دَوَّامةَ التَّاريخِ، جُسِّي حَسْرةَ الأخْلاطِ مِن نَسْلِ الحُطامِ بمُدْيَةٍ! هذا أوانُ الوعدِ يَغْشُو في إهابِ بَناتِ آوَى، والْتِماسِ بَناتِ أيْلِ. كأنَّني ضَيَّعتُ بينَ المُنْشِدينَ مَلاحِمي في صَوتِ جافِلَةٍ وخَيْلِ. إلى انْتِحاريَ -قادَني مَطرٌ- إلى يَأسِ المَفازَةِ، فانْتَبهتُ لقُبْلَتيْنِ على فَمي، إذْ مازَجَتْ عِشْتارُ أمْشاجَ المُلُوكِ، تَسلَّقَتْ لَوْحَ النُّذُورِ السُّومَريَّةِ، واسْتَفاقَ الرَّافِدانِ. طَفِقْتُ أنضَحُ اُقْحُوانًا؛ ثُمَّ أعْجِنُ وِرْكَ نِسْرينٍ بِماءِ الأُقْحُوانِ، وأسْتَعِيذُ بِنَرْجِسٍ، وأصُبُّ مِسْكًا في شَقَائقَ قدْ غُسِلْنَ بأُرْجُوانِ… الآنَ، يا دَوَّامةَ التَّاريخِ، صِيحِي بالخَليجِ غَريبةً -مِثْلي- تعالَ إلى دَمي؛ لأَكُبَّ مَحْبَرتي وأمْضَغَ شَوْكرانِي!
**
أمْضِي وئيدًا -نحوَ حَرْبي- عاريَ الألْقابِ، بُوصِلَتي الحقيقةُ. كنتُ وحْدي حامِلاً دِرْعي على كتِفي، أُمَشِّطُ لِلقِتالِ ذُؤابَةً، فَرأيتُ أصْحابِي فُرادى يَسقطونَ على هياكلَ مِن ضَبابٍ طائشٍ. ورأيتُ أَكرَمَهم بلا عَينينِ يحدُسُ بالمُشاهَدةِ المُريبةِ، والعِظامَ تَئنُّ مِن كدْمِ الجواشِنِ. جِئتُ مِن نابيْنِ -لا حَربٍ- وتلكَ ذَخِيرَةُ الحَيَوانِ، قُلْتُ: سَأدَّعي نَصرًا على جُثَثٍ؛ أفتِّشُ بينَها عمَّنْ سَيقْرأُ مِيتَتي في عَينِ جُثَّةِ آخَري، في الرَّأسِ مَحنيًّا، وفي السَّاقينِ بعدَ البَتْرِ، في المَوتِ الأكيدِ… لمَحْتُني وعرَفْتُ أنِّي مَيِّتٌ حِينَ انتَبهتُ لصُفْرةِ الشَّمْسِ المَريضَةِ تَسْحبُ القَمرَ الرَّماديَّ الكئيبَ، ويَرْحَلانِ!
***
بالمَثْنَويِّ أشدُّ عَزمَ الرِّيحِ إنْ عَصفَ الوَلَهْ. خِلِّي بعيدٌ مُستَحيلٌ، خاضَ بي في عِزَّةِ البَحْرِ الذي سَلَكَ المُعَربِدُ ساحِلَهْ. يا مُلْزِمي شَمْسَ المَحبَّةِ إذْ كشَفْتَ إليَّ ما كانَ احتَجبْ. يا نَفْرَتي مِن شَهوةِ المَسْعى إلى ماءِ المَقامِ؛ وقدْ أنِسْنا خَمْرةً بينَ المَسالِكِ والعَتَبْ. أهذِي ثَلاثًا، راعِشًا:
– الآنَ، إنْ صَحَّ الهَوى طابَ المَهَبْ! الآنَ، إنْ صَحَّ الهَوى طابَ المَهَبْ! الآنَ، إنْ صَحَّ الهَوى…
وسَقطتُ مَغْشِيًّا عَليَّ، وصاحِبُ الحانُوتِ يَهجِسُ عندَ رأسِي بالمَثانِي!
* شاعر عراقي – الكويت