تقارير وتغطيات

رويترز: ناقلتا نفط إحداهما سعودية تتعرضان لهجوم بالبحر الأحمر

  • الهجمات المتكررة التي يشنها الحوثيون على ناقلات النفط في البحر الأحمر، تمثل تهديدا خطيرا للأمن البحري في المنطقة.
  • لطالما حذرنا من خطورة تواجد إيران في البحر الأحمر.. لكن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، اتسم تعامله مع هذه التحذيرات بالتردد”

نقلت وكالة رويترز عن مصدرين مُطلعين أن ناقلة نفط سعودية وأخرى ترفع علم بنما تعرضتا لهجوم أمس الاثنين في البحر الأحمر قبالة اليمن، فيما أعلنت جماعة الحوثيين المدعومة من إيران استهداف سفينة.

 

وأضاف المصدران لرويترز أن الناقلتين “أمجاد” التي ترفع علم السعودية و”بلو لاغون آي” التي ترفع علم بنما كانتا تبحران على مقربة من بعضهما عندما أُصيبتا، لكن الناقلتين تمكنتا من مواصلة رحلتيهما دون أضرار كبيرة أو إصابات لأفراد على متنهما.

 

وقال أحد المصدرين إن من المستبعد أن تكون الناقلة أمجاد مُستهدفة بشكل مباشر.

 

وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية مساء الاثنين مسؤوليتها عن استهداف السفينة “بلو لاغون آي” بعدة صواريخ وطائرات مسيّرة لكنها لم تذكر أي شيء عن الناقلة السعودية.

 

وتراقب السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، بقلق إطلاق الحوثيين صواريخ تمر فوق أراضيها لاستهداف السفن في البحر الأحمر.

 

وقال مركز المعلومات البحرية المشترك الذي تديره قوات بحرية دولية إن 3 هجمات صاروخية باليستية أصابت الناقلة “بلو لاغون آي” على بعد 70 ميلا بحريا شمال غربي ميناء الصليف بمدينة الحديدة اليمنية.

 

وأضاف المركز في تقرير أن تقييماته “تشير إلى أن الناقلة بلو لاغون قد استُهدفت بسبب إطلاق سفن أخرى ضمن هيكل الشركة التي تتبعها الناقلة نداءات في الآونة الأخيرة للرسو في إسرائيل”.

 

وتابع قائلا “جميع أفراد الطاقم بخير. تعرضت السفينة لأضرار طفيفة ولكنها لا تحتاج إلى مساعدة”.

 

من جهتها، قالت القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم) إن الحوثيين هاجموا صباح الاثنين ناقلتي نفط إحداهما تحمل علم السعودية والأخرى علم بنما، موضحة أن الهجوم كان بصاروخين باليستيين ومسيّرة انتحارية.

 

وكان الحوثيون قد بدأوا شن ضربات بطائرات مُسيرة وصواريخ على البحر الأحمر في نوفمبر تشرين الثاني، ويقولون إن الضربات تأتي تضامنا مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للهجوم خلال الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتدمير مساحات كبيرة من القطاع وتسببت في أزمة إنسانية.

ناقلة النفط “سونيون”، التي هاجمتها مليشيا الحوثي في البحر الأحمر، في ٢٨ اغسطس الماضي

 

ومنذ مطلع العام الجاري، يشن تحالف تقوده الولايات المتحدة غارات يقول إنها تستهدف مواقع لجماعة الحوثيين في مناطق مختلفة من اليمن، ردا على هجماتها البحرية، وهو ما قوبل برد من الجماعة من حين لآخر.

 

وشن الحوثيون أكثر من 70 هجوما أغرقوا فيها سفينتين واستولوا على واحدة وقتلوا 3 بحارة على الأقل.

 

المصدر : رويترز + الجزيرة

 

***

بانتهاء الخبر الكارثي والتطور غير المتوقع فان الهجمات المتكررة التي يشنها الحوثيون على ناقلات النفط في البحر الأحمر، تمثل تهديدا خطيرا للأمن البحري في المنطقة. ومع تزايد وتيرة هذه الهجمات، يمكن توقع تأثيرات واسعة النطاق على توازن القوى في الإقليم، خاصة إذا لم يتم التصدي لها بفعالية.

