“المختارات خاصة بانزياحات”
مختارات خضر : ليست مجرد قصائد بل هي تجربة شعورية وفكرية غنية
كتب – المحرر الثقافي
انزياحات تتشرف بهذه المختارات التي تنشرها للشاعر السعودي الكوني الكبير محمد خضر، الذي يعتبر واحدًا من أبرز الأصوات الشعرية في العالم العربي. تمتد مسيرته الشعرية على مدى عقود، حيث أثرت تجربته الفريدة والمتميزة في العديد من القراء والنقاد على حد سواء.
منذ صدور مجموعته الشعرية الأولى، استطاع محمد خضر أن يرسم لنفسه مسارًا خاصًا في عالم الشعر. تميزت كتاباته بالعمق الفلسفي والوجداني، وبالقدرة على التعبير عن أدق تفاصيل الروح الإنسانية والكونية. تنقل في أشعاره بين موضوعات متعددة، منها الحب والحزن، والوجود والعدم، والفرح والألم، مما جعل أعماله تجسد التجربة الإنسانية في أبهى صورها.
ولعل من أبرز ما يميز شعر محمد خضر هو لغته الفريدة، التي تجمع بين البساطة والعمق، وبين الوضوح والغموض. يتميز أسلوبه بانسيابية الكلمات والصور الشعرية التي تتغلغل في النفس وتثير فيها أعمق المشاعر والأفكار. إنه شاعر يمتلك القدرة على أن ينقل قارئه إلى عوالم جديدة، تفتح أمامه آفاقًا لا حدود لها من التأمل والتفكير.
تتضمن هذه المختارات قصائد من جميع مجموعاته الشعرية، بدءًا من أولى مجموعاته التي صدرت في بداية مشواره الأدبي، وصولًا إلى أحدث إصداراته التي تواصل فيها إبداعاته وتطوره. إن هذه القصائد تعكس تطور رؤيته الشعرية ونضوج تجربته الإبداعية، وتقدم للقارئ فرصة لاكتشاف مراحل مختلفة من حياته وأفكاره.
محمد خضر ليس فقط شاعرًا بل هو أيضًا مفكر وكاتب متأمل، يتناول في كتاباته مواضيع فلسفية وإنسانية عميقة، مستفيدًا من تجاربه الشخصية وتأملاته في الكون والحياة. إن شعره يمثل مرآة عاكسة لتجربته الإنسانية العميقة، ومصدر إلهام للعديد من الشعراء الشباب الذين يجدون في كلماته وأفكاره دفعة نحو الإبداع والابتكار.
في هذه المقدمة، ندعو القارئ اليمني والعربي إلى استكشاف هذه المختارات الشعرية والاستمتاع بقراءة أعمال واحد من أعظم شعراء العصر الحديث. إن أعمال محمد خضر ليست مجرد قصائد بل هي تجربة شعورية وفكرية غنية، تستحق أن تتاح لها الفرصة لتلامس أرواح القراء وتثير فيهم أعمق الأحاسيس وأروع التأملات.
***
من المجموعة الشعرية :
مؤقتًا تحت غيمة 2002
قطف
اليوم قطفنا خلاصة الحياة
تذوقتها برأس لساني
كانت الأرض قد رضيت عني
استرخت وكان النمل يدب
يدب…..
حكاية
شخص ما يتنصت على قلبي
ويمسكه
وأنا أفتش عن قلبي منذ مرحلة النطفة!!
عولمة
“هل أنا حيوان حتى تقدم
لي الطعام دون ملعقة”
قالها صديقي القادم من هناك
للجرسون القادم الى هنا
فيما بعد
لا تكترث إن شتمك أحدهم في آخر سهرة
البلوت
ستصبح مثلهم فيما بعد
حلم
في حلم عميق
رأيت جينيفر لوبيز
تبصق الموناليزا
قلت جاء زمن جديد
من المجموعة الشعرية ( صندوق أقل من الضياع ) 2006 – محمد خضر
تفاهم
لماذا نُعلق الأسئلة
في خزانة الصمت
لماذا لانجرب أن نرتديها
حتى لو كان قميص الإجابة ضيقًا
تعالي نجرب أن نشرب من نفس الفنجان
ونشتم بعضنا بحيادية !
ذهان
هو يحدث في الفراغ
في العابرين
في أطول بناية آخر الشارع
في بائع الفاكهة
الذي يشبه شكري سرحان
في السيدة التي تعبر مرتين مساء
فيصبحُ الرصيف بهيئة الحلم
يحدق ..
