تقارير وتغطيات

التراخي في مواجهة هذه الظواهر والسماح بتكرارها سيؤدي في النهاية إلى فقدان الدولة لما تبقى من شرعيتها وسلطتها

مهزلة وأكثر.. اقتحام مكتب تابع للرئاسة في عدن 

اقتحام مكتب تابع للرئاسة في عدن من قبل عضو في مجلس الرئاسة مثل أبو زرعة المحرمي يعكس نوعا من التجاوزات والهمجية التي تضر بهيبة الدولة ومؤسساتها.

هذا التصرف يعكس عدم احترام لسلطة الدولة والقانون، وهو مظهر من مظاهر الفوضى التي يجب مواجهتها بحزم لضمان استقرار البلاد واستعادة هيبة المؤسسات الشرعية.

ما حدث من اقتحام شقة مستأجرة لموظفي مكتب رئاسة الجمهورية في العاصمة المؤقتة عدن هو كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إنه ليس مجرد تجاوز قانوني أو خرق أمني؛ بل يعكس تراجعا خطيرا في قدرة الدولة على فرض سيطرتها وحماية مؤسساتها ورجالاتها في مناطق تعد تحت سيادتها.

هذه الحادثة هي شاهد آخر على الفوضى التي لا تزال تعصف باليمن والتي تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار المنشود.

 

من المقلق أن نشهد مثل هذه التصرفات في وقت نحن بأمس الحاجة إلى بناء الدولة وإعادة ترميم مؤسساتها. عندما يصل الأمر إلى اقتحام مكتب الرئاسة، فإننا أمام دلالة واضحة على أن هناك أزمة أعمق وأكبر مما قد يتخيله البعض. إنها أزمة نظام وحوكمة، أزمة فقدان هيبة الدولة، وأزمة في تماسك الأجهزة الأمنية.

يجب أن نقر بأن ما حدث هو كارثة بكل المقاييس، وأنه يتطلب منا جميعًا وقفة جادة لتصحيح المسار. اليمن لا يمكن أن يتحمل المزيد من الفوضى، وإذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لوقف هذا التدهور، فإننا سنكون أمام مستقبل مظلم. الدولة ليست مجرد مبانٍ أو مؤسسات، بل هي في جوهرها قيم والتزام بالقانون والنظام، وإذا فقدنا هذه القيم، فإننا نفقد اليمن نفسه.

 

إن الوضع في عدن، الذي من المفترض أن يكون رمزا للاستقرار في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، أصبح شاهدا على هذه الفوضى. فبدلا من أن تكون العاصمة المؤقتة ملاذا آمنا للمسؤولين ولإدارة شؤون الدولة، أصبحت ساحة لتصفية الحسابات السياسية والشخصية والعسكرية. كيف يمكن لنا أن نتحدث عن دولة في ظل هذه الأوضاع؟ كيف يمكن لنا أن نطالب بالاعتراف الدولي والدعم، ونحن نعجز عن حماية أبسط عناصر مؤسساتنا؟

 

هذه الحادثة تعكس أيضاً مشكلة كبيرة في هيكلية الحكم ومجلس الرئاسة نفسه.

كيف يمكن لعضو في المجلس، المفترض أن يكون مسؤولا عن حماية الأمن والاستقرار، أن يقوم بمثل هذا التصرف الهمجي؟ إن هذا الفعل لا يعكس فقط غياب الاحترام للمؤسسات، بل يكشف عن تدهور القيم القيادية وتراجع مستوى الالتزام بالمسؤولية الوطنية.

 

إن هذه الأزمة لا تنحصر في عدن فقط، بل هي جزء من أزمة أكبر تتعلق بتراجع سلطة الدولة في اليمن بشكل عام. ما حدث هو تذكير صارخ بأن اليمن لا يزال يعاني من التفكك والانهيار المؤسساتي، وأن السلطة الشرعية تعاني من تحديات وجودية أمام ميليشيات وجماعات مسلحة لا تحترم القانون ولا تعترف بمؤسسات الدولة.

 

لا يمكن التعامل مع هذه الحادثة بشكل منفصل عن السياق العام الذي تعيشه البلاد. إن التراخي في مواجهة هذه الظواهر والسماح بتكرارها سيؤدي في النهاية إلى فقدان الدولة لما تبقى من شرعيتها وسلطتها. يجب أن يكون هناك رد صارم وحازم على هذا النوع من التجاوزات، ليس فقط لحماية موظفي الرئاسة، بل لحماية هيبة الدولة نفسها.

 

عندما يحدث اقتحام بهذه الطريقة، فإن الرسالة التي تصل إلى المواطنين هي أن الدولة غير قادرة على حماية نفسها، فما بالك بحماية مواطنيها؟ هذه هي الرسالة الأكثر خطورة، لأنها تزرع الشك في نفوس الناس حول مستقبل البلاد وحول قدرة الحكومة على التصدي للتحديات.

 

الأمر يتطلب أكثر من مجرد تحقيقات شكلية لمعرفة ملابسات الحادثة. نحن بحاجة إلى وقفة جادة وإعادة تقييم شاملة للوضع الأمني والإداري في عدن وغيرها من المناطق المحررة. يجب أن يكون هناك محاسبة فعلية للمسؤولين عن هذا الانتهاك، بغض النظر عن مراكزهم أو نفوذهم. عدم محاسبة المتورطين سيؤدي إلى تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب وسيجعل هذه التصرفات تتكرر بشكل أكثر خطورة.

 

إن على مجلس القيادة الرئاسي أن يتحمل مسؤوليته كاملة في هذا الشأن. يجب أن يكون هناك رد واضح وصارم يعيد الأمور إلى نصابها، ويعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة. إذا فشل المجلس في التعامل مع هذه الأزمة بحزم، فإن هذا سيؤدي إلى تقويض مكانته ليس فقط في الداخل، بل أيضاً أمام المجتمع الدولي الذي يتابع عن كثب ما يجري في اليمن.

 

الرسالة التي يجب أن تصل إلى الجميع هي أن الدولة لا يمكن أن تتسامح مع هذه التجاوزات، وأن هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها. لا يمكن لأي طرف أن يكون فوق القانون، بغض النظر عن مكانته أو قوته العسكرية. إذا فقدت الدولة هيبتها في مواجهة هذه التحديات، فإن مستقبل اليمن سيكون في خطر أكبر.