بمناسبة الاحتفال بأعياد الثورة سبتمبر نبحر مع قصيدة الراحل الكبير عبد الله البردوني،قصيدة ” الطريق الهادر” والتي كتبها في مطلع الستينيات من القرن الماضي وقبل قيام الثورة بعامين تقريباً وذلك من وحي مظاهرة طلاب المدارس في صنعاء وتعز ضد نظام الحكم الإمامي
هتاف هتاف وماج الصدى
وأرغى هنا وهنا أزبدا
وزحف مريد يقود السنا
ويهدي العمالقة المرّدا
تلاقت مواكبه موكبا
يمدّ إلى كلّ نجم يدا
عمائمه من لهيب البروق
وأعينه من بريق الفدا
أفاق فناغت صبايا مناه
على كلّ أفق صبا أغيدا
وهبّ ودوّى فضجّ السكون
ورجّعت الريح ما ردّدا
وغنّى على خطوه شارع
ودرب على خطوه زغردا
ومنعطف لحّنت صمته
خطاه ومنعطف غرّدا
مضى منشداً وضلوع الطريق
صنوج توقّع ما أنشدا
وأقبل يسترجع المعجزات
ويستنهض الميت والمقعدا
ويبدو مداه فيمضي العنيد
يحاول أن يسبق الأعندا
فتطغى مشاهده كالحريق
ويقتحم المشهد المشهدا
ويرمي هنا وهناك الدخان
ويوحي إلى الجوّ أن يرعدا
***
هو الشعب طاف بإنذاره
على من تحدّاه واستعبدا
وشقّ لحودا تعبّ الفساد
وتنجرّ تبتلع المفسدا
وأوما بحبّات أحشائه
إلى فجره الخصب أن يولدا
أشار بأكباده فالتقت
حشوداً مداها وراء المدى
وزحفا يجنّح درب الصباح
ويستنفر الترب والجلمدا
وينتزع الشعب من ذابحيه
ويعطي الخلود الحمى الأخلدا
ويهتف : يا شعب شيّد على
جماجمنا مجدك الأمجدا
وعش موسما أبديّ الجنى
وعسجد بإبداعك السرمدا
وكحّل جفونك بالنيّرات
وصغ من سنى فجرك المرودا
لك الحكم أنت المفدى العزيز
علينا ونحن ضحايا الفدا
***
ودوّى الهتاف : ” اسقطوا يا ذئاب ”
ويا راية الغاب ضيعي سدى
وكرّ شباب الحمى فالطريق
ربيع تهادى وفجر بدا
ومرّ يضيء الحمى كالشموع
يضيء توهجها معبدا
ويزجي عذارى بطولاته
فيتشح الجرح والسؤددا
ويغشى على الظلم أبراجه
فيزري به وبما شيدا
ويكسر في كفّ طاغي الحمى
حساما بأكباده مغمدا
وتندى خطاه دما فائرا
يذيب دما كاد أن يجمدا
ويلقي على كلّ درب فتى
دعته المروءات فاستشهدا
ويدني إلى الموت حكما يخوض
من العار مستنقعا أسودا
ويجترّ أذيال ( جنكيزخان )
ويقتات أحلامه الشردا
ويحدو ركاب الظلام الأثيم
فيبتلع الصمت رجع الحدا
ويحسو النّجيع ولا يرتوي
فيطغى ؛ ويستعذب الموردا
رأى الشعب صيدا فأنحى عليه
وراض مخالبه واعتدى
فهل ترتجيه ؟ ومن يرتجي
من الوحش إصلاح ما أفسدا ؟
وهل تجتدي ملكا شرّه
سخيّ اليدين .. عميم الجدا ؟
وحكما عجوزا حناه المشيب
وما زال طغيانه أمردا
تربّى على الوحل من بدئه
وشاخ على الوحل حيث ابتدا
فماذا يرى اليوم ؟ جيلا يمور
ويهتف ” لا عاش حكم العدا ”
***
زحفنا إلى النصر زحف اللّهيب
وعربد إصرارنا عربدا
ودسنا إليه عيون الخطوب
وأهدابها كشفار المدى
طلعنا على موجات الظلام
كأعمدة الفجر نهدي الهدى
ونرمي الضحايا ونسقي الحقول
دما يبعث الموسم الأرغدا
لنا موعهد من وراء الجراح
وها نحن نستنجز الموعدا
وهل يورق النصر إلاّ إذا
سقى دمنا روضه الأجردا
أفقنا فشبت جراحاتنا
سعيرا على الذلّ لن يخمدا
رفعنا الرؤوس كأنّ النجوم
تخرّ لأهدابنا سجّدا
وسرنا نشقّ جفون الصباح
وننضح في مقلتيه الندى
فضجّ الذئاب ، من الطافرون ؟
وكيف ؟ ومن أيقظ الهجدا
وكيف استثار علينا القطيع ؟
ومن ذا هداه ؟ وكيف اهتدى ؟
هنا موكب أبرقت سحبه
علينا وحشد هنا أرعدا
وهزّ القصور فمادت بنا
وأشعل من تحتنا المرقدا
وكادت جوانحنا الواجفات
من الذعر أن تلفظ الأكبدا
***
فماذا رأت دولة المخجلات ؟
قوى أنذرت عهدها الأنكدا
بمن تحتمي ؛ واحتمت بالرصاص
وعسكرت اللّهب الموقدا
ولحّنت الغدر أنشودةً
من النار تحتقر المنشدا
ونادت بنادقها في الجموع
فأخزى المنادي جواب الندا
وهل ينفد الشعب إن مزّقته
قوى الشر ؟ هيهات أن ينفدا
فردّت بنادقها والحسيس
إذا ملك القوّة استأسدا
وجبن القوى أن تعدّ القوى
لتستهدف الأعزل المجهدا
وأردى السلاح لأردى الأنام
وأجوده ينصر الأجودا
ويوم البطولات يبلو السلاح
إذا كان وغدا حمى الأوغدا
فأيّ سلاح حمى دولة
تغطّي المخازي بأخزى ردا ؟
وتأتي بما ليس تدري الشرور
ولا ظنّ ” إبليس ” أن يعهدا
لمن وجدت ؟ من أشذّ الشذوذ
ومن أغبن الغبن أن توجدا
بنت من دم الشعب عرشا خضيبا
ورضّت جماجمه مقعدا
وأطفت شبابا أضاءت مناه
فأدمى السنا حكمها الأرمدا
وسل كيف مدّت حلوق الردى
إليه فأعيا حلوق الردى ؟
وكم فرشت دربه بالحراب
فراح على دمه .. واغتدى
وروّى التراب المفدّى دما
مضيئا يصوغ الحصى عسجدا
وعاد إلى السجن يذكي النجوم
على ليله فرقدا فرقدا
ويرنو فينظر خضر الرؤى
كما ينظر الأعزب الخرّدا
فتختال في صدره موجة
من الفجر تهوى المدى الأبعدا
ويهمس في صمته موعد
إلى الشعب لا بدّ أن تسعدا
سينصبّ فجر ويشدو ربيع
ويخضوضر الجدب أنّى شدا
فهذي الروابي وتلك السهول
حبالى وتستعجل المولدا