يحدق
يفرك رأسه
ويضحك..
من المجموعة الشعرية : تماما كما كنت أظن 2009 – محمد خضر
كأننا لم نكبر يوما
الشيخ ُالذي يقلنا للمدرسةِ
منذ صغرنا إلى اليوم
أصيب بالسل!
وراحوا يغطونه بــ 18 بطانية
بحيث لا يظهر إلا أنفهُ
كانَ صادقاً وهو يخبرنا
أن الموت قادمٌ..
بأية طريقةٍ
كلما توسلنا إليه..
أن يخفف من حاسة الكوابح
كان صادقاً أيضاً في رحيلهِ
حينما أخبرنا آخر مرةٍ
أنه لم يعد قادراً
على تمييز يوم الإجازة
من غيرهِ..!
لذا..
لم نرهـ مجدداً..
حب جديد
في قرية نائية
يرقد بيت من خشب وطين
قال الخشب:
أيها الطين كان غبارك في بدء التكوين
يجلدني..
قال الطين وهو يحاول التذكر:
لستُ أنا!
إنه الماء في القرية النائية.
من المجموعة الشعرية ( المشي بنصف سعادة ) 2007 محمد خضر
المريض 354
الذي ترك كفه مائلة على خده لساعات
كان يجتاز خيالاته
ليدخل في سرحان طويل وعشوائي
لماذا الحياة ثقيلة إلى هذا الحد؟
لماذا لا يستطيع أحد ما
أن يتكهن بم كان يفكر؟
الذي ترك كفه…
قضى ساعات أخرى..
دونما حزن أو فرح
أو ملامح محددة
إنه يجهز أفكاره الآن
لنوم عميق…
وردة
كان اسمها وردة …
تدلعها الجارات يا “وردية”
تمازحها صديقاتها …
بالغازات و خرطوم الري …
كي تنمو قليلاً …
ولأول مرة سمعت
بالمثل …
(كل شخص له من اسمه نصيب)
صارت تتخيل أن لديها بتلات
و أوراقا متدلية من جانبيها
و عالمًا من الكلوروفيل
كان حلمها الوحيد ..
أن تذبل في أعماق النهر !
اليوم
أسمع خبرًا عن رحيل وردة ..
………………….
………………….
ماتت وردة !!
تاركة قطرة ندى ضخمة
في عيون
من قطفوها كثيرا !!
أولاد نوح
ياترى أي هذه الأعــالي
سيغرقها الطوفان ؟
..
أي سفينة ستهرب بكل هؤلاء الشعراء
من براثن الماء ؟
..
يا ترى أي شيء سيطفو
على السطــح المطاط
غير الأصدقاء و الكناغر وأجهزة التصنت !!
..
أي ريح ستبقى
بعــد بلل الجبال
ومساومة الغيم
على الاحتباس ؟
..
أي امرأة ستضحك من قلبها
حين يكتمل السرد المأزوم
بالطحالب والبرك المتفرقة في أنحاء التضاريس ؟
كم شجرة تكفي لحياكة هذه النجاة ؟
..
قالت حيوانات نوح الأليفة
أيتها السماء
سنفترض العدالة
في النص
ونخون أشرعة كانت تجرنا نحو الهاوية
..
أي موسيقى مناسبة
سيختارها الغرق
لهذه الصرخات
المُنسابة مثل كمنجات
..
من سيحظى بعنوان الرحمة الشاسع
ويجتز العنفوان
كمحارب ضال !
يا ترى من هو القادم
في مشنقة الآخرين ؟
حيث كلنا لا أحـــد
أي محكمة ستجلد خيباتنا المروضة
مثل أبقار نوح الوحشية
هل ستغرق الطيور ؟
من المجموعة الشعرية ( منذ أول تفاحة ) 2014 محمد خضر
حرية
الفراشة ُالتي دخلت من نافذةِ المطبخ
كانت تحومُ لأيامٍ
في كلِ الغرف
ترتطمُ بالسقف
كلما حلمت بالهواء
وتحكُ ألمها
على ضوء خافتٍ للأباجورة الأصلية
الفراشةُ التي نامت كثيرا
على صوتِ هسيسِ الأشجار في التلفزيون
وعلى حوافِ الأحلام
في الأغنيات الشعبية
لم تعد تذكر لون السماء تماماً
ولا تفرق بين الجدار والفضاء
لذا تتعرف الصباحات
من حنينٍ في القلب
وتروضُ أمنياته
ا بالقرب من شجيرات البلاستيك
في ركن الصالون….
