تقارير وتغطيات

الإر هـ، ـاب المستدام في اليمن

تم تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة بسبب تهديدها لطرق التجارة. قد يكون ذلك التصنيف وقتي مقترن بالمصالح الدولية، لكن الإرهاب الحوثي يتذوقه معظم اليمنيين في مصالحهم اليومية في صورة أكثر بشاعة. بالمقابل حشدت الشرعية اليمنية وقوات التحالف كل الجماعات الإسلامية المناوئة والأخرى الفاسدة في الجنوب والشرق لمجابهة الحوثيين، لكن لم يختلف الوضع كثيرا في ظل غياب كامل للدولة. تساهم المصالح والتدخلات الدولية وحالة الحرب الداخلية ممددة بالهدنة أيضا في خلق حالة الإرهاب المستدام ضد الانسان اليمني.

 

جحيم الحوثية

 

قام الحوثيين بشن الحرب على معارضيهم من اليمنيين وقتلهم وتفجير بيوت بعضهم او الاستيلاء عليها، الحرب التي راح ضحيتها مئات الالاف من اليمنيين وأنتجت ملايين من النازحين داخليا والهاربين في الخارج. تلك الأوضاع السيئة أيضا أدت إلى تدهور الأوضاع الصحية وانخفاض متوسط العمر.

عقب حصول الحوثيين على هدنة من الصراع المسلح مع قوات التحالف والشرعية اليمنية، هرب الحوثيون كعادتهم الى الأمام من التزاماتهم تجاه الناس في مناطق سيطرتهم بشن حملة تعيق طرق التجارة في البحر الأحمر في محاولة لإنشاء مبرر أخلاقي لوجودهم وهربا من التزاماتهم الداخلية. أدى هجومهم الذي قتل شخصا في تل ابيب إلى تدمير ميناء الحديدة بالكامل. ويقوم الحوثيون أيضا بالتعاون مع تنظيم القاعدة لشن هجمات جنوب البلاد حسب التقارير الأمريكية.

 

أما بالنسبة للمرأة والأقليات الضعيفة في المجتمع اليمني فيبدو الخطر الحوثي أكثر فتكا. أصبح اليمن المكان الأسوأ في العالم للمرأة حسب تقارير منظمة العفو الدولية والمنظمات الأخرى منذ 2017. إلى جانب الأزمة الانسانية التي تشتد وطأتها على المرأة يفرض الحوثيون أيضا شرط المحرم للسفر ، ووصلت تدخلاتهم حتى ضد أنواع العباءات و الغاء حبوب منع الحمل. يرغب الحوثيون في اكثار المواليد الجدد ويقوموا بتدريس الأطفال حسب ايديولوجيتهم الدينية لتجهيزهم كوقود حرب. يقومون بمحاكمة البهائيين والمسيحيين القلائل والمسالمين بتهمة الردة ويستمرون في فرض شتى أنواع التمييز على الفئة من المجتمع اليمني الذين أطلقوا عليهم اللقب المضحك المبكي وهو “أحفاد بلال” (ذو البشرة السوداء) عوضا عن المهمشين. لا يستطع اللادينيون أو حتى العلمانيون التصريح عن اراءهم دون عقاب وخوف من الموت.

 

يهاجم الحوثيون بشدة الإعلاميين والمنظمات العاملة في المجال الإنساني. بالنسبة للحوثيين إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا. لا يسمح الحوثيين لأي صحفي معارض أو حتى مستقل بالعمل في مناطق سيطرتهم. حتى مشاهير التيكتوك والحسابات المزورة في تويتر قاموا بالهجوم عليهم. يقوم الحوثيون بفرض قيود على المنظمات واستغلال المساعدات الإنسانية لأغراضهم الخاصة. اختطف مؤخرا الحوثيون 46 عاملا في مجال المساعدات الإنسانية وفي الرقابة وتقييم المشاريع. يحاكم الحوثيون أيضا اخرين بتهم الجاسوسية وحكموا بالإعدام على أحد رجال الأعمال الذي يقدم خدمات للمنظمات رغم أن المشاريع التي كان يعمل فيها لا تزال قائمة في مناطق سيطرتهم.

