شعر ونثر

وضاح اليمن الحريري قدر الشعراء الأفذاذ

وضاح اليمن الحريري قدر الشعراء الأفذاذ - انزياحات
قدر الشعراء الأفذاذ - انزياحات

وضاح اليمن الحريري، الشاعر الكبير، يتوج مسيرته الأدبية الممتدة لأكثر من 25 عاما بمجموعة جديدة تحت عنوان “العقد”، الصادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في مصر في ١٤٨صفحة. هذه المجموعة الجديدة تمثل تتويجا لمسيرة شعرية مليئة بالأحلام الكبرى والخيبات والفقدانات والمغامرات، وهو قدر الشعراء الأفذاذ.

 

وضاح، الذي لا يتميز فقط بإبداعه الشعري، بل أيضا بمكانته الاجتماعية ( آل حريري)، ينحدر من محافظة الأبطال الضالع، لكنه ولد ونشأ في مدينة الغد، عدن .. ويمثل روح عدن..عدن المتسمة بفضيلة الوطنية. والده الراحل الدكتور خالد حريري كان كادرا أكاديميا مرموقا، وشقيقته الناشطة الحقوقية والمحامية عفراء الحريري تدافع عن حقوق الشعب بنبالة وجرأة.

 

نحتفي هنا ليس فقط بالشاعر وضاح، بل بالعائلة الكريمة التي أنجبته، والتي قدمت للوطن شخصيات بارزة في مجالات الأدب والحقوق والنضال.

 

وضاح اليمن الحريري، الذي يعد عضوا في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، يعتز بوحدوية اليمن ويؤمن بضرورة معالجة الأخطاء بمسؤولية لتحقيق الوحدة اليمنية الصحيحة. روحه الوحدوية تسعى لتحقيق الحق والعدالة للقضية الجنوبية، مما يجعله صوتا هاما في النضال من أجل اليمن الكبير.

 

بالإضافة إلى وجاهته النضالية، يتمتع وضاح بمكانة نقابية أدبية، حيث يعتبر قياديا في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. وقد رفض منطق من يريدون شق الاتحاد وشكلوا اتحاد الأدباء والكتاب الجنوبيين، مؤكدا أن تاريخه ومبادئه أكبر من أن يتأثر بتقسيمات أو خلافات.

 

نحتفي اليوم بروح وضاح اليمن الحريري الوحدوية، وبمسيرته الأدبية والنضالية، وبعائلة حريري التي أنجبت هذا الشاعر الفذ، الذي يجسد بقصائده وأفعاله نضالا من أجل الحق والعدالة والوحدة.

 

***

 

“وضاح اليمن الحريري”

قصائد من مجموعته الأخيرة (العقد) 

غلاف مجموعة العقد - وضاح اليمن الحريري
غلاف مجموعة العقد – وضاح اليمن الحريري

 

 

جدار

الحكاية الأولى

 

بيننا وبينهم

يقبع الدخان والحكايات

كسرة خبز جافة تكفي لمحاصرة اليقين.

 

***

 

الدخان

 

بقايا من العمر ترسل خيوط أحلامها

إلى الأعلى

علها تصطاد فرصًا أخيرة؛ كي يستحيل الظمأ اكتفاء

والجوع مواكب عدل بالقسطاس المهيب

بقايا من الزمن توشك على الانقضاء

فترسل لحظاتها

لتكتب عن إحباط شديد ومتسع..فتنكمش

مثل زهرة تذبل

تمر مرارات هذا الفؤاد صعودًا مرتلاً

بقايا من حطب الدفء الذي انفضَّ بعد نقاش عنيف

فكشف صقيع المكان

وصنع ستارًا بين الظالم والمظلوم.

 

***

 

الحكايات

 

تأتي الوجوه المذابة بالعناء بعد الظهيرة

من كل يوم

تفترش نصف مساحة بين فراغ المداكي

تمضي الملامح خارج هويتها

تمضغ القات

وما أمكنها من سير الحزن والخوف

والانكسار العميق..

وفي مقايل أخرى

تدور سير عن البطش

والمكانة والمهابة

بعد الظهيرة..

نمضي إلى الفسحة الضيقة

وفي الليل، نتوسد بعيون زائغة خفاياه

ننجر في الهم

بينما..

ينجرون إلى هوس الظلم

ليوم قادم..

 

***

 

الخبز

 

ما أصعب هذه الكلمة!

الخبز خرافة فيها لا يحتاج الموتى للموت

حين تجتمع الأيدي..

لتغمس في طبق الجوع جلود الناس

تبدو الأسئلة أكثر إحراجًا

من يمضغ من؟

الخبز خوف وخيانة

من حاصرني في الخيمة..في البيت..

في الغيمة..وبأحلامي في الجنة

كان يحاصرني بكسرة خبز

الخبز حكاية، تتعلق بها قلوب الناس

قد ترزق

قد تسرق

قد تخنق

قد تشنق

وقد..تصبح ثورة.

***

 

اليقين

 

في الظلمة مسافة للعهر

في الحرية مسافة للنور

وبينهما أمور متشابهة

فاحذروا الـ…

وعندما في أعماقي

في دواخلي

في الجوهر المخزون أفقد الإيمان

وأرتمي في حيرة..

أفهم أن عكس ذلك

هو اليقين.

-…-

كسرة خبز جافة تكفي لمحاصرة اليقين.