الفراشة التي انتحرت مؤخرًا بسعادةٍ مفرطةٍ
في زجاجةِ خل التفاح
المفتوحةُ من زمن
على سطح الثلاجة
التي كتب على إحدى جوانبها
قد تكون المواد المحفوظة قابلة للفساد
إذا تُرك الباب مفتوحا
بطولة
الفلمُ الذي يحكي قصةَ بطلٍ نبيل
ينقذ حبيبتهُ من الأسر
الفلمُ الطويلُ والشيق
الذي أختفى أبطاله ُ
مع حفنة كومبارس
خلفَ جذع شجرة ضخم
حينما قبّل البطل حبيبته
على مرأىَ من المخرج وحاملِ الكاميرا..
قال الحرّاس :
ياليتنا أبطالاً وشجعاناً بما يكفي
قال المخرج كلاماً لم يفهمه أحدٌ
عن الموهبة
لكن أحدًا ما لم يتوقع
أن يرفض البطل اكمال اللقطة !
ولا البطلة التي أخذت تفكر بالحب والأسر
بشكل جديّ
ومثّلت أدوارا مشابهة
لكن كأم وكخادمة في قصر إغريقي
الفلم الذي تقررَ فيما بعد ألا يُعرض على أي قناة
ألا يكتملَ ولا يحتسب عملاً جيدًا
الفلم الذي أنتهى بعبارة
” تعال ..أجلس واقترب مني ”
كان أجمل الأفلام التي لن نراها إطلاقا
1
وقال الراوي :
إنما جاءت الحريةُ في أصلها
من الحجر النائم في أعماق الأودية
حتى إذا أنهمرَ السيلُ
وتكسرت الأغصان ..
أخذت الريح بيديه
ليصبح على تلٍِ صغير لأول مرة….
من يومها
والحجر يفكر في عظمة الهواء…
2
في حذائي
الذي ارتديته صبيا
صنعت عصفورة عشها الفسيح…!
3
سوف تتشابه الأيام
إلى درجة أننا سنقول
أيتها الأيام التوائم الكثيرة
كيف جئت من بطن سنة واحدة ؟
من المجموعة الشعرية : عودة رأسي إلى مكانه الطبيعي – محمد خضر 2017
حلم
تخيلا أن قارباً ما أخذهما لجزيرة بعيدة..
ذهبا في التيهِ بمحض الإرادة..
لم يلوحا لقواربِ النجاة
نكاية في القدر..
وكانا يمارسان تأليب الحلم على الحياة..
اتفقا على صيد الأسماك،
تقشير المانجو
والنوم على الشاطئ..
الاستيقاظ على صوت المد والجزر،
الصراخ البشري الخام وقت الحنين،
الذي يرسم علامة واضحة في السفوح..
وتأليف لعبة من الحصاة
….
كانا على قدر الحلم
لكن الجزيرة لم تأت!
سيرة ذاتية
صار لديَّ قصة كاملة عن حياتي،
قصيرة جداً وبدون تعليقات جانبية..
العمر الذي يمكن قراءتهُ
في صالة انتظار العائدين من سفر أكيد…
هناك جزء بدا وكأنه من الخيال لأولِ وهلةٍ
ثم اكتشفَ القراءُ
الذين تركوا عناصر التشويق جانباً
وراحواينقبون عن درجة الصفر في قلبي
أنه جزء حقيقي جداً..
هناك جزءٌ قديمٌ عن الحب بالأبيض والأسود
أحياناً يحلو لعابرةٍ أن تتأملهُ
مُحاولةً معرفةَ العمر والشامات
وتلطيخِ البطلِ وحدهُ بالفرشاة
هناك من يعتبرها قصةً قصيرةً لا أكثر
يقرأها لمراتٍ كل يوم
لكن الأغرب أولئك الذين
وضعوا أوراقاً أو ريشة
أو طيّة بين الأحداث
-قبل أن يصلوا تماماً للحبكة-
ليكملوا القصة فيما بعد
ثم ماتوا فجأة
تاركين انتظارهم حيّاً يرزق
شجرة بالتأكيد
الآن فقط صارت شجرة
الآن فقط صار لها بتلات
وزيادة في الكلوروفيل
الآن تكوّنَ الجذع واللحاء والأوراق..
وحطتْ العصافير على الأغصان..
