-1-
أشعرُ دائماً بالامتنان
لله الذي أمدّني بالفرح القليل
أعطاني كتاب الضوء
هذا الفاتن المغسول بالنهار
أعطى جسدي النوم
لكي يكتب أضغاثَ القصائد المشاكسات
في منأى عن العيون المثقلات بالريبةِ
والشك اللعين.
أشكره… أطعمني الصبر
سقاني من قناني الحزن
ما ألهمني الصعود نحو جنةٍ في الأرض
اسمها العزلةُ
تاركاً للناس لذةَ الخصام
وافتعال الكيد والمهارشة!
-2-
يا أيها الإنسان
يا أنا
يا أنت
يا من لا تكف عن ذبح الزهور
وانتهاك جسد الماء
وغبطةِ الأشجار
اتسعتْ ما بيننا في ساحة الحروبِ
شقة الخلافات
كأننا من حجرٍ،
من خشبٍ،
كأن العصر شكّل القلوبَ
من حديدٍ
لم تعد تلين
أو تفرح أو تحزن
أو تعانق الأحياء والأشياء.
-3-
لم يعد البحر
وقد تلوثت مياهُهُ
ولا السماءَ بعد أن أغرقها دخانُ الأرضِ
لم يعودا يصغيان
لاستغاثةِ الهارب
من جحيم الأرض
صار مثل «أرميا»
أعمى
يجول في البراري الموحشات
حيث لا ماء
ولا دليل.
حيث لا يبصر في ظلمتهِ الخرساء
أثراً لضوءٍ عابرٍ
أو نجمةً شاردةً
هناك في مجاهل الفضاءْ.
-4-
في رقةِ الماءِ
وفي وداعةِ الوردةِ
كان صاحبي
ماذا جرى له؟
ماذا جرى للشمس
والنسيم؟
يحدث أن يصير الشجر الأخضر
ناراً،
أن يصير الجدول العذب
إذا ما جفّ ماؤه تراباً موحلاً
لكنه الإنسان
هذا الكائن المشدود
نحو ذروة الكمال.
كيف يخلع العقل
ويرتدي قناعَ ذئبٍ
عاطشٍ للنهش والدماء؟!
-5-
يا أنت
يا الذي أنا
يا من تخاف من حديث الموت
من ندائه الجميل،
من رفيف ظلهِ الظليل
الموت لحظةٌ فارقةٌ
بين بلادٍ غرقت في خوفها
وفي دماء الأبرياء من أبنائها
وبين فردوسٍ على سماءِ الله
مغمورٍ بفيضٍ من سلام الروح
يا أنا…
يا أنت
هل حاولت أن تغادر الدنيا،
ومن عالمها المعتم والصاخب
تستقيل؟!