على وقع صراخ بشعارهم المعروف بـ”الصرخة” ، ظهرت ناقلة النفط “سونيون/ SOUNION” الجانحة في عرض البحر الأحمر بمقطع فيديو بثت جماعة الحوثي الجمعة والنيران تشتعل في سطحها جراء ثلاث انفجارات ، وسط تزايد للتحذيرات الدولية من كارثة بيئية بات تهدد المنطقة ، بسبب حمولتها الكبيرة من النفط الخام.
وباتت الناقلة اليونانية مهددة بالغرق بعد ان جنحت جراء عدة هجمات شنتها جماعة الحوثي يوم الأربعاء الماضي ، وتمكنت البحرية الفرنسية في اليوم التالي من انقاذ طاقمها ونقلهم الى جيبوتي ، وتركت الناقلة مهجورة في المياه الدولية بين اليمن وارتيريا.
وتشن الجماعة الحوثية هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة ومؤخراً استخدمت الزوارق المفخخة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن وصولاً الى المحيط الهندي والبحر المتوسط ، بلغ عددها 182 سفينة منذ نوفمبر من العام الماضي بحسب اخر خطاب لزعيم الجماعة الخميس الماضي.
وتبرر الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هذه الهجمات تحت لافتة مساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، وتتهم السفن التي تتعرض للهجمات بأنها اما متجهة نحو موانئ إسرائيل او انها تابعة لشركات تتعامل مع هذه الموانئ ، دون أي خطوط حمراء تضعها امام هذه الجماعة لمهاجمة السفن وعلى رأسها وجود مخاطر بيئية قد تنتج من استهداف ناقلات النفط والمواد الكيمائية الخطرة.
بل ان الجماعة تقر في تقرير لها نشره اعلامها بأنها هاجمت 28 ناقلة نفط ومواد كيماوية منذ نوفمبر الماضي وحتى أواخر شهر يوليو الماضي ، في حين كان لافتاً ان أغلب هجماتها لشهر أغسطس الجاري استهدف ناقلات النفط في خليج عدن والبحر الأحمر.
فخلال أسبوع واحد فقط هاجمت مليشيات الجماعة الحوثي ثلاث ناقلات نفط ، وفي حين فشلت هذه الهجمات ، الا أنه كان لافتاً الإصرار على اصابتهن عبر مهاجمة كل ناقلة أكثر من مرة ، حيث تعرضت إحداهن لأربع هجمات استخدمت فيها الصواريخ والمُسيرات والزوارق المفخخة ، دون أي اكتراث لخطورة الأمر بيئياً.
هذا الإصرار تجلى ايضاً مع الناقلة “سونيون/ SOUNION” ، فبعد إجلاء طاقمها أقدمت عناصر الجماعة على اعتلاء الناقلة ووضع الغام ومتفجرات على متنها ، لتظهر في المقطع المصور الذي بتثه الجماعة وكأنها تتعرض للهجوم الأول.
وخلال اليومين الماضيين تتصاعد التحذيرات الدولية والإقليمية من خطر تسرب ما تحمله الناقلة من كميات نفط تبلغ 150الف طن ، وهو ما يعادل أكثر من مليون برميل نفط ، وما يلفت الانتباه في أغلب هذه التحذيرات اشارتها الى أن هذه الكمية تساوي أربعة أضعاف ما تسرب في كارثة إكسون فالديز.
وتعد كارثة الناقلة إكسون فالديز التي جنحت في مضيق الأمير ويليام، ألاسكا، في الرابع والعشرين من مارس/آذار 1989 ، اخر الكوارث البيئية البارزة في العصر الحديث ، على الرغم من ان الكمية المتسربة منها بلغت نحو 37 ألف طن من النفط الخام فقط.
لكن الطبيعة الجغرافية والمناخية للموقع الذي وقعت فيه الكارثة صعب من عملية مواجهتها كما أن طبيعة الحياة البحرية ضاعفت من آثارها وهو ما يتشابه مع الوضع في البحر الأحمر ، وفق الدراسات والأبحاث التي نُشرت لاحقاً حول الكارثة فقد امتدت التلوث لمسافة 1800 كيلومتر وتجاوزت تكاليف التنظيف في العام الأول وحده 2 مليار دولار أميركي واستغرقت العملية ثلاث سنوات تقريباً، ، في حين بلغت حجم التعويضات التي دفعتها الشركة المالكة للناقلة نحو 4.3 مليار امريكي.
