أعيش داخل النص
منذ زمنٍ بعيد
لي أشيائي الخاصة جداً
والتي تشبه فرشاة الأسنان
أعتزل العالم
وأفلسف أشيائي حين أبصرها بعين الصوفي
المتعبد في صومعته
تماماً حين يقدم قرابينه للإله بعيداً عن أعين الناس
وأوضب هلوساتي وأهندمها لتصبح شعراً
مع ذلك بدأت أشعر بالرتابة
وأنا الآن
خارجٌ من النص للذهاب في نزهة
وداعاً أيها العنوان
وداعاً أيتها الكلمات
وداعاً أيتها الاستعارات
وداعاً يا علامات الترقيم
وداعاً يا عتبات النص
أنا ذاهبٌ إلى مدينةٍ هاجدة
هناك أجد أصحابي
وهم يقلمون أظافر الهواء
ويمشطون ويضفرون شعره
سأمر أيضاً على شاطئ العتمة
أتحسس رمل الساعة
بسن القلم الرصاص
وأستعير يوماً خاملاً
من روزنامةٍ معلقةٍ على الجدار
لأنام فيه
بعيداً عن ضوضاء الأيام النحيلة
المتزاحمة في طابورٍ طويلٍ
يشبه طوابير استلام الإغاثة
سأمر على مشعوذٍ حاذق
سأمنحه بعض النقود
وبعض الهدايا كالبن والجبن البلدي ومشاقر الريحان
وسأطلب منه أن يكتب لي كتاباً
فيه من التمائم ما تجعل الحياة طيعةً في أطراف أصابعي
وحين أشعر بالتعب
سأبتلع أوراق شجرة الليمون
وأتدثر بريش الحمام
“ريش الحمام”
كلمةٌ لها وقعٌ خاصٌ في قلبي
إنها تذكرني بطفولتي
حين كنت أملك مقلاعاً
أصطاد به العنادل وأشويها في أطراف القرية
كنت أسمِّي العندليب “عُنصرة”
لا أدري من أين أتى جدي الأول بهذا الاسم
إنه اسم قروي طافح بالعامية
رائحته المميزة تفوح حين تكتبه
وتفوح أكثر حين تلفظه
ربما لهذا لا زال لساني قروياً
ويرفض التمدن
أو ارتداء لباس الحداثة غالية الثمن
أنا بسيط كعود طحن القات الذي يستخدمه “سعيد ناصر”
بعد أن فقد أسنانه بفعل الزمن
لكنه لم يفقد ابتسامته التي تزداد ألقاً كلما كبر بالسن
ابتسامته التي تشبه الجنبية الصيفاني
المزينة بحرفين من ذهب
من ابتسامة “سعيد ناصر” أغترف ماء الجمال
وأجني حبوب القمح البلدي
وأطعم أطفالي
أستطيع تعليب رائحة الفطير المنبعثة من المأفي
داخل قناني العطر
لهذا لي رائحة القروي دوماً
لم أستسغ ماركات العطور الفرنسية
ولا شكل البيتزا
ولا ربطات العنق
لا أستخدم كريمات الشعر
لأن أمي دهنت رأسي بدهنٍ من بقرة جارتنا
صار شعري يشبه شعر البقرة المتدلي في ذيلها
البقرة صارت أمي من الرضاعة
والثور الذي أنجبته هذه البقرة
لم ينطحني حين نطح أطفال قريتنا
من قال إن المروءة في الرجال فقط!!
أنا قروي بسيط
كنت أقلب تربة الأرض بالمحفر
وكنت أتصبب عرقاً غير مالح
يشبه ماء خزانات المياه
وفي يدي تنمو “الرفاحات”
لا اسم علمي للرفاحة
لأنها تسبق العلم
وتمشي في طريقها الخاص
كنت أحمقاً بما يكفي لأرغب بتعلم السباحة في بركة جامع الصافح
كانت البركة تعتذر لي بتأدب
وأنا أقبح من أن أفهم سلوك الاعتذار
إلى الآن لا أجيد السباحة ولا الاعتذار
لا أستطيع تقشير الدهشة
لأنها تشبه حبوب الأفوكادو
هذه الفاكهة التي لا تعرفها جدران قريتنا
المرة الوحيدة التي شربت فيها مشروباً غازياً
كنت أسميه “ستيم”
تذوقته بحذر
لم يرق لي طعمه
قلت بيني وبيني:
ماذا لو كان خمراً
وتسبب بدخولي النار!
حين يحل الظلام
سأختبئ في دماغ كلب
كي أرسم نوتات نباحه الليلي
ربما هذا الخيار الوحيد كي لا يزعج بنت الجيران
هي مشغولة بمذاكرة التفاضل والتكامل
ومعجبة برمز ما لا نهاية
قالت إنه يشبه “ماسكة شعرها”
قالت ذلك وضحكت بميوعة
بفعل ضحكتها انشق القمر
وطأطأ رأسه
وبدأ الديك بالصياح
حتى قبل أن ينتصف الليل
ربما ثمل الديك بضحكتها
من قال إن الديوك لا تثمل!؟
أعرف ديكاً كان يصنع الخمر من حبوب الذرة
وحين يشرب
يضاجع كل دجاج الزريبة
قال إن الشرب يزيل عنه القلق
ويمنحه الفحولة
سأدس سري داخل مرارة الديك
بعد أن أضعه في قطعة قماش
وأنفخ فيها ثلاثاً
وأعود أنا واللغة لنتلاوم حول أمرٍ ما
لا علاقة له بالنص