أعلم بأنك تختفين في مكان ما في هذا الفضاء، تتبادرين منطويةً على نفسك، وبمكابرة خصم لدود؛ تطلين كل لحظة، بنصف وجه وثلثي عين، لتتأكدي من أنك لم تنكشفي بعد.. تبدين كطائر مستعجل لا يطير، وأحياناً كمبتئس لا يجد سبباً مقنعاً لإقدامه على الانتحار.
أعلم بأنك موجودة ضمن مركبات الهواء والضوء؛ والأفكار الانتقامية وربما الانتحارية.. تطوين ذراعيك في صدرك وتتأملين حيواة الآخرين الملونة والداكنة، المرتبة والعشوائية، فتجدين نفسك أكثر ميولاً للألوان واشتياقا للعشوائية، لولا أنه غير لائق بمثلك أن تكون عشوائيةً، نبال الرماة ورماحهم على أهبة الاستعداد..
ومن يدري..؟ ربما تخطرين الآن من أمامي مرة، وتعصفين مرات دون أن يهز تنكُّرك شيئاً من ارتيابي..!! ربما على أطراف أحوالك تسيرين الآن بموازاتي، وقد تستخدمين نوتة نقرات الباب دون أن تشعري، وأنت تعبثين بأزرار هاتفك المحمول، وربما أيضاً تقع عينك على رقم هاتفي فتقررين تغيير اسمي برمز تعبيري يتناسب مع شيء مما تريدينه أن يتشكل في مشاعرك..
أشعر بك تتحاشين إحداث أية فوضى، رغم عشقك الدفين لابتكارات الفوضويين، التي تنم عن محاولة النجاة من الجسد والملل.. أشعر بارتباكك يئن بلا صوت، وبصدرك يضطرب بالتساؤلات الجدلية، وبأنفاسك أيضاً تتعالى ثم تخبو فجأة خشية الانكشاف..
أنت هنا، أدري.. لستِ بحاجة للاختلاف معي حول ذلك، ولستُ أنا مهووساً بضبطك تحاولين التسلل إلى غرفي المظلمة.. وحتى لا أبدو أدهى مما أبدو، أعترف لك بأنني لا أعلم إذا ما كان هناك غرف مظلمة حقاً.. فقط أحاول أن أساير إرشادات الطبيعة وقوانين الاحتمالات..
أنت هنا، تراجعين معي هذه العبارات قبل أن أقرر نشرها على أي من حساباتي الاجتماعية، وتضعين، كالعادة وحتى لا يُقال بأنك تريدين أن تكوني أخرى، ملاحظاتك الإملائية والأخلاقية.. أنت هنا تحاولين المواءمة بين نقراتي للوحة المفاتيح؛ ونقرات انفعالاتك التي تقطر الآن باردةً ومرتعشةً على جمجمتي..
لا مجال حتى للاحتمالات، أنت هنا، في العراء تلتحفين وهماً وبخاراً جافاً وأغطيةً من غبار.. تحاولين أن تبتكري نداءً صامتاً.. ونظراً لحجم الارتباك بلا معنى، تبدر منك إيماءة صارخة تبعثر السكون، فيغدو تافهاً بعيداً عنك.. نعم أنت هنا تختبئين وراء أيقونة ما، عبارة ما، وشاية ما، ليس كقناص محترف، وإنما كواحد من الاحتمالات الرتيبة اللازمة.