ريشة

الدكتورة آمنة النصيري: رمزٌ فنيٌّ وفلسفيٌّ في اليمن

د. آمنة النصيري - انزياحات
د. آمنة النصيري - انزياحات

يُعدُّ الفن التشكيلي أحد الأركان الأساسية في التعبير الإنساني عن العواطف والأفكار والتجارب الحياتية. وفي اليمن، برزت الفنانة التشكيلية والدكتورة في علم الجمال، ٱمنة النصيري، كواحدة من الشخصيات البارزة التي أثرت الساحة الفنية والثقافية اليمنية والعربية بأعمالها الفريدة وفلسفتها العميقة. تجمع النصيري بين الفن والفلسفة والجمال لتقدم إبداعًا متميزًا يُلهم الأجيال ويعكس جمال البيئة اليمنية وتاريخها وأحداثها.

 

 

***

النشأة والتكوين

 

وُلدت ٱمنة النصيري في مدينة رداع بمحافظة البيضاء عام 1970، ونشأت في بيئة غنية بالثقافة والفنون. منذ نعومة أظفارها، كان لدور شقيقها الأكبر الأستاذ محمد النصيري دور كبير في تكوينها..كانت تميل إلى الفن كتعبيرٍ عن الذات ووسيلة لفهم العالم من حولها. تلقت دعمًا كبيرًا من والدتها التي شجعتها على تطوير موهبتها في الرسم منذ سن مبكرة. هذا الدعم المبكر شكل قاعدة قوية لتطورها الفني المستقبلي.

 

 

***

عندما كانتْ في الصف الثاني فشلت آمنة النصيري في مادة الفن. وهنا المفارقة..طلب المعلم من الطلاب نسخ رسمة شجرة؛ رسمت آمنة الشجرة و أضافت لها فروعاً – وكان هذا السبب كافياً لتفشل. كانت لديها فكرة مختلفة عن الفن منذ الطفولة.

 

***

التعليم الأكاديمي

 

استمرت النصيري في تطوير موهبتها وتوسيع معرفتها بالفن من خلال دراستها الأكاديمية. حصلت على بكالوريوس في تاريخ نظريات الفن وعلم الجمال من أكاديمية الدولة للفنون “سوريكوف” في موسكو، روسيا. لم تكتفِ بذلك، بل واصلت دراستها لتحصل على ماجستير ودكتوراه في فلسفة الفن من نفس الأكاديمية وجامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو. هذا التعليم الأكاديمي العميق زوّدها بالمعرفة الفلسفية والفنية التي أصبحت أساساً لأعمالها الإبداعية.

 

***

 

مسيرتها المهنية والفنية

 

على مر السنوات، أقامت النصيري العديد من المعارض الفنية في اليمن وخارجها، حيث عرضت أعمالها في روسيا، ألمانيا، هولندا، وايرلندا و مصر. ترأس مرسم ومؤسسة “كون” لثقافة وتنمية الذائقة البصرية، وكانت رئيسة تحرير صحيفة “تشكيل”. بالإضافة إلى ذلك، حصلت على الوسام التذكاري لجمعية النقاد الروس في عام 2001.

 

 

***

 

تأثير الحرب والصراع

 

لم تثنيها ظروف الحرب وأوجاع الصراع في اليمن عن مواصلة فنها التشكيلي ونشر لوحات جذابة تسعى من خلالها لنشر قيم الجمال والفن ودفن الآلام التي جلبتها سنوات الحرب المريرة. أثر الانقلاب الحوثي على الدولة والمجتمع. كانت ترى في الفن وسيلة لبناء مجتمع مزدهر ومتناغم. ومازالت.

 

***

 

فلسفة الفن عند النصيري

 

تؤمن النصيري أن الفن التشكيلي هو تركيب واسع يسيطر عليه الفنان على إعادة تنظيم المكونات الذهنية القائمة على مرجعيات معرفية ترتبط ببنائية الفكر كماً وكيفاً. الشكل العام للعمل الفني يحمل أقصى طاقاته تعبيراً ورؤية بدلالات فنية وجمالية. تتجلى فلسفتها الفنية في استخدامها المميز للألوان واهتمامها باللغة اللونية سواء أكانت عبر استخدام الدرجات الصارخة والحادة من اللون، أم تحولت إلى شفافية وضبابية وتعقيد اللون.

 

 

***

 

إسهاماتها في الفكر والثقافة

 

إلى جانب أعمالها الفنية، أسهمت النصيري بشكل كبير في مجال الفكر والثقافة من خلال مؤلفاتها. من بين أعمالها:

– “متوالية القديم والجديد” (عمل مشترك مع عمر عبد العزيز)

– “مقامات اللون” (مقالات ورؤى في الفن البصري)

– “مواقيت لأحزان سبأ” (عمل مشترك مع الشاعر اليمني الكبير أحمد العواضي)

 

***

 

الاعتراف والتكريم

 

حظيت النصيري بتقدير واسع على مستوى العالم، حيث حصلت على عدة جوائز وتكريمات، من بينها الوسام التذكاري لجمعية النقاد الروس في عام 2001. تُعتبر النصيري من أشهر نساء اليمن في العصر الحديث والأبرز في مجال الفن التشكيلي، وأول امرأة يمنية رسمت ولونت وطورت موهبتها علمياً وعملياً حتى صارت مرجعاً هاماً للفن التشكيلي اليمني والعربي.

 

***

 

رؤية مستقبلية للفن في اليمن

 

تعتقد النصيري أن الفن بجميع أشكاله يضفي لوناً وطعماً جميلين على الحياة، وأنه ضروري مثل الخبز لبناء مجتمع مزدهر. ترى أن الفن وسيلة للتعبير عن النفس والرأي في أي قضية، ومنها قضايا المرأة. وتؤمن أن أبسط المجتمعات تصنع الموسيقى والأغاني والرقصات والقصائد الخاصة بها، مما يعكس أهمية الفن في الحياة اليومية.

 

***

 

هكذا تُعدُّ ٱمنة النصيري رمزاً فنياً وفلسفياً بارزاً في اليمن. من خلال أعمالها الفنية والفكرية، أسهمت في إثراء الساحة الفنية والثقافية، ونجحت في نشر قيم الجمال والفن رغم الظروف الصعبة.

الفنانة التشكيلية اليمنية د. آمنة النصيري
الفنانة التشكيلية اليمنية د. آمنة النصيري

تظل أعمالها شاهداً على عمق رؤيتها الفنية وفلسفتها الجمالية، وإلهاماً للأجيال القادمة لتحقيق التميز والإبداع في الفن والحياة.