(1)
…وَ ، تصحو أرجلي على صحاف الليل، دبيب الصمت يتنازل فجأة عن انتظامه. عبر رأسي، أرتب الأشكال التي نمت مع الأيام في غرفتي، لأدرك أنني لستُ وحيدة. أحاول أن أُجلس جسدي على الكرسي الذي يتحرك بأيادي أخرى، ولا أخطط كما تفعل أُمي حين تعيد جمجمة الحزن إلى درجها وتبدأ في كتابة الملاحظات السريعة .
المرة الأولى دوماً فاشلة، جسدي الذي لا يتفاعل مع رأسي يكون سبباً في ذلك. المرة الثانية تكون محاولة نصفها يرتفع عن جاذبية الأرض، وما أن تتمكن مني، لا أتمكن من المحاولة. أما المرة التي يضيع بها الوقت، تكون محاولةً ناجحة. صوت العجلة كالسعال، مثير كأغنية باردة لا يصطك بها حطب الأمل .
على مقربة من الكرسي المتحرك، التي جمعت جسدي، ثمة كرسي آخر لا يتحرك عن مكانه، كصلابة بنفسج في هيكل أشياء لم أعد أتذكرها. ينظر لي كحديث لم يعد مهماً، كعشب بري يلامس أصابعي في حُلم.
أسمع خشخشة التعب في صوت أُمي، وأبتسم .. كزهور بيضاء تتفتح بعيداً عني… لكني أراها تعبر في كل مرة أشعر بالحزن.
صوت الرغبة التي لا أستطيع الوصول إليها، تصنع للمحيط الذي توطدت بمساحته هدوءاً تشمئز منه النافذة التي نصفها مفتوح. الشيطان الذي يحاول أن يمر من خلالها لا يتعمد الجلوس لفترة طويلة .. الوجه الوحيد الذي يرسم له ذنوباً ورسائل لا تحتاج إلى الشرح، ليس إلا إلحاحاً لطرد الوحدة المتجولة في جسد كرسي عجلات.
(2)
الرجل المصلوب على رواق وجعي
قلبه مثقوب بقناديل العتمة.
سراج الليل تعرف وحدتي
تضيفني كنوتة حزينة
تندفع من آخر قطرة دمع
الى السماء الواسعة.
السماء تطرد الشياطين
من دخول فضائها.
النساء الفاضلات لا يرقدن
بجوار الطيبين.
العاهرة المنزوية
في زوايا الضلال
تمنح جسدها هدية للرجال المتعبين
من احداث اليوم المدسوسة بذرائع الحياة.
قلبي
نهر كبير فقير
يصب احزانه في البئر
المجاور للقبور.
حيث يرقد الموت على اجساد
نصفها يحتفل بالضوء
والنصف الآخر صراخها يهز الأرض.
الرجل المصلوب يدّعي الحكمة
يفشي اسراره للنساء النائمات
تحت السرائر البيضاء
يترك آثاره المتسخة بالطين
فوق بطونهن
وقبل الرحيل
يرسم فراشة
على جبينهن.
قلبه مثقوب بقناديل العتمة.
(3)
المدينةٌ الخضراء
تكبير النصتصغير النصنص فقط
المدينة الخضراء،
النابتة على كفي الأيمن.
نسائها تضاجع الابناء،
في كل ليلةٍ يكتمل بها القمر.
الرجال تخيط الكلام،
في أُذنِ الريح.
المدينة حاكمها واحدٌ،
زوّجَ قلبه للنساء جميعاً.
يجامع الليل،
ويلتقط النجمات بإصبعه الصغيرة.
المدينة تنام في حضور الشمس،
وتستيقظ عند غيابها،
للذهاب الى العمل.
النساء تزرعُ الحقولَ،
ليلاً.
حقولاً من العنب،
حقولاً من البرتقال،
وحقولاً أخرى من السنابل.
الرجال يستلقون على النهر،
يهمسون للماء حكاية “سيزيف”،
ويمرغون على وجوه الاطفال،
رغوة الحليب.
المدينة مليئةٌ بالضجر،
والثرثرات.
المدينة الخضراء،
تكسوها لزوجة الاحداث،
والتعابير المخفوقة بالكسرات.
تجوب في شوارعها صباحاً،
القطط السوداء.
تطارد الكلاب ،
وتجعلها تهرب وراء الجبال.
القطط تقطف البرتقال،
وتشرب من العنب،
وتأكل السنابل.
النساء تصنع القمح،
وتجبل في ثدييها،
ماءاً للعطش.
الرجال يسكبون على بطونهم،
زُهد الموعظة.
المدينة حين تنام صباحاً،
تُقلق العصافير بوهمها.
فترسل منقارها تحت الارض،
لتتنفس.
الحاكم العاشق،
يرسل جسده للعصافير،
يلعنها ويصاحب رئتها.