هو بعضٌ من التمزق ينتظر حلم البقية.
الخائفون عندما ذهبوا.. تركوا لنا الخوف في المساحات الملغومة.
نوافذ المنازل تكتسيها الغضب والسحر والنوم على بطون خاوية.
وفي أزقة الزهايمر والعمى الذي تركوه، لكنهم ظلوا يسيرون إلى جحيم الذرائع.
يضيع شيء من حلم البقية.. تهشمت ملامح وجوههم الذائبة والخائبة.
يصومون من دون ذنب ومن دون مغفرة من الرب.
أين أجسادكم الكبيرة؟
وبطونكم التي كانت تشبع في كل لحظة..
كنتم تشمون رائحة المطابخ والمرق… والعصيدة المسكونة في صحن أبيض.
هناك نعاس الجوع والظمأ يفيق في غرفة مطلية.
جماعة المدافن مرسومة، حاكمة تريد القمع بالجوع والغضب والنار والحصبة والجذام.
وغابت السحابة المطرية..
والشمس تمر، لا وقت يميز الوجبات وتناول الغداء…
الجوع متصحر في القاع، ممتد كخشب منخور محروق خاوٍ.
ها هم الأطفال لم يحصلوا على وجبتهم الأولى منذ أسبوع.. ما الذي تبقى يا صنعاء لكي تبقي حية؟
أجسادهم جلود رخوة، عيون الفقراء دامية.
بعد مجيء البائعين للحسين والمشترين للولاية. صارت كل الشوارع تنسحب كمسكنات.. كسراب، كموت مزعج واختناق.
غضب يتراكم وانتظار للبقية للإرتماء عند أبواب السيد الجديد القائم كصنم معبود…
والشيطان يسافر بجواز مزور وممزق.. وصورة الشيطان مرتبة في المداخن الحجرية. والأبل القديمة… لا تعود برحلة الشتاء بل ستعود بجوع الصيف.
العظام النحيلة عادت كمجسم حميري ذليل بعد تبع كآخر الملوك. وصوت النفس الجائعة ضعيفة والساعة لا توقظنا…. ونبقى كلنا لنموت في قبور البيوت والزجاج والنوافذ العاطلة.
تتغطى وجوه النساء في صنعاء كهشيم منقط ويحشو الصمت بالصمت… والحجاب والثياب تخفي جحيم الهروب.
بينما صوت محاصر يهرب من الخراب… ستجد من يطارد حلمك الذي غادرك وهو لم يعد..
مضوا على الجوع، تغيرات الجنتين. كان ذو يزن يأكل في باب اليمن الكباب.. ويعصر العنب.. ويرقص بثيابه الزرقاء وسيفه الذي يلف جسده الطويل والكثيف ويعود بهندامه الحربي من دون هزيمة.
النار الموعودة ارتفعت وأصوات الاختصار تعوي..
إنها الأشياء المستعجلة وضعت كبرواز على آخر رحلات الموت.
صنعاء تحنطت أنفاسها تتسارع نبضات الموت فيها… تصعد زفرات الهذيان إلى الحلقوم، إلى الفكين، إلى اللسان الخائفة.
العاصفة باقية والثياب الممزقة تكشف أجسادنا البالية.
وثيابنا العارية محنطة.. هناك تلتف على براميل القمامة..
في صنعاء يخلو الشارع من الحياة..
الفقراء والجوعى ينتظرون كيس قمامة جديد..
لقمة تأخر بقايا الموت الأسود ورائحة الفاصوليا، ذرات الرغيف المطلية بالتعفن.
طفيليات الوهن تلتوي. تتفحص أجسادنا الرمادية، بعدها نعبد أصنام التجارة المقنعة بالدين. وندفع زكاة أوقاتنا بعد الممات إلى الكاهن النائم المتسكع في غرف الظلام..
في شارع آخر، كيس أحمر أو وردي يحمل أطعمة لها رائحة الخنوع.
في طرف شارع الزبيري يصعد دخان، أيادي متعصبة تنهب الباقية.. تنهب المارة وتجلد البائعين والمتسوقين والنساء والأرامل..
بطون الجوعى فارغة، إنهم يوعدون أطفالهم وزوجاتهم بيوم القيامة، لكنها أيام التعاسة.
هناك أكياس الحاكمين المتسلطين بالكذب والقداسة تنهب من المخازن وتباع في أسواق المواشي.
يوهموننا أنهم أسخياء، نحن بالجوع نمضي كل ليلة.. هم يأكلون كل أموالنا ويضعون في عيوننا الرماد.
قال لي صديقي: علينا أن نمشي إلى شارع جمهوري مختطف لنحمل العهد..
قلت له: هؤلاء كلهم سيعيشون بالسقوط والذل ليبقى حكام البلاء. لا رواتب ستقترب من موعدها. الكل يهذي يعتذر للمساء أنه بلا ثوب للصلاة وعلى أصبعيه دماء..
كيس مخملي للنوم سيكون هو الحل من هذا الجوع الطويل المغروس لأيام في الشوارع.
والبكاء لا ينقطع، صارت صنعاء هي الجوع، هي مسامات الجلد المعطوب.
الدخان يتصاعد بينما الماء يغلي ويتحرك في الإناء من دون قمح أو دخن أو ذرة ولا رائحة الطعام.
فقاعات حارة ترتفع والأرز أبيض من دون بهارات و العصيدة لم تجهز وارتفاع شهيق من دون الحلم الموعود.
أطفال صنعاء يشترون الجوع ويخمر الانتظار
العيون الجائعة تنتظر للفقاعات التي تغلي عند الفجر
خيمة قريبة في شارعي.
أنظر من النافذة سيارة ترمي بكيس مليء بطعام ظل لأيام في بيت لص جديد.
جائع لا يخجل، يأخذه في الهواء، يسحبه بعجلة الخوف. قحطان لديه أطفال ينتظرون أن يتنفسوا في شارع مظلم خالي من الإنارة.
الموت يسحق أحلام البقية.. فيما لا صباح سيأتي كله ظلام حتى يستيقظ الأموات قبل ألف عام.