***

البحر الأحمر: شريان حيوي عالمي تحت التهديد

يُعتبر البحر الأحمر من أكثر الممرات البحرية أهمية في العالم، حيث يربط بين البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس وباب المندب والمحيط الهندي، مما يجعله محورا حيويا لحركة التجارة العالمية.

لذلك فإن أي اضطراب في هذا الممر قد يؤثر بشكل كبير على إمدادات الطاقة العالمية، لا سيما أن جزءا كبيرا من النفط المصدر من دول الخليج يعبر من خلاله.

 

بلا شك تأتي الهجمات الحوثية التي تستهدف السفن المبحرة في هذا الممر البحري الحساس في إطار تصعيد متعمد من جانب الميليشيا لزعزعة الاستقرار في المنطقة. هذه الهجمات، التي تتسم بالجرأة، تشير إلى استعداد الحوثيين لتوسيع نطاق حربهم إلى ما هو أبعد من الأراضي اليمنية، وهو تطور يحمل في طياته تهديدات جمة.

***

دوافع الحوثيين: حسابات إقليمية وتكتيكات عسكرية

 

يمكن فهم التصعيد الحوثي في البحر الأحمر من خلال عدة اعتبارات. أولاً، تسعى جماعة الحوثيين إلى توجيه رسالة قوية إلى التحالف العربي بقيادة السعودية، مفادها أن الحرب لن تبقى محصورة في اليمن، بل قد تمتد لتشمل الممرات الملاحية الحيوية. هذا التصعيد يمثل أيضا وسيلة ضغط على المجتمع الدولي للقبول بشروط معينة قد تكون مفروضة من الحوثيين، أو على الأقل للفت الأنظار إلى الأزمة اليمنية التي أصبحت مزمنة.

الناقلة “بلو لاغون آي” التي ترفع علم بنما تعرضت لهجوم قبالة السواحل اليمنية (رويترز)

من ناحية أخرى، تشير الهجمات إلى أن الحوثيين يحاولون استغلال الوضع الحالي في المنطقة لتحقيق مكاسب استراتيجية. فالحرب في غزة والتوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل قد تُستخدم كذرائع لزيادة الضغط على السعودية وحلفائها. الحوثيون المدعومون من إيران يرون أن هذه الفترة قد تكون فرصة لتعزيز نفوذهم وتوسيع رقعة تأثيرهم.

***

تأثير الهجمات على أمن البحر الأحمر

إن الهجمات المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر ستؤدي حتما إلى تأثيرات أمنية واقتصادية خطيرة. أولاً، ستتزايد تكاليف التأمين على السفن التي تمر عبر هذا الممر، مما سيزيد من تكاليف الشحن، وبالتالي قد يرتفع سعر النفط عالميا. بالإضافة إلى ذلك، قد تتخذ شركات الشحن قرارات جذرية بتغيير مساراتها لتجنب المرور عبر البحر الأحمر، مما سيزيد من وقت وتكلفة الشحن.

على الجانب الأمني، قد يدفع التصعيد إلى تعزيز الوجود العسكري الدولي في البحر الأحمر، سواء من قبل التحالف الذي تقوده السعودية أو من قبل دول أخرى كأمريكا أو الدول الأوروبية التي تعتمد على هذا الممر البحري. ومع ذلك، فإن هذا الوجود العسكري المتزايد قد يؤدي إلى تزايد التوترات، وربما يساهم في نشوب مواجهات بحرية مباشرة بين القوات الدولية والحوثيين.

***

التوازنات الإقليمية: تحولات محتملة

في ظل تصاعد الهجمات الحوثية، يمكن أن نشهد تحولات كبيرة في توازن القوى الإقليمية. فالسعودية، التي تُعتبر القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة لتعزيز استراتيجياتها الدفاعية والهجومية للرد على التهديدات المتزايدة. هذا قد يشمل زيادة التنسيق مع الولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى لتعزيز الدفاعات البحرية، والأرجح شن عمليات هجومية ضد مواقع الحوثيين .

