سفير طهران في صنعاء
الحوثيون وإيران… تحالف يهدد اليمن والمنطقة
الثمن الذي يدفعه اليمنيون مقابل هذا التحالف باهظ جداً. فإيران، التي تدعي مناصرة المستضعفين والمظلومين، لا تتردد في دعم جماعة تسبب في قتل وتشريد مئات الآلاف من اليمنيين
تعيين إيران لسفير جديد لدى حكومة الحوثيين في صنعاء ليس إلا تأكيداً آخر على العلاقة الوطيدة بين الطرفين
إيران تدرك أن بقاء الحوثيين في السلطة يخدم مصالحها في المنطقة، حيث يوفر لها نفوذاً في قلب الجزيرة العربية، يمكن أن تستخدمه كوسيلة ضغط ضد السعودية والدول الخليجية الأخرى
ماذا حقق الحوثيون من هذه العلاقة؟ الجواب هو: المزيد من العزلة والمزيد من المعاناة للشعب اليمني. منذ سيطرة الحوثيين
إذا كان هناك أمل في تحقيق السلام في اليمن، فإنه لا بد من مواجهة هذا التحالف بكل حزم، والعمل على إنهاء التدخل الإيراني في الشؤون اليمنية، وإعادة اليمن إلى حضنه العربي
منذ بداية الصراع في اليمن، حاولت جماعة الحوثي بشتى الطرق نفي علاقتها العضوية بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن الحقائق على الأرض تظل تشهد بغير ذلك. تعيين إيران لسفير جديد لدى حكومة الحوثيين في صنعاء ليس إلا تأكيداً آخر على العلاقة الوطيدة بين الطرفين، والتي تمتد جذورها إلى سنوات قبل اندلاع الحرب الحالية. هذا التحالف بين الحوثيين وإيران يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل اليمن وعلاقته بجيرانه في المنطقة.
تعيين السفير الجديد يأتي بعد أكثر من عامين من وفاة إيرلو، ويأتي أيضاً في ظل تصاعد التوترات والتنسيق بين الحوثيين وإيران، خصوصاً تحت مزاعم مناصرة غزة.
حسن إيرلو، الذي كان ضابطاً في الدفاع الجوي للحرس الثوري الإيراني، وصل إلى صنعاء في أكتوبر 2020 بطريقة غامضة تحت مسمى “سفير”، حيث قوبل بوصوله بإدانة واسعة من الحكومة اليمنية التي اعتبرت وجوده في صنعاء بمثابة إدارة مباشرة للعمليات العسكرية ضد الجيش والشعب اليمني. كما وصفه عسكريون بأنه “العقل المدبر للهجمات الجوية الحوثية على السعودية.”
وأعلنت ميليشيا الحوثي اليوم الثلاثاء عن تعيين سفير جديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى حكومتها في صنعاء. وذكرت وكالة سبأ بنسختها الحوثية أن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة الميليشيا، جمال عامر، التقى السفير الإيراني الجديد علي محمد رمضاني، الذي قدم نسخة من أوراق اعتماده بمناسبة تعيينه سفيراً ومفوضاً فوق العادة لدى الجمهورية اليمنية.
ورحب عامر بالسفير رمضاني، متمنياً له النجاح والتوفيق في مهامه الجديدة. ولم تشر الوكالة إلى تفاصيل وصول السفير الإيراني إلى صنعاء، إلا أنه من المرجح وصوله على متن رحلة جوية قادمة من الأردن، خلافاً للسفير الإيراني السابق حسن إيرلو، الذي توفي في ظروف غامضة بعد نقله بشكل إنساني على متن طائرة عمانية في ديسمبر 2021.
في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن إيران، من خلال دعمها للحوثيين، تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، تتجاوز حدود اليمن لتشمل منطقة الخليج العربي بأكملها. إيران تنظر إلى اليمن كجزء من محورها في المنطقة، الذي يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان وغزة. الهدف الرئيسي لهذا المحور هو زعزعة استقرار دول المنطقة، وخلق أزمات دائمة تجعلها عاجزة عن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
إن وصول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء، بعد أكثر من عامين على وفاة إيرلو، يشير إلى أن إيران لا تزال ملتزمة بمواصلة دعم الحوثيين، مهما كانت التكاليف. إيران تدرك أن بقاء الحوثيين في السلطة يخدم مصالحها في المنطقة، حيث يوفر لها نفوذاً في قلب الجزيرة العربية، يمكن أن تستخدمه كوسيلة ضغط ضد السعودية والدول الخليجية الأخرى.
لكن على الجانب الآخر، لا بد من التساؤل: ماذا حقق الحوثيون من هذه العلاقة؟ الجواب هو: المزيد من العزلة والمزيد من المعاناة للشعب اليمني. منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014، واليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. هذه الأزمة ليست ناتجة فقط عن الحرب، بل أيضاً عن السياسات الكارثية التي ينتهجها الحوثيون، والتي تجعل من الصعب على المجتمع الدولي تقديم الدعم للشعب اليمني.
إضافة إلى ذلك، العلاقات بين الحوثيين وإيران أدت إلى تدهور علاقات اليمن بجيرانه وبالمجتمع الدولي. إن الدعم الإيراني للحوثيين ليس مجرد دعم مادي أو عسكري، بل يتجاوز ذلك إلى تدخل سياسي سافر في شؤون اليمن الداخلية، ومحاولة فرض أجندة إيرانية على حساب سيادة اليمن ووحدته. هذا التدخل الإيراني جعل من الحوثيين أداة بيد طهران، تستخدمها لتحقيق أهدافها في المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح اليمنيين.
التحالف بين الحوثيين وإيران ليس مجرد تحالف تكتيكي أو مرحلي، بل هو تحالف استراتيجي طويل الأمد. إيران تسعى من خلال هذا التحالف إلى تحقيق أهداف بعيدة المدى في المنطقة، وهي على استعداد لبذل كل ما يلزم للحفاظ على هذا التحالف. بالمقابل، الحوثيون يرون في إيران حليفاً قوياً يمكن أن يدعمهم في مواجهة خصومهم الداخليين والخارجيين، ويمنحهم القدرة على الصمود في وجه الضغوط الدولية.
لكن الثمن الذي يدفعه اليمنيون مقابل هذا التحالف باهظ جداً. فإيران، التي تدعي مناصرة المستضعفين والمظلومين، لا تتردد في دعم جماعة تسبب في قتل وتشريد مئات الآلاف من اليمنيين. وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب اليمني من المجاعة والمرض والنزوح، تستمر إيران في دعم الحوثيين بالأسلحة والأموال، مما يزيد من معاناة اليمنيين ويطيل أمد الصراع.
من ناحية أخرى، العلاقة بين الحوثيين وإيران تلقي بظلالها السلبية على محاولات السلام في اليمن. المجتمع الدولي يدرك تماماً أن أي حل سياسي للصراع في اليمن لا يمكن أن ينجح ما لم تتوقف إيران عن دعم الحوثيين. لكن إيران، التي تستفيد من استمرار الصراع، ليست على استعداد للتخلي عن هذا الدعم. هذا يعني أن الطريق إلى السلام في اليمن لا يزال طويلاً ومعقداً، وأن معاناة اليمنيين قد تستمر لسنوات قادمة.
في النهاية، تعيين سفير إيراني جديد لدى الحوثيين هو بمثابة تذكير بأن الصراع في اليمن ليس مجرد صراع داخلي بين أطراف يمنية، بل هو جزء من صراع أكبر بين قوى إقليمية تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الشعب اليمني. هذا التحالف بين الحوثيين وإيران لن يجلب لليمن سوى المزيد من الدمار والمزيد من المعاناة. وإذا كان هناك أمل في تحقيق السلام في اليمن، فإنه لا بد من مواجهة هذا التحالف بكل حزم، والعمل على إنهاء التدخل الإيراني في الشؤون اليمنية، وإعادة اليمن إلى حضنه العربي.
وعموماً يبقى السؤال المهم ، كيف دخل سفير إيران إلى صنعاء؟
هناك عدة احتمالات .فدخول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء يثير العديد من التساؤلات، خاصة في ظل الظروف الأمنية والسياسية المعقدة في اليمن. هناك عدة سيناريوهات محتملة لوصوله إلى العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون.
الاحتمال الأول: رحلة جوية من الأردن أو عُمان ، يمكن أن يكون السفير قد وصل على متن إحدى الرحلات الجوية التي تنظمها الأمم المتحدة أو المنظمات الإنسانية بين صنعاء وعمان أو صنعاء والأردن. هذه الرحلات غالباً ما تُستخدم لنقل المساعدات الإنسانية أو الدبلوماسيين، وقد استغل الحوثيون هذه الوسيلة في الماضي لإدخال شخصيات هامة.
الاحتمال الثاني تنسيق دولي خلف الكواليس: من المحتمل أن تكون هناك ترتيبات دولية غير معلنة سهّلت وصول السفير، ربما بتنسيق بين إيران وبعض القوى الدولية التي تملك نفوذاً على الحوثيين. هذا السيناريو قد يشمل مفاوضات خلف الكواليس لضمان عدم تعرّض السفير لأي مخاطر خلال انتقاله إلى صنعاء.
الاحتمال الثالث استخدام طرق غير تقليدية: ففي بعض الحالات، يمكن أن يكون السفير قد دخل عبر طرق غير تقليدية أو عبر مسارات برية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. إذا كانت هناك ترتيبات خاصة، فمن الممكن أن تكون عملية الوصول تمت بسرية تامة لمنع أي اعتراضات أو رصد من قبل التحالف الذي تقوده السعودية.