعية التي عاشها أبناء عدن في ظل الاحتلال. بفضل هذه التفاصيل، يشعر القارئ بأنه يتجول في أزقة عدن القديمة ويعيش مع أبنائها لحظات الألم والأمل، الخسارة والتحرير. وتدور الرواية حول فكرة عميقة مفادها أن المكان ليس مجرد خلفية للأحداث، بل هو كيان حي يتفاعل مع الشخصيات ويتأثر بها كما يؤثر فيها.

رؤية ما بعد حداثية وفنية:

من الناحية الفنية، تنتمي الرواية إلى تيار ما بعد الحداثة، حيث لا تلتزم بالبنية التقليدية للروايات التاريخية أو الواقعية. ينقلنا عيدروس نصر ناصر بين أزمنة مختلفة، مستخدما تقنيات السرد المتعددة والمنظور المتنوع للشخصيات، مما يتيح لنا رؤية الأحداث من زوايا مختلفة. وهذا الأسلوب يجعلنا ندرك أن أبطال الرواية الحقيقيين ليسوا فقط الشخصيات الإنسانية، بل المكان نفسه والوعي الجمعي لأبناء عدن والجنوب.

 

وفي إطار هذه الرؤية المتقدمة، يبرز عيدروس نصر ناصر كثقافة متعددة الأبعاد، عاشق للفن والشعر والمسرح، وهو ما يظهر جليا في وصفه الدقيق للشخصيات والأحداث. فهو لا يكتفي بتقديم وصف مادي للشخصيات، بل يدخلنا في عوالمهم النفسية، موضحا دوافعهم ومخاوفهم وآمالهم. بالإضافة إلى ذلك، تتميز الرواية بدقة وصف المكان، وكأن المؤلف يرسم بريشة فنان تفاصيل البيوت والشوارع والأزقة والبحر، مما يعمق إحساس القارئ بأن عدن ليست مجرد مدينة، بل هي شخصية فاعلة في الرواية.

 

بين التاريخ والمكان:

تركز الرواية على مفهوم “المكان” كعامل حاسم في تشكيل الوعي والهويات. عدن ليست مجرد خلفية للأحداث في “حنين الأماكن”، بل هي البطل الحقيقي للرواية. المكان في الرواية يحمل ذاكرة تفاعلية، يستجيب للأحداث، ويتحمل آلام الاحتلال وأحلام التحرر، ويتفاعل مع ساكنيه الذين يعيدون تشكيله على مر العصور. من خلال هذا التفاعل، يقدم عيدروس نصر ناصر قراءة فلسفية للمكان بوصفه جزءا من الهوية الوطنية، وجزءا من المقاومة التي لا تقتصر فقط على البشر، بل تشمل حتى الأماكن التي يعيشون فيها.

ومن خلال هذا التركيب الفلسفي، تأتي الرواية لتعيد إلى الأذهان دور عدن في التاريخ الحديث لليمن، باعتبارها ليست فقط مدينة ساحلية، بل رمزًا للصمود والتحرر. يظهر هذا الجانب بوضوح في السرد الذي يبرز كيف كان لأبناء عدن دورًا حاسمًا في مقاومة الاحتلال، وكيف كان للمكان تأثير عميق على تشكيل وعيهم الجماعي والنضالي.

اللغة والأسلوب:

لغة الرواية تجمع بين الفصاحة والبلاغة، مما يعكس ثقافة المؤلف الواسعة وتبحره في الأدب والشعر والفلسفة. يلاحظ القارئ الاهتمام البالغ بالتفاصيل اللغوية والتوصيفات الشعرية التي تخلق عالماً متكاملاً من الجمال والمعاناة في آن واحد. هذا التوازن بين الفن والجمال من جهة، والواقع القاسي من جهة أخرى، يجعل “حنين الأماكن” عملا أدبيا متكاملاً، لا يخاطب العقل فحسب، بل يخاطب العاطفة أيضًا.

أحد الجوانب المميزة في أسلوب عيدروس نصر ناصر هو القدرة على تحويل التفاصيل اليومية العادية إلى رموز ذات معانٍ عميقة. نرى هذا في وصفه للأماكن والشخصيات، حيث لا تقتصر مهمته على رسم صورة واقعية، بل يذهب إلى ما هو أعمق ليكشف عن الطبقات النفسية والفلسفية التي تحيط بكل عنصر في الرواية.

استقبال الرواية وحفل التوقيع:

من المقرر أن يتم توقيع رواية “حنين الأماكن” في حفل يقام في المركز الثقافي اليمني بالقاهرة، وهو الحدث الذي يعد امتدادا لمسيرة عيدروس نصر ناصر النضالية والفكرية. دعوة الحضور وجهت لجميع الأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الأدبي والسياسي، حيث سيكون هذا الحفل فرصة للاحتفاء بإصدار هذه الرواية التي تمثل إضافة نوعية للأدب اليمني والعربي.

 تدعو انزياحات قرائها في القاهرة إلى حضور الفعالية.

وبما أن الرواية توثق فترة من النضال والتحرر، فمن المتوقع أن تلقى اهتماما كبيرا ليس فقط من قبل القراء العاديين، بل أيضا من الدارسين والأكاديميين الذين يبحثون في مجالات التاريخ السياسي والفكر النقدي.

“حنين الأماكن” ليست مجرد رواية تاريخية، بل هي شهادة على قوة الإرادة الإنسانية وقدرتها على الصمود والتحرر.