ذخائرشعر ونثر

إن جُثَّتِ الحركاتُ

 

( 1 )

إن جُثَّتِ الحركاتُ لا مُستفعلن يجدي ، و لا بلدٌ يحبّكَ يا فتى . هذا رخامُ الشِّعرِ أوله معلّقةٌ و آخرهُ أقل من الهباء . خسرتَ سيفكَ مرّتين . إلى الأمامِ ترى الفواكه و النساء دُمى من المطّاطِ ، هل تمضي القصيدةُ كلّما اكتملتْ إلى أقصى من امرأةِ الخيال . و هل سنمضي بعد تاريخٍ من الإسراء و المعراجِ و الفتحِ المبين إلى مدى أقصى من الشرطي في أفق القبيلة . جثَّتِ الحركاتُ . لا بلد يحبكَ يا فتى إلا الصحارى القاحلات و مطعم الغرباء . لا بلد يحبك يا فتى إلا رخام الشّعر أوله معلّقةٌ و آخره فضاء . أنتَ حرٌّ خذ من الحزن المفاجئ ريشَ أجنحة الغناء . و طر ، و غنّ أيما جهة ستألفُ وحشة الأسفارِ . لا بلد يحبّك يا فتى إلا المهرّج و النساء ، و آهة المطاط . لا شيءٌ يدل على طريقك غير ظلٍّ للمعلقة العجوز و ما تبقى في المضارب من تجاعيد البكاء .

( 2 )

الرُّوحِ منعى للتأمّلِ في مرايا الكائنات . و لا زمان سوى المكان . فكفَّ عن دورانك العبثي كي يترتّب الحلم البطيء موشّحا . لا الروح ملَّ ، و لا الخفي من العوالمِ دلَّ أسفاري على بلدٍ أحب ، يدور في فلك القصيدة خطوتين إلى الأمام . فوائد الأسفار خمسٌ في مرايا الكائنات : دبيبُ نملٍّ فاعلن متفاعلن ، و جناح نحلِّ فاعلن متفاعلن ، و شذىً لأزهار ، و سنبلة تجود ، و غيمة الأحلامِ تهطِلُ كلّما فتَّشتَ عن بلد يحبكَ يا فتى … متفاعلن متفاعلن …

سترى المدى قفراً و فوضى الوقت أيتها القبائلُ و الدخان .

( 3 )

وقفَ الفتى في أولِ الأسفارِ مندهشاً يتمتمُ : ما أظنُّ أديم هذا الأقُّ إلا من رفات قبائل غابت لكي تتمسرحُ الطرقاتُ ثم تعود . ما جدوى الشجون ، و ما أظنّ أديم هذي الأرضُ إلا من حطامِ قبائلِ النخلِ العجوز . إلى الأمام لنودِّع الفوضى لجيلٍ بعدنا ، و نُقيلُ من أسمائنا الفوضى ، و نبكي كلما طارت إلى ما بعد أسوارِ الطفولةِ كلّ أسرابِ الحمام .

4 )

وقفَ الفتى في آخر الأسفارِ مضطرباً ينادي :

أيها البلدُ الجميلُ أنا المسافر كلما ( حجَّيتُ ) بالأشواقِ زُلفى .. لا أراكْ !

و أنتَ في روحي شِراعُ الغيبِ . ترتيبُ المشاعرِ لا يهم .

أنا أحبُّكَ .

كلما هيأتُ أغنيتي تفرُّ إليك . كيف تراكَ في أسفارها و أنا المسافرُ لا أراكْ .

و ليس لي إلا سراج الشّعرِ – حين تغيبُ في الظلماتِ – فاتحة التنبؤ .

أيها البلدُ المفصَّصُ بالنجومِ و بالشجونِ و آية الرمانِ . مالي لا أراكْ ؟

و كلما حاولتُ فاجأني فضاء الوقتِ . هل سأموتُ كي تحيا فيحييني هواكْ ؟

.. أنا هوىً متجدّدٌ في بعض صوتكِ أو صداكْ .

تعبتُ من شجني عليك ، و كلما وجهتُ ذاكرتي إلى جهةٍ تعود ..

كأنما الدنيا بلاد الله ليس بها سواكْ .

( 5 )

علّق هواكَ على هواكَ لتشعلَ الذّكرى . و غامر أيما جهة ستألفُ وحشةَ الأسفارِ لا الفوضى تعينُ و لا نظام الرَّي يمنحني الطعام . إلى الأمام .. ترى المهرّجَ كلما اشتدّ الظلامُ يغيب بين مواسم التنجيمِ . هل سنلملم الفوضى إلى الفوضى لجيلٍ بعدنا ؟ ليرى معلقةً من الفوضى على صدر النظام.

 

 

(6 )

القلبُ أشعلَ غابة الذّكرى ليعرفَ ما يريد . و ياقة الجندي لا تقوى على حمل النبوءة . لا زمان لكي نقاوم ما استجد . و لا مكان لنزرع الأحلام و القمحَ الفقير إلى القبائل . أيها الوقت العجوز أتى المهرجُ يملأ الدنيا من الفوضى سنابل . لا جديد سوى الكلام يغيبُ في الضحك القتيل . أتى المهرجُ كلّما غنّى تكاثرَ . في مدى الفوضى تكاثرتِ القبائل و الجوارحُ و المهرّجُ . ما استجد يموتُ كي تتكاثر الفوضى و تتّسعُ القبائلُ . لا فتى إلا المهرّج . غاب في الضحك القتيل لكي نمرَّ إلى الأمام .

( 7 )

خرجَ الفتى في آخر الأسفارِ مُتَّشِحِاً خرافته و قال : سيعلمُ الأعرابُ أن القلبَ أصدقُ من جهات الأرضِ . لا جغرافيا الدنيا تعين و لا خطوطُ العرضِ تمنحني التأمّلَ و الأمان . أنا مزاجُ الغيم . ترتيب المواسم لا يهم . سأجمع الفوضى إلى الفوضى و أكتب إن للفوضى ( يدٌ سلَفَتْ و دَيْنٌ لا ينام ) .

( 8 )

إن جُثَّثِ الحركاتُ لا مستفعلن يجدي و لا متفاعلات . حروفُ جرٍّ تربك المعنى و تبدي آهة الشُّعراءِ . تلك سيوفنا صدِئتْ من التجويدِ . لا الإدغامُ أوصلنا إلى برِّ الأمانِ . و لا الوقوفُ مبرَّرٌ إلا لوصل سلالة الأحلامِ بالأوهامِ . و الصحراء حلم واحدٌ متكرِّرُ النظراتِ . لا التكعيب أوصلنا إلى ما بعد خيمتنا . و لا النّثر المشتتُ تحتَ أقدامِ المعلَّقة العجوز يشدّ أزر القادمين .

بأي نصرٍ سوف ندخلُ دار عبلة بالجواء . و أي وحي يقنع العبسي عنترة الفتى الفضّي . في آهاتِنا تتقاطعُ الكلماتُ . لكن القصائد أكثرُ الطرقاتِ إيلاماً إلى أطلالنا .

فقِفا لنبكي أكبر الأطلالِ في تاريخِ أمَّتنا

العدالةَ

و النِّظام ! .