عبد الكريم الرازحي، الصعلوك الشاعر اليمني الكبير، يُعتبر أحد الأصوات الشعرية الجريئة، كسرت قيود التقليد وتجرأت على طرق أبواب جديدة في عالم الأدب. مجموعته الأولى “الاحتياج لسماء ثانية وجحيم إضافي” تعكس هذا التمرد على الذوق الشعبي المتكلس في فترة الثمانينات. في عام 1985، حين كان الذهن الشعبي لا يستسيغ قصيدة النثر، جاء الرازحي ليصدم الذوق التقليدي ويقدم لنا نصوصاً متفردة بأسلوبها ومضمونها.
تأتي قصائد الرازحي مليئة بالصور الجريئة والمعاني العميقة، تعبر عن صراعاته الداخلية وتحدياته الوجودية. في قصيدته “أيتها السماء المسقوفة بزجاج الأساطير”، نرى تفاعله مع الكون بوضوح وشفافية، حيث يتحدث عن السماء والأساطير والخطيئة الأولى بلغة بديعة ومعبرة. بينما في قصيدته “أيتها الخطيئة المنتصبة”، نجده يواجه مخاوفه ورغباته ويعبر عنها بطريقة صريحة وجريئة.
الرازحي يأخذنا في رحلة عبر مشاعره المعقدة وأفكاره العميقة، ويجعلنا نتأمل في وجودنا الإنساني والعوالم الداخلية التي نحملها. إنه شاعر يمتلك القدرة على نقل القراء إلى أبعاد جديدة من خلال كلماته وإبداعاته.
هذه المختارات تقدم للقارئ فرصة للتعرف على جزء بسيط من إبداع عبد الكريم الرازحي، وتدعونا لنفتح قلوبنا وعقولنا لاستقبال هذا الفن الشعري المتميز، كأنه يكتب للمرة الأولى. نتمنى أن تكون هذه النصوص مصدر إلهام وتحفيز للتفكير العميق والتأمل في جماليات الأدب والشعر.
***
مختارات من قصائد عبد الكريم الرازحي من مجموعته الأولى
“الاحتياج لسماء ثانية وجحيم إضافي”
عبدالكريم الرازحي
-1-
أيتها السماء المسقوفة بزجاج الأساطير وعظام الخرافات القديمة
الطافحة من الخارج بالنجوم
هذه الدمامل المنثورة بشكل جميل فوق جلدك الأزرق
والتي تتوالد كل مساء من جرثومة الخطيئة الأولى
وتتسلق وجهك كقطيع رشيق من الجدري المتوهج
شيء قذر في نفسي أرغب في التخلص منه وألقي به سلتك المصنوعة
من صفائح آلام القديسين وسعف نخيل العشق الصوفي
ذنب ثقيل وسميك بودي لو أدفنه في إحدى فجواتك السوداء الشاعرة،
تلك وبحاجة إلى سماء ثانية وجحيم إضافي
–2–
أيتها الخطيئة المنتصبة في بوابة روحي كحيوان بدائي
أيا صخرة الخوف التي سدت طريقي إلى الله والبشر
واحتجزتني في هذا القبول المظلم
انزاحي قليلاً ودعي خيطاً من الدخان المتصاعد من موقد روحي المتوهج
يتسلل إلى الخارج
ليعيد التواصل بيني وبين أحقر دودة تحت قشرة الأرض، بيني وبين أعظم
كائن خلف غلاف السماء.
-3-
وأنت أيها الخوف من أي مكان ناء وبعيد أتيت،
من أي كوكب غريب ومجهول هبطت،
ومن أي هاوية سحيقة صعدت.
كيف استطعت أن تشق طريقك إليّ وتتمركز بكل طبيعتك الكثيفة الموحشة
أنت أيها المسخ المخلوق من عفونة الجمال وروث البهائم
في حظيرة المثل السفلى
كيف اندفعت من مبدأك بهذا الحماس الجارف وتجسدت هذا التجسد المخيف.
ما الذي جعلك تسرف إلى هذا الحد في التدخل وتطرح حملك الثقيل في كل
زاوية نائية من جسدي وفي كل منعطف من منعطفات روحــي، وتطأ بأقدامك
الحجرية المسننة حمامة قلبي
وها أنت تعيد ترتيبي بهذه الصورة المهمشة المرعبة وبهذا القدر من
التشوه والإهمال والفوضى
أيها الخوف الذي أسس مملكته فوق هذا الكوم من الأشلاء والأنقاض
وثبت عرشه فوق هذه المساحة الشاسعة من الطبيعة الانسانية
المصادرة
إنني من رعاياك
سأكون مواطناً صالحاً في مملكتك
ولن أحرّض إنساناً ضدك.