شعر ونثر

البعد العالي!

البعد العالي - عبدالله ثابت
البعد العالي - عبدالله ثابت

طيران فوقَ الماء

سترةُ النَّجاةِ تحتَ المَقعَد!

أَتَمَعْنَى ..

(١)

وِدَاعَةَ الله

وِدَاعَةَ الله،

ولا تتوقَّفْ، أيُّها القلبُ الرَّحَّال

فهذي السَّماواتُ ملعبُك!

طِرْ..

كملاكٍ يرمحُ في الجوّ

يَفرِزُ السُّحُبَ والمُنخفضات

ويُلقِي برسائلِ الإنقاذ

وقصائدَ مجروحةٍ في الكاحِل..

على كوكبِنا الأعزل،

وناسِهِ البائسِين!

اُغْفُ على مَقعدِكَ الدّولي

في صِقْع..

واصحُ بآخَر،

سَاعِدْ أُغنيَّاتِ الشُّعُوب

بالتَّحليقِ في أجوائِها!

عَلِّي.. عَلِّي،

ومن قبيلِ الذَّوق.. لا تنسَ إرشاداتِ السَّلامة،

ليس لأجلِ الاحتياطِ الطُّقُوسيّ..

بل لمُجاملةِ المُضيفات!

 

(٢)

 

بهيجاتُ الثَّلاثينَ ألفَ قَدَم

 

وكما لو كنتَ مُحَكَّماً

في مُسابقةِ التَّتويجِ النِّهائيّ

بلقبِ أميرةِ الإقلاعِ والهُبُوط..

تنبَّهْ لحركاتهنّ،

بهيجاتُ الضِّيافة

على ارتفاعِ ثلاثينَ ألفَ قَدَم!

راقِبْ ملحَ الإجهاد..

كيف يتبقَّعُ في النَّظراتِ الزَّائغة

ويبدو كبقايا الطلّ..

في أعناقِ الزُّهُور!

لَاحِظِ الخَدَرَ..

في مَدَّاتِ الأذرعِ والأصابعِ النَّحيلة،

لَاحِظِ التَّلويحَ

نحوَ أبوابِ الطَّوارئ

وهو يأخذُ شكلَ الغُنْجِ..

في طلباتِ السّماع

آخرَ السَّهرة!

 

(٣)

 

تنويهات مُصاحِبة للتَّوجيهِ نحوَ المَخَارجِ

 

(ملحوظة: العباراتُ بين علامَتَي التَّنصيص مُقتبسَة مِن إرشاداتِ السَّلامة، لدى الخُطُوطِ الجوِّيَّةِ السُّعُوديَّة)

 

* * *

 

“التَّقيُّدُ بالإشاراتِ المُضاءَة”

 

جَرِّبِ الامتثال،

فأنتَ على بُعدِ شبرَيْن.. مِن رُبُوعِ الرَّبّ!

“اتِّخاذُ الحيطةِ والحذرِ، تفادياً لسُقُوطِ الأمتعة”

 

هذا لا يخصُّك

أيُّها المُتخفِّفُ الرُّوحي!

“لربطِ الحزام.. أَدخِلِ النِّهايَتَيْن المَعدِنيَّتَيْن، في بعضِهما،

لفكِّ الحزام.. ارفعِ اللِّسانَ المَعدِنيّ، ثُمَّ افصِلْ النِّهايَتَيْن”

 

لا بأس،

ولو أنَّه يحزُّ في نفسِكَ المرقَّطة

مَرأَى السِّباعِ.. مَضروبةً بالأصفادِ في قدمَيْها،

ولا تستطيعُ إخفاءَ وَلَعِكَ بالنُّمُور

وإن كنتَ تميلُ لاعتزازِ الذِّئب؛

“قد لا أكونُ مَلِكَ الغابة..

لكنكَ لن ترانيَ في السِّيْرك”.

 

“لا يُسمَحُ بالتَّدخينِ في جميعِ مَرَافقِ المَقصُورةِ”

 

إذاً.. فلتُضيفُوا بعضَ التَّسليات

لخاطرِ الرُّؤُوسِ النَّفَّاثة!

أَفسِحُوا حَلَبَةَ نيرانٍ لرقصِ الهُنودِ الحُمْر

أَلْبِسُوهُم فَرْواً وأجنحةَ نُسُور،

وشيئاً مِن مُوسيقى آخرِ “الموهيكان”

أو وَزِّعُوا عليهِم – مثلاً –

تيجانَ الممالكِ السَّبع

ومسابقةً لرَسْمِ “سيرسي” وهي تشربُ النَّبيذ،

واتركُوا لهم اختيارَ العُرُوشِ والصِّراع!

ولا تَقلَقُوا..

فالمُدخِّنون، تلك المخلوقاتُ الخرافيَّة

مثل “آل لانستر”.. يُسدِّدون دوماً دُيُونَهُم!

أَضِيفُوا بعضَ التَّسليات..

لأجلِ سلاطينِ القَدْحِ والعَجَاج

مَنْ يُكوِّرُون صُدُورَهُم مثلَ المواقد

ثُمَّ يُطلقُون أنفاسَهُم البيضاء

كمراكبَ بُخاريَّة!