 

الجماعات المتطرفة في الجنوب والشرق

 

تشهد مناطق الشرعية في الجنوب والشرق أيضا العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان منذ اندلاع الصراع عام 2015 يصاحب ذلك غياب تام للخدمات وانهيار للعملة وفوضى مالية وإدارية. تندفع الشرعية اليمنية في مواجهتها للحوثيين غالبا عبر الجماعات الاسلامية كالإخوان المسلمين في الشرق والسلفية المتشددة في الجنوب المنخرطة جميعها ضمن قوات التحالف والمتصارعة فيما بينها. المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات مسيطر على أراض واسعة في جنوب البلد ويحمل أيضا رافدا من الجماعات السلفية.

لا تختلف الانتهاكات كثيرا عن مناطق الحوثيين، سواء ضد الناشطين والصحفيين أو المرأة والأقليات. تشمل الانتهاكات الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والاغتيالات. قام المجلس الانتقالي باقتحام نقابة الصحفيين لفرض رغباته وتعتقل السلطات في عدن ومأرب وباقي المناطق كل المخالفين. ويقوم أمراء الحرب بتصفية كل مخالفيهم، أحيانا بسبب قضايا مثل السيطرة على الأراضي والأعمال ويتم تلفيق تهم لهم. وتفرض الجماعات المتشددة أجندة دينية وطائفية داخل معسكراتها.

قامت الجماعات المتشددة أيضا بقتل عشوائي من قبل معسكرات لشباب تم اتهامهم بالردة والإلحاد مثل أمجد عبدالرحمن وغيره ولم يتم بشكل جدي محاسبة القتلة. تعتقل السلطات في مأرب الصحفيين بتهم العلمانية والمعارضة السياسية. وتم اختطاف وتعذيب مئات الناشطين من قبل القوات الموالية للتحالف، أحيانا لمجرد إرسالهم رسائل على مجموعات الواتساب تعارض النفوذ الإماراتي مثلا.

 

مجتمع الحرب 

 

انزلق اليمن بشكل كامل نحو الأصولية بعد السقوط الكامل للدولة الهشة القائمة على أساس مناطقي ومحسوبية في 2015. انقسم المجتمع انقساما طائفيا نتيجة لخطابات التعبئة من قبل الحوثيين والأطراف المنضوية تحت الشرعية كالسلفيين والاخوان والجماعات المتطرفة الأخرى. كلا الطرفين يمتلك شكل سياسي ذو طابع نزاعي ومحتوى طائفي ومناطقي. تحشد تلك الجماعات طائفيا للحرب واتجه المجتمع لحل مشاكله عسكريا في شكل أكثر حدة من الإرهاب الداخلي ضد اليمني العادي الذي يعيش هناك. أحدث هذا أيضا ارهاق وتحول ثقافي تمحور حول الحرب، وقام الحوثيون حتى بتغيير مناهج الأطفال لخدمة اجندتهم.

غالبا ما تحتاج مجتمعات الحرب إلى جهود كبيرة للسلام تركز على المصالحة الوطنية وإعادة المؤسسات وتحقيق العدالة الانتقالية عند انتهاء النزاع، لكن النزاع يبدو في اليمن بعيد عن الانتهاء.