هذه الكارثة سبق وأن رددتها الأمم المتحدة كثيراً في تحذيراتها خلال السنوات الأخيرة في وجه رفض جماعة الحوثي منذ عام 2015م صيانة خزان صافر القابع قبالة سواحل الحديدة والذي كان يحمل 1.14مليون برميل ، قبل ان توافق منتصف العام الماضي على عملية نقل هذه الكمية الى سفينة أخرى اشترتها الأمم المتحدة.
وما يثير الانتباه في قضية الناقلة “سونيون/ SOUNION” ان تداعيات لن تطال اليمنيين وحدهم ، بل ان ضررها سيتجاوز جغرافية اليمن ، وسيطال حتى بعض من حلفاء او ما يمكن تسميتهم بالمتواطئين مع جماعة الحوثي المصنفة من قبل الحكومة الشرعية كجماعة إرهابية.
اول من طالهم الضرر في قضية الناقلة كان الحكومة العراقية التي تدار من قبل حلفاء إيران الداعم الرئيسي للجماعة الحوثية في اليمن ، فالنفط الذي تحمله الناقلة هو نفط عراقي تم شراءه من قبل تاجر من جنوب افريقيا على أن تذهب الكمية الى إحدى المصافي هناك ، الا أن توجه الناقلة بعيداً وعبورها البحر الأحمر ، أحدث ضجة داخل العراق.
حيث اثارت الاتهامات التي وجهها نشطاء عرب بان عبور الناقلة البحر الأحمر يكشف تزويد الحكومة العراقية لإسرائيل بالنفط بشكل سري ، وهو ما اثار غضب ناشطين عراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين طالبوا حكومتهم بتوضيح الأمر.
وفي قائمة المتضررين من كارثة تسرب حمولة الناقلة “سونيون/ SOUNION” في حالة حدوثها، النظام في جيبوتي الذي سارع اليوم للتحذير من هذه الكارثة في حين انه كان اول السباقين في تأييد الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على السفن التجارية ، بل واعتبارها “إغاثة شرعية للفلسطينيين” حد وصف وزير خارجية جيبوتي، محمد علي يوسف.
هذا التأييد والموقف الغريب ، اعادت تقارير أمريكية الحديث عنه مؤخراً ، حيث ورد في تقرير مطول نشره معهد الشرق الأوسط الأمريكي، قبل نحو أسبوعين ، وتضمن ما قال بأنه شواهد عديدة تثبت تورط جيبوتي في تمويل الإرهاب الحوثي باليمن والبحر الأحمر، والتخادم مع إيران والصين ، رغم مزاعمها بالشراكة في مواجهة الإرهاب.
وذات الأمر ينطبق على النظام في ارتيريا التي باتت على رأس المتضررين من أي تسرب قد يحدث للناقلة ، فعلي الرغم من العلاقة المتينة التي تربط بالنظام بامريكا وإسرائيل وامتلاك الأخيرة لقاعدة عسكرية في إحدى جزر الارتيرية بالبحر الأحمر ، الا أن النظام يحتفظ بعلاقات سرية مع إيران تسهل تزويد الحوثيين بالأسلحة عبر عمليات التهريب.
والى جانب الحلفاء والمتواطئين مع الجماعة الحوثية ، فان خطر الكارثة البيئية للناقلة النفطية “سونيون/ SOUNION” سيطال الدول التي قررت اتخاذ موقف الحياد تجاه الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية ، ومنها مصر ، وكذا السعودية التي ستضرر بشكل كبير محطات تحلية المياه التابعة لها على البحر الأحمر.
تقدم لنا الناقلة النفطية “سونيون/ SOUNION” صورة مصغرة ، تلخص فيه حقيقة الجماعة الحوثي وخطرها كوباء لفيروس قاتل لا يميز بين شخص وآخر حتى من يعتقد وهم النجاة منه بإغلاق الأبواب على نفسه باسم “الحياد” ، وان مكافحته هو الطريق الوحيد للنجاة منه.