 

،

 

“في حالةِ انخفاضِ الضَّغط، داخلَ المَقصُورةِ، ستسقطُ أقنعةُ الأوكسجين تِلْقَائياً.. سَارِعْ بتناوُلِ أقربِ قناعٍ إليكَ، شُدَّهُ للأسفل،

ثَبِّتْهُ على الأنفِ والفمِ، ومن ثمَّ يُمكنُكَ مُساعدةُ الآخرين”

 

مهلاً!

دَعُوني أُعيدُها.. لو كنتُ فهمتْ!

أَحقَّاً.. عند الضَّغطِ والاختناق

ستتدلَّى أقماعُ الأوكسجين مِن نفسِها؟!

أوووه.. لمَ لا يحدُثُ هذا في الأرض!

أرضِ المنغّصين.. مكفهرِّي الملامحِ والطِّباع،

النَّاشبين بحُلُوقِنا بمجرَّدِ الخُرُوجِ مِن البيت

البارعينَ في استفزازِ الأبواق؟!

لمَ لا يحدُثُ هذا في الشَّوارع

التي لا أدري مَنْ سمَّاها بالسَّريعة

وهي أقربُ للقِطَّةِ عَنَاء.. مِن يومِ الحشر؟!

لمَ لا.. في المكاتبِ وحدائقِ الجُمُوع

في عزائمِ الرِّيَاءِ ورسائلِ المَثُوبة؟!

فيا ليتَ تلك الأقماع

كانت ستسقطُ بهذا السَّخاءِ التِّلْقائي

وقتَ حاجتِنا الأرضيَّة

لأسبابٍ لا تُحصى

أقلّها؛ وفرةُ الغباء.. والثَّقيلِين،

لكان هذا أَوْلَى.. وأكثرَ وجاهة!

الحاصل..

لا بدَّ أنَّ اللهَ سيغفرُ للمليحاتِ والملاحين

بقَدْرِ تردادِهِم لهذا الإرشادِ الفَخْم

بالتَّحديد!

 

،

 

“تطبيقاً لقوانينِ الطَّيرانِ فوقَ الماء،

توجدُ سترةُ نجاة، لكلِّ مَقعَد”

 

وهذه الخرافةُ البلاغيَّةُ لمَنْ؟

أعني “الطَّيران فوقَ الماء”،

أَهي إحدى مرائي أُميَّة بن أبي الصَّلْت،

وهو يحصي الشِّعَب المَرجَانيَّة

على سواحلِ قُضَاعَة

صوبَ البحرِ الأحمر؟!

أو.. وصفٌ لقدَمَي أليمِ النَّاصرة،

فوقَ بُحيرةِ “طَبَرِيَّا”،

تَيْنِكَ المصممتينِ، من وكالتها، ضدَّ البَلَل!

وعلَّكُم تقصدُون “سرجون الأكدي”

والعَشَرَة مِن حوالَيْه

يتزلَّجون على الألواحِ.. بين النَّهرَيْن!

ربَّما كانت اقتباسَاً مِن “المهابهاراتا”..

وشعائرِ “الغانج”!

وكم تُشبهُ التَّهاويمَ على طُقُوس “المايا”..

وركضَ فتياتهنَّ..

حين يبلغنَ الطّمث،

فيتسابقنَ.. بشُعلِ الأمُّهاتِ القادمات

نحوَ المحيط!

كم هي قريبةٌ مِن أهازيجِ “الاسكندناف”

وقتَ ينحتُون صُدُورَ النِّسوةِ العرايا

على خُشُومِ سُفُنِهِم

ليهدأَ المَوجُ.. ويرتاحَ بالُه

إلهُ البحار!

:

:

.

 

الطَّيرانُ فوقَ الماءِ..

أيُّها العُلُوُّ النَّظيف،

على البوارجِ وغزوِ الأطماع

وتلك القوائمُ اللا محصاة

مِن الأساطير،

وكلّ ما صمَّمتْهُ بشريَّتُنا المذعورة..

مِن الفَنَاءِ والغُيُوب!

الطَّيرانُ فوقَ الماء..

وسترةُ النَّجاةِ تحتَ المَقعَد!

يا لهذا الشِّعْرِ الجوِّيِّ!

 

“استعداداً للإقلاعِ.. المرجو التَّأكُّدُ مِن أنَّ أحزمةَ مقاعدِكُم مربوطةٌ، وظُهُورَ، وملحقاتِ المقاعد، في أوضاعِها الطَّبيعيَّةِ، وستائرَ النَّوافذِ مفتوحةٌ”

طِرْ

طِرْ

أيُّها القلبُ الجائعُ لبلادِ الله،

ومعكَ حناجرُ الكورال

واللَّعين بليغ حمدي

ينحِّي عبدَالحليم،

ليضعَ الصَّبرَ في حقائبِ الفلَّاحين

“ومنين نجيب الصَّبر يا أهل الله”

ثُمَّ يُطلقُ صوتَ كسيراتِ اللَّيلِ والمُدُن؛

“سافر..

سافر مِن غير وداع،

فات في قلبي جراحُه”.

 

* عبدالله ثابت، شاعر سعودي.