 

اقتصاد الحرب

 

في اليمن انهيار كامل للخدمات شمالا وجنوبا وتحشيد للموارد باتجاه الحرب والصراع أدى إلى تكوين مؤسسات جديدة وأمراء حرب. من بين جميع التحديات الاقتصادية التي يفرضها الصراع هو تباين السياسات النقدية بين الفريقين المتصارعين، وتدفقات النقد الأجنبي، وتمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود نتيجة الصراع. في الوقت نفسه، ظلت صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون المركز المصرفي والتجاري لليمن مستفيدةً من زيادة التدفقات الوافدة من تحويلات المغتربين والمعونات الخارجية التي تُنفَّذ من خلال النظام المصرفي الرسمي. أعلن الحوثيون أن صنعاء لم تعد تقبل أوراق النقد الجديدة التي تصدرها الحكومة المعترف بها دولياً، الأمر الذي أدَّى فعلياً إلى انفصال السياسة النقدية بين المنطقتين. لهذه الظروف على صعيد الاقتصاد الكلي تداعيات كارثية وعلى صعيد الاقتصاد الجزئي. ومع أن متوسط تكلفة المواد الغذائية الأساسية زاد بصورة كبيرة في كل مديرية منذ عام 2015، فإن تباين السياسات النقدية أوجد اختلافات اقتصادية، مثل تباين الأسعار بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً وتلك التي تخضع لسيطرة الحوثيين.

 

ولا زالت الحرب الاقتصادية جارية بين الطرفين حيث يفرض الحوثيون جمارك على البضائع الواردة ويهدد أي محاولة من الشرعية للاستفادة من النفط اليمني. في نفس الوقت فشلت محاولة الشرعية في فرض سياسة نقدية تحت تحكمها بضغط خارجي.

 

الاقتصاد القائم هو اقتصاد حرب شديد الهشاشة ذو ارتهان للخارج في كل من مناطق الشرعية والحوثيين. يعتمد اقتصاد الحوثي في مصادر تمويله حسب تحليلات مركز مكافحة التطرف الأمريكي على الضرائب والجمارك والتعاون الإيراني وشركات الاتصالات والمساعدات الدولية، والتحويلات من المغتربين. ويعتمد الاقتصاد في الجنوب والشرق على جزء أقل من الواردات من التحويلات الأجنبية والمساعدات والدعم الخليجي ورواتب الجنود.

 

تتركز الثروة في أياد أمراء الحرب من الحوثيين والشرعية. المؤسسات التجارية والحكومية في أيدي الفاسدين من الحكومة اليمنية والحوثيين، حيث يتم توريد المشتقات النفطية مثلا عبر شركات خاصة تصب في جيوب أولئك. لا زال المواطنون في عدن مثلا يعانون من انطفاء الكهرباء العامة لما يتجاوز نصف الوقت خلال اليوم، وهي غائبة في صنعاء منذ 2015.

 

الاسهام الدولي في الإرهاب المستدام

 

تكشف الهدنة الحالية بين الحوثيين والتحالف الداعم للشرعية حالة الإرهاب المستدام التي يقع عبئها على المواطن اليمني. وتساهم عدة عوامل في استدامة تلك الحالة.

تعزز جهود الأمم المتحدة المتقطعة وغير المتكاملة لحل النزاع في اليمن والتباين في الأولويات بين الدول الأعضاء، وعدم وجود استراتيجية شاملة ومستدامة، حالة عدم الاستقرار والارهاب. قالت نيكو جعفرنيا، باحثة البحرين واليمن في هيومن رايتس ووتش: “لم ينفذ المجتمع الدولي التزاماته للشعب اليمني، بينما تستمر أطراف النزاع بانتهاكاتها. وفي ظل عدم المحاسبة عن الانتهاكات التي حصلت خلال السنوات التسع الأخيرة، لن تكون هناك أرضية لسلام دائم”. تقول المديرة التنفيذية لمنظمة هيومن رايتس ووتش تيرانا حسن إن التبعات الكبيرة للعام 2023 لا تتعلق فقط بقمع حقوق الإنسان ووقوع فظائع حرب، ولكن أيضا بانتقائية الحكومات في التعبير عن الاستنكار والدبلوماسية المبنية على الصفقات، التي كان لها ثمن باهظ دفعه المستبعدون منها.