الآن فقط صارَ الهواءُ يحركها
مثل شَعر غجري في رقصة
الآن تثمرُ ويتدربُ على رسمها الهواة
الآن هسيسها الحاني مع جوقة الرياح
يصعد… يصعد
……..
……..
الآنَ وأنتِ تمرينَ بالقربْ
سلام
أرتب قصيدة قديمة
وجدتها مصادفة
في جيب المعطف
قصيدة تحكي عن حلم لايكتمل إلابك ..
عن أسئلةٍ شاخت الآن …
ولم يعد بوسعها المشي بخفّة نحو الحياة ..
عن موضع واحد لايخلو من أسف..
وعن حنين نتوعدهُ
بالمزيدِ من الثرثرة والأمنيات ..
قصيدة قديمة لم تعد تشبهني الآن ..
تقفز ..
سطراً
سطراً..
لتحيا في ديوان شاعر آخر بسلام …
من : تحميض – 2018 – محمد خضر
حين لاتكفي الصور
بعد أن أرسل صوراً للأكلات الشعبية في الجنوب..
وأعاد لي قصة قديمة سمعتها منه مئات المرات..
حول رجل كان يظن الطائرات الحربية
طيوراً تحلق فوق الجبال في أوائل الستينات..
أخي أرسل اليوم صوراً عديدة للمطر
ومع أن تحميلها لم يكتمل
إذ تضعف شبكة الانترنت
عندما يصل إلى ٣٠٪ من المتبقي..
إلا أنها كانت واضحة
تدعمها العواطف الجينية المشتركة..
أخي المسافر الأبدي المغرم بالمعلومات الصحيّة
يسردها كل يوم مفشياً أسرارها وطرائق علاجها..
ومع أنه لا أحد يعرف مكان الطحال تماماً
إلا أنه يطنب
حين يصل إلى هذه الفقرة من الجسد..
ثم في آخر الليل
وحين نناقش أموراً عائلية وخاصة..
عن المسافة والحنين والدراسة
والوفيات الذين تركوا وردة في القلب
والنبتة الغريبة
التي طفحت من أصص الغرانيت..
والتي قال مرة أنها قد تكون نبتة شيطانية..
يشعر بالنعاس..
يرسل عبارة
صرت أظنهُ ينسخها من محفوظات الموبايل
لفرط ما يكررها:
“كل ما في الأمر أننا نشتاقكم أيها الأوغاد”
صورة جماعية
كل عامٍ يلتقطون صورةً جماعية
طيلة خمسة عشر عاماً
كل عام يقرأون حكاياتهم مجدداً
بين الفرحِ والحزنِ والعمر والتحولات والسمنة
والحضور والغياب..
كل عام يقفون أمام هذه السيرة الذاتية
يلاحظون تغير الماركات في أحدهم
وأثر الأخبار السياسية في آخر
وأعراض الحمل، ونتائج دوري كرة القدم
وأولئك الذين لم يظهروا في الصور الحديثة
الذين رحلوا وبقيت أمكنتهم
مثل اهتزاز في يد المصور
كل عام دون الحاجة إلى كثير من الكلام.
صورة البيت القديم
أبحث عن بيتنا القديم عبر قوقل ايرث
صغير ويبدو مثل ندبة في خلية نحل
سيارة مركونة أظنها لأخي
عندما عاد من سفر طويل
ليخبرنا بشيء عّن مفهوم الحنين..
بيت جديد ومسجد
في الأرض المسورة التي كانت ملعب كرة قدم..
المزرعة صارت سوبر ماركت كبير
لأن الطيور لم تعد على أشكالها تقع..
الأسطح أكثر وضوحاً
حتى في الأجهزة الذكية..
أستطيع مع كل تحديث جديد
وبحركة توسيع الشاشة بين الإبهام والسبابة
أن أرى بدقة شراعي الملون
لايزال عالقاً في الستالايت
أستطيع أن أطيره مجدداً بإصبعين..
وأركض محدقاً في السماء
صورة الشيطان
سواءً تلك التي يبدو فيها بجسدٍ أحمر، وقرنين دقيقين،ولحية،
وشارب طويل متدلٍ من الجانبين
وأنف بشري لكنّه مشوه،
أو تلك التي كنا نتخيلها في الحكايات القديمة
خاصة عندما لايكون المرء قد عرف شيئاً من أفلام هوليود
وأفلام الكرتون
من منّا لم يتخيل صورة له؟
من منا لم يحملهُ المخاوف،
والخيبات، وانفصام الشخصية،
وأصوات الرياح التي تحرك الشبابيك في الشتاءات؟
من منا