المخطوط الأول:
لست لي، فأنت منذور لما سيحدث لك في الطرقات. أعرف أن سنديانة روحك معلقة بأجساد أخرى وأنك ترفعني قليلاً ثم تهبط بي. أعرف أنك مستودع الوهم. نموت بك. أنت أدخلتني خيلاء العمر، ودفعت بي غضًا طريًا إلى رمضائهم.
لست أدري من أي زمن عابر أتيت وإلى أين تأتي، لكنني أشكر لك ثباتك، وصهيلك عند دخول أول امرأة فيك، حين وسدتها الريح وأشعلتها كالنوائح.
أشكر لك محبة الأخريات وأعتذر لك عن زمجرة الأنوثة التي أرعبتك… أيها الجسد الناحل الضعيف، لست طيري ولست لي، أيها الجسد المتشوف والنيئ، هذا لابني.
أيها الجسد البض والرخو والمستحيل، أنت جسدها. أيها الجسد المر والمعجزة، لست لي، لكنني قد ذرعت بك الأرض واتكأت عليك، مشيت بك في الجنائن، وسكرت بك، وغرقت بك في الرمل، ووعدتك بالماء، ورميت بك في البحر…
أيها الجسد العزيز، لست لي، لكنني أكبر منك، فقد صليت بك الفجر، وصافحت بعينيك رائحة امرأة مبللة في الصباح، وضقت بك فأدخلتك في غرفة النوم وذهبت. لست لي، فأنا أرفع منك لأنني أطير وأنت لا تستطيع!
جسد الطاعة:
أيها المثال المنبثق من شقوق الأرض، أيها العينة الموحدة، أيها الكمون، ليس لك حريتي. أعبث الآن بالوقت، وأخلط الليل بالنهار، لي ما ليس لك، وليس لك ما ليس لي. لي أن أتجاهل النار وأن أعفو عن المغفرة، وألعب كالماء والنسائم، وليس لك سوى أذى الكتلة الذي سيواريك.
المخطوط الثاني:
أستطيع أن أترك آثاري وودائعي، أن أتكلم بلسان الطريق وأبدد رخاوته. لي ألعابي الرملية وليس لك، لي عينان بدون أذناب، أستطيع أن أتجمهر منفردًا! لي جسم غزال وروح مروحة… أيها المر؛
أنت في الظاهر وأنا في باطن المتن. أستطيع أن أكتب عنك، أن أحولك إلى طيف وأبعث بذراتك إلى الهلاك، أن أغزو بك بنات البحر وقواقع الفجر… أعلمك دهشة الحياة، فتبيض في راحتي بعض هشاشات، أعلمك ذهب الموت وكيف تغار منه كائنات الأرض. أهمس في أذنيك بمباهج السوق فتردني إليك.
إليك أيها الجسد العنفوان، رقتي وصباي منذورتان لزهو الطين…
المخطوط الثالث:
خمسون عامًا وأشجاري سامقة، خمسون عامًا وأنت يقتلك البلى، والفيزياء تعتلي عرشك كأميرة، ياقوتة لا تنام… خمسون عامًا والليالي معي، وغفلة الجاذبية عني، وأنت في الأسر يا صاحبي عنكبوت تشبث في الأسر. خمسون عامًا وأنا: أرفرف، ألهو، أعرف، أرفض، أقبل، أتجنى، أحب، أتكلم قريبًا وبعيدًا، وأنت في الأسر كأنه النعيم.
المخطوط الرابع:
أقيم في كل ساعة وفي كل سرب وفي كل ثانية تمر بي دقائق البنات. خمسون عامًا وأنت في هبوب البحر بلا طيور…