من جهة أخرى، قد تستغل إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، هذه الهجمات لزيادة الضغط على السعودية وحلفائها، وربما تستخدمها كورقة تفاوض في ملفات إقليمية أخرى، مثل المفاوضات النووية أو التوترات في الخليج.

***

المستقبل: سيناريوهات محتملة

بناءً على التصعيد الحالي، يمكن تصور عدة سيناريوهات لمستقبل البحر الأحمر:

1. زيادة التدخل الدولي: مع استمرار الهجمات، قد تتزايد الدعوات لتدخل دولي أكبر في البحر الأحمر لحماية السفن التجارية وضمان مرور آمن. قد يشمل ذلك إرسال مزيد من السفن الحربية أو تعزيز الدوريات البحرية.

2.تصعيد عسكري شامل: إذا استمر الحوثيون في استهداف السفن بشكل متزايد، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري شامل في المنطقة. السعودية وحلفاؤها قد يردون بضربات جوية وبحرية مكثفة على مواقع الحوثيين، مما قد يؤدي إلى تزايد التوترات في المنطقة.

3. مفاوضات واتفاقات: في ظل تصاعد التوترات، قد تجد الأطراف نفسها مضطرة للجلوس على طاولة المفاوضات. قد تقود هذه المفاوضات إلى اتفاقيات لخفض التصعيد في البحر الأحمر، ولكن هذا يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف.

***

إن ما يحدث في البحر الأحمر اليوم هو تذكير بمدى هشاشة الأمن الإقليمي في منطقة تعج بالتوترات والصراعات. التحركات الحوثية تستدعي يقظة مستمرة واستعدادا للتعامل مع أي تصعيد محتمل. توازن القوى في المنطقة قد يتغير بشكل جذري إذا لم يتم التعامل مع التهديدات بفعالية، وهذا يتطلب تكاتفا دوليا لمواجهة التحديات وضمان أمن الملاحة البحرية في هذا الممر الحساس.

لطالما حذرنا من خطورة تواجد إيران في البحر الأحمر ..إيران لم تخفِ نواياها في توسيع نفوذها عبر دعم الميليشيات المسلحة في مناطق استراتيجية، وتواجدها في البحر الأحمر يعكس رغبتها في السيطرة على أحد أهم الممرات البحرية في العالم.

الحوثيون، باعتبارهم وكلاء لإيران، ينفذون أجندتها بإثارة التوترات وزعزعة الاستقرار في المنطقة. هذه الهجمات المتكررة على السفن تؤكد أن الحوثيين لا يتحركون فقط من منطلق أهدافهم المحلية، بل هم جزء من استراتيجية إيرانية أوسع تهدف إلى إحكام السيطرة على الممرات البحرية الهامة وتعزيز نفوذ طهران في الشرق الأوسط.

للأسف، تعامل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، مع هذه التحذيرات كان يتسم بالتردد. ربما كانت هناك تقديرات خاطئة أو محاولات لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع إيران، لكن النتائج الآن تظهر أن هذا التردد قد كلف المنطقة الكثير.

الآن، وبعد تصاعد الهجمات، يبدو أن العالم بدأ يدرك حجم الخطر، ولكن بعد فوات الأوان. كان من الممكن أن تكون استجابة أكثر حزما وتنسيقا بين الدول المعنية خصوصا المللكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ،كفيلة بتقليل تأثير إيران ووقف الحوثيين عند حدهم قبل أن يتفاقم الوضع إلى أعلى من هذه الدرجة.

الدرس المستفاد هنا هو أن أي تهاون في التعامل مع وكلاء إيران، سواء في اليمن أو في أي منطقة أخرى، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوترات والعنف. من الضروري أن يكون هناك تحرك جماعي وحاسم لردع أي محاولات لزعزعة استقرار المنطقة، وخصوصاً في المناطق الحيوية مثل البحر الأحمر.