 

وتضيف المصالح المتضاربة للدول الكبرى والأطراف الإقليمية مثل السعودية، الإمارات، إيران، والولايات المتحدة تعقيد الصراع واستدامة الفوضى. تقوم إيران بدعم الحوثية بينما تقوم الامارات بدعم الجماعات السلفية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي ، وتقوم جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة بحزب الإصلاح بحماية مصالح أفرادها فقط، بينما تركز الولايات المتحدة على توازنات الصراعات الإقليمية بشكل يخدم مصالحها الأولية.

 

العقوبات الدولية التي تفرضها الأمم المتحدة وأطراف أخرى على بعض قادة الجماعات المسلحة والكيانات الداعمة لها غالبًا غير فعالة. تهريب الأسلحة والتمويل عبر طرق غير رسمية يستمر رغم هذه العقوبات، مما يتيح للجماعات المتطرفة الحصول على الموارد اللازمة لاستمرار عملياتها. يحتفظ الحوثيون بترسانة قوية من الأسلحة في الحرب التي دامت أكثر من تسع سنوات ولا زال الاستهداف قائم في حملتهم الجديدة ضد السفن في البحر الأحمر. الجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية تواجه تحديات كبيرة ويتم توجيهها من أطراف الصراع والإثراء عبرها. ذلك إضافة لغياب الخدمات الذي عزز بيئة اليأس التي تستغلها الجماعات المتطرفة لتجنيد المزيد من الأفراد.

 

ضرورة استمرار الحرب بين الأطراف الهشة 

 

تعتبر أطراف النزاع في اليمن أن الهدنة القائمة غير واقعية وغير ممكنة. ويبدو أن النزاع في اليمن بعيد عن الانتهاء، لكنه يشهد تغير في المستويات. ترغب الجماعات المتحاربة في استغلال الفوضى لتحقيق مصالحها ومواردها المالية وثراء أفرادها وتعطيها الحرية في ارتكاب مختلف الانتهاكات ضد الإنسان اليمني بدعوى الحرب والتخوين. علاوة على ذلك، لا تهتم التدخلات الخارجية الا بتحقيق مصالحها وتغض الطرف عن أمراء الحرب الفاعلين في اليمن وتدعمهم. تكونت الكيانات والمؤسسات المالية الحالية في اليمن على هذا الأساس وتؤجج الحرب الاقتصادية الوضع بين الطرفين. يهرب الحوثيون إلى الأمام بخلق جبهة أخرى في البحر الأحمر لتعزيز بقائهم وايديولوجيتهم الدينية، هم الفاعل الأول في تشظي اليمن وخطر حقيقي على الجيران وجرح دائم منذ عشر سنوات في جنوب الجزيرة العربية.

 

غياب الأصوات المطالبة بالعدالة الاجتماعية بداخل مناطق الأطراف المتصارعة

 

هناك غياب واضح للأصوات المطالبة باستعادة الخدمات وإيقاف الانتهاكات ضد الإنسان اليمني وتحقيق عدالة اجتماعية في كل من مناطق الحوثيين والشرعية اليمنية. تتعرض الأصوات المطالبة بالحقوق الأولية للمواطنين للقمع الشديد والتخوين من قبل الحوثيين وأطراف الشرعية وهي نادرة الوجود. حتى الأطراف المتحاربة ينبغي أن يكون لديها مبادئ لحفظ وصون كرامة الفرد ولكن لا يوجد سوى اعذار وعنتريات بهدف انتهاك تلك المبادئ. لا يوجد من يدافع عن الانسان اليمني. ما الضير في أن يطالب الناس باستعادة حقوقهم البسيطة والخدمات وأن يسعوا الى تحقيق سلام داخلي سواء كانوا في مناطق الحوثيين أو الشرعية. يبدو واضحا غياب أي قوى تحمل تلك الرسالة وتدافع عنها.. التجارب الفاشلة في خلق قوى اجتماعية تحقق هكذا مطالب شائع بسبب انحراف أغلب القيادات لتحقيق مصالح شخصية وذلك هو تحد أشد وطأة لليمنيين.. لكن يستحيل تحقيق سلام عن طريق أمراء الحرب.. فهل كتب على اليمنيين استمرار الحرب إلى الأبد؟!!