شعر ونثر

من يوميات الشاعر الفلسطيني يوسف القدرة

يوسف القدرة غزة
يوسف القدرة غزة

خاص| انزياحات

يغرق قلبي في بحر من الحزن، أمواج سوداء تتلاطم حوله، لا أرى سوى ضباب كثيف يحجب الرؤية. أشعر وكأنني أسير في متاهة مظلمة، لا أجد مخرجًا من هذا الظلام الدامس. كل شيء حولي يبدو غامضًا، لا أفهم معنى الحياة ولا أجد سبباً للاحتفال.

أجلس وحدي، أنظر إلى السماء، أتساءل عن وجود الله، عن حكمة هذا الكون. هل أنا مجرد ذرة تائهة في هذا الفضاء الشاسع؟ أم أن هناك غاية من وراء كل هذا الألم والمعاناة؟ أسئلة لا تجد إجابة، أسرار تحيرني.

أحاول أن ألتقط شظايا من الأمل، لكنها تتحول إلى رماد بين يدي. أشعر بالوحدة تغلفني كغطاء ثقيل، أبحث عن عناق دافئ، عن كلمة طيبة تهدئ روحي المتمردة.

أعلم أن الحياة عبارة عن تقلبات، وأن الحزن جزء لا يتجزأ منها. لكن هذا الحزن يستهلكني، يجعلني أشك في كل شيء. أتمنى أن أستيقظ يوماً وأجد نفسي في عالم آخر، عالم مليء بالنور والسعادة.

***

يختبئ الحزن في زوايا القلب، كظلٍّ يطول مع كل دقة. هو كالغيمة السوداء التي تحجب ضوء الشمس، تغرق الروح في بحر من الأسى. يلفنا الغموض كوشاحٍ ثقيل، نبحث عن معنى لا نجد له أثراً.

نشعر وكأننا نسير في متاهة مظلمة، كل خطوة نخطوها تقودنا إلى ممرٍ جديد من الحيرة. نستعيد ذكريات جميلة، فتتحول إلى جراحات تنزف حنيناً. نحاول أن نبتسم، لكن الابتسامة تزول سريعاً كفقاعة صابون.

الحزن والغموض رفيقان دائمان، يرافقاننا في رحلة الحياة. نحاول الهروب منهما، لكنهما يطارداننا أينما ذهبنا. في لحظات الضعف، نشعر بأننا وحدنا في هذا العالم الواسع.

***

تتساقط أحلامي كزجاج مكسور على الأرض، شظايا لامعة تعكس ضوء القمر الخافت. ألتقطها بيدين ترتجفان، أحاول أن أجمعها مرة أخرى، لكنها تتهشم بين أصابعي. أرى نفسي طفلاً صغيراً يركض خلف فراشة ملونة، أحاول اللحاق بها ولكنها تبتعد عني أكثر فأكثر. أستيقظ من نومي وأجد نفسي وحيداً في خيمة مظلمة، لا شيء حقيقي سوى هذا الحزن الذي يملأ قلبي.

****

أقف على حافة الوادي، أراقب الشمس وهي تغرق في البحر، حاملة معها يومًا آخر من أيامنا. أرى في هذا الغروب جمالًا أخاذًا، لكنني أرى فيه أيضًا نهاية. هل هي نهاية للأمل، أم بداية ليوم جديد؟
أشعر أحيانًا أنني كشجرة عارية الأغصان في فصل الشتاء، تتحدى الرياح العاتية والصقيع القارس. أخشى أن لا أستطيع الصمود، وأن تسقط أوراقي واحدة تلو الأخرى. لكنني أتذكر أن الربيع يأتي بعد الشتاء دائمًا، وأن الحياة تستمر في التدفق رغم كل الصعاب.
أرى في السماء الملبدة بالغيوم، وفي الأمطار الغزيرة، رمزًا للتشاؤم والحزن. لكنني أرى أيضًا في هذه الأمطار نعمة، فهي تغسل الأرض وتجددها، وتحمل معها بذور الحياة الجديدة.
أشعر أحيانًا أنني كحبة بذرة صغيرة مدفونة تحت التراب، أحتاج إلى الظلام والدفء حتى أنبت. أخشى أن لا أستطيع النمو، وأن أبقى سجينة في الظلام. لكنني أتذكر أن الحياة تكمن في أعماق الأرض، وأن الشجرة العملاقة تبدأ بحبة بذرة صغيرة.
أقف بين التفاؤل والتشاؤم، بين الأمل والخوف. أبحث عن الإجابات في الطبيعة من حولي، وأجد فيها العزاء والتفاؤل. فأنا أؤمن أن الحياة دورة مستمرة، وأن كل نهاية هي بداية جديدة.

***

أمشي في متاهة من أفكار، كل منها يحمل في طياته بذرة أمل وبذرة خوف. كأنني أسير في ظلام دامس، ومضات من نور تتسلل بين الحين والآخر لتكشف لي جزءًا من الحقيقة.
أرى الحياة كلوحة فنية تتكون من ألوان متضاربة، بعضها زاهي وبعضها قاتم. أحيانًا أركز على الألوان القاتمة، وأرى العالم مليئًا بالمعاناة والألم. وأحيانًا أخرى أركز على الألوان الزاهية، وأرى العالم مليئًا بالجمال والأمل.
أشعر أنني كسفينة تبحر في بحر عاصف، الأمواج ترتفع وتنخفض، والرياح تهب من كل اتجاه. أخشى أن تغرق سفينتي، وأن أضيع في أعماق المحيط. ولكنني أتذكر أنني لست وحدي، وأن هناك قوى أكبر مني تحمي.
أعتقد أن التفاؤل والتشاؤم وجهان لعملة واحدة. لا يمكن أن يكون هناك نور بدون ظلام، ولا سعادة بدون حزن. علينا أن نقبل كلا الوجهين.

***

نحن شظايا من نور أُلقيت في بحر الظلمات. نبحث عن أنفسنا في أعماق هذا البحر، نتشبث بأي شيء يطفو على سطحه. أحيانًا نجد أنفسنا متشبثين بقشية، وأحيانًا أخرى نجد أنفسنا متشبثين بصخرة صلبة.
الحياة هي رحلة طويلة وشاقة، مليئة بالمفاجآت والصدمات. نتعرض فيها للكثير من الألم والحزن، ولكننا نستمر في السير للأمام بدافع من قوة غامضة تدفع بنا.
نحن كالأشجار التي تتشبث بالأرض بجذورها، مهما هبت العواصف واشتدت الرياح. نحن كالنهر الذي يواصل جريانه مهما كانت العقبات التي تعترض طريقه.
التشبث بالحياة ليس مجرد رغبة في البقاء، بل هو إصرار على العيش بمعنى. هو البحث عن الأمل في وسط اليأس، والفرح في وسط الحزن. هو الاعتراف بقيمة الوجود، مهما كانت الظروف.
نحن لسنا مجرد أجساد مادية، بل نحن أرواح تتوق إلى الحرية والكمال. نحن جزء من الكون، ولسنا منفصلين عنه. وعندما ندرك هذه الحقيقة، نجد أنفسنا.

غزة_خان يونس