 

***

 

من موشحات المساء المستطيل

 

 

لا تكن يا صديقي غبارًا كالذين ذهبوا إلى

قاعات المزاد

وباعوا جلودهم عشرين مرة فأدمنوا رائحة الدخان

كل المواقيت قابلة للفرار إلى السجلات الرخيصة..

تضيق الحناجر

تنمو خربشات مؤذية في الأحلام

تفتح للباعة المشترين بابها للدخول

يبدو السماسرة أرقى نضالاً من أي وقت مضى

كذلك يبدو الظالم سيد العنفوان

في قاعات المزاد فرادة في توزيع البكاء والفرح

بين الزبائن

في تنظيم الكراسي وتأجير الممرات..

لليل يا صديقي أكوام مكدسة من فنون

الوشاية

في الشوارع يورق الكلام رزمًا من المال

وحيث يسيل المداد على الأرض تقفز عليه الخناجر

تقطع لسانك كي لا تتكلم

أذنيك كي لا تسمع

تفقأ عينيك كي لا ترى

ثم تأخذ مجمل رأسك خوفًا من فكرة ما

تسقط بين المداد داخل حفرة..

لليل وشاة كثيرون

قطط، كلاب، براميل قمامة…

كلما تلمست جرحك أتاك الموت متئدًا

كن ميتًا لتقضي وقتًا كافيًا في السؤال.

باتجاه المواخير تعبر بسمات مصمتة

تملأ قوافي القصيدة ب ( اليوريا ) الصفراء

تشج رأس الكتابة إلى شقين

من أجل نساء كبرطمانات ( الجام )

تستهلكهن الملاعق

أو رجال يؤمنون بالعجلات المنفوخة والأفئدة

الجيوب

ضحكات سامة تعبر في ظل قمر مقيت لليل

مغلق..

 

وجه التراب شارد في السماء

السماء شاردة في الحريق

الحريق متفنن في الانتقال بين قلب وقلب

تحمله ريح نحو الجنوب وريح تحمله

نحو الشمال

وريح تقدمه كالهدايا

تضيق الزوايا

تفلسفنا النادبات باللون الأسود

يختفي الشجر خلف الرصاص – المدبلج –

تشتري مسرحية ممثليها من العاديين

ترتخي نية الضحايا من كثرة الصبر..

كل مساء يستطيل المساء فيضيق

ننحني

نزحف

نلتصق بالقاع

نثبت أعمدتنا الفقرية وندفع أطرافنا إلى الأعلى

ننبعج

تتهشم عظامنا

ننهرس..

عندما يستطيل المساء لا يمنعه سوانا

لنا النار

فلا تكن يا صديقي غبارًا…

 

***

 

مداد الشوق والرماد

 

 

تنتابها موجة جنون متطرف

إلى ركن تأخذها

فتنطلي عليها حيلة الوقت والسكون

والبهجة الضائعة بين جمودها والقمر

تشرد وتسقط أوراقها ضمن حملة العشق

التي تشنها غارات الريح المتتالية

وعلى جبل تصدمه الموجة يتصدع الصخر وتنكسر الموجة

مداد الشوق والرماد تسكبه كغانية متلهفة

للموت..قد

وقد للحياة تتلهف

 

 

ومن الحب الممتلئ بباقات الورد

ومن التضحية

تشتري ثرى بلاد جديدة

لم تختف عنها الأشجار بعد

وبعد أن تنجلي مصائبها المصنعة بخامات محلية

تفتح الثورة عينيها على مداد تسكبه غانية أباحت رقصها على الدماء

ولم تكن تلك التحية للراقصة من مناضل كبير وقديم ومعتق مخلصة

فكأن القائد الرمز زجاجة نبيذ لاينتهي مفعولها إلا بجند أو بثوار يموتون من أجله

 

 

ثم من أجلها! الغجرية الملعونة التي تقتلهم تحت أقدامها..

مداد الشوق والرماد ينبئني برحيلهم

الأقدار تعرف شيئًا ما لا يعرفه الذين يدفعون ثمن فجائعهم بالصمت

واستلطاف ما كتبه الدهر على أعناقهم من عبادة الأصنام

كآبائهم

ويمكن لمن هم أقدم بكثير وجدًا من أولئك الآباء

فتحية للمارة من الشارع الذي سيشهد حفلة التأبين البهية

وإطلاق النار في صحة العمل الوطني

 

 

ثم الضحك بصوت مبحوح

في حضرة الأصنام والطاعون والجهل كضيوف مهمين في الحفلة

قال له فلان:ماهكذا تورد الإبل

وآخر قال:سيبتدئ الحفل على قرع الطبول.

بينما صاح القاعدون على الكراسي بالهتافات

وتقيأ أحد السكارى

وأطلق عسكري النار..

كانت تنتابها نوبة جنون متطرف

فتأخذها إلى ركن بعيد

وحفلة دامية

مع بعض النشوة بالموت

 

 

كأنها تفتح ذاكرتها لأول مرة

وترشها بالدخان الثقيل المعطر وبخور الأشلاء

زجاجة النبيذ المكسورة

ما أغرب الظلمة عندما تشتعل !

ما أغرب الحرية حين تفرض على نفسها القيود !

ما أغرب الثورة كلما تلاشت كأن أحدًا لم يمت من أجلها !

ما أغرب العبث بعد أن يذهب الجميع إلى النوم!