التحالف الدولي .. ولماذا الصليف ؟…
انزياحات / المحرر السياسي
بات واضحا مؤخرا أن هناك تركيزا قويا من قبل طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب المواقع الحوثية في مدينة الصليف شمال غرب اليمن ..وهذا الوضوح يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أسبابا قوية تقف وراء هذا التركيز .. ماهي هذه الأسباب ؟..
تعدّ مساحة مديرية الصليف الواقعة شمال غرب محافظة الحديدة 154 كيلو مترا مربعا، صغيرة مقارنة بمعظم مديريات الحديدة، إلا أن موقعها الجغرافي المطلّ على مياه البحر الأحمر، منحها أهمية اقتصادية لاحتوائها على ميناءي:”الصليف” الإستراتيجي الطبيعي، و”رأس عيسى” النفطي، البعيدين عن ميناء الحديدة الرئيس بمسافة تصل إلى 60 كيلو مترًا…
وخلال الأسابيع الأخيرة من عمر العمليات العسكرية الدولية التي انطلقت في 12 يناير الماضي، باتت الهجمات مركزة بشكل أكبر على مديرية الصليف، شمالي غرب محافظة الحديدة، إلى جانب الضربات الوقائية ضد أهداف عسكرية متحركة في البحر أو الجو…
ومنذ مطلع الشهر الجاري، أعلنت القيادة الأمريكية عن 11 عملية هجومية في الحديدة وشريطها المائي، منها 5 هجمات طالت أهدافا على الأرض، وقع معظمها في مديرية الصليف؛ ما أدى إلى تدمير منظومة رادار ومحطة تحكم أرضية، ومنصة إطلاق صاروخي وسفينة سطحية غير مأهولة، إضافة إلى الغارات المتكررة على المديرية خلال الأشهر الماضية، والتي قتل في إحداها العشرات من عناصر الحوثيين، بينهم 4 خبراء محليين..
وارجعت تقارير عسكرية محلية ودولية اسباب تركيز وتكثيف طيران التحالف الغربي على منطقة الصليف إلى قيام الحوثيين على مدى 10 سنوات من سيطرتهم على الحديدة، إلى تحوّيل مديرية الصليف، إلى منطقة عسكرية مهمة، على الرغم من وجود مواقع عسكرية سابقة تتبع قوات الدفاع الجوي الحكومية بميناء الصليف…
وتذكر التقارير أنه خلال الأعوام الستة الأخيرة، عملت ميليشيا الحوثي، على تعزيز ترسانتها العسكرية في المواقع المطلّة على مياه البحر الأحمر، بمساعدة خبراء من الحرس الثوري الإيراني وآخرين من ميليشيا “حزب الله” اللبنانية، مستغلة التضاريس الطبيعية التي توفر الحماية لمديرية الصليف…
وقال المتحدث العسكري باسم القوات اليمنية المشتركة التابعة لجيش وحكومة الشرعية في الساحل الغربي العقيد وضاح الدبيش في تصريحات صحفية له أن مناطق الصليف ورأس عيسى وجزيرة كمران الرابضة قبالتهما، بالنسبة للحوثيين هي “مركز الرقابة والرصد والتتبع للحركة الملاحية في البحر الأحمر ونقطة الاتصال مع السفن المارّة، مزودة بمحطات أرضية ومنظومات رادارية، إلى جانب كونها غرفة عمليات للتواصل والتنسيق مع مواقع انطلاق الهجمات المختلفة تجاه السفن”…
وأشار الدبيش، إلى أن الهجمات الصاروخية ضد السفن، تنطلق من المرتفعات الجبلية في محافظات ريمة أو تعز أو غيرهما، لكن ذلك لا يأتي إلا بعد توجيهات وإحداثيات دقيقة يقدمها مركز العمليات التابع للحوثيين في سواحل الحديدة، “المجهّز منذ أعوام بتقنيات حديثة وإمكانيات متطورة..
وأكد أن فقدان سيطرة الحوثيين على هذه المناطق الساحلية الإستراتيجية من محافظة الحديدة، سيؤدي إلى شلّ قدراتهم وانهيار قبضتهم على ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وما دون ذلك فإن ضربات التحالف الدولي المحدودة، لن تكون ناجعة في مواجهة التهديدات الحوثية، ولن تتمكن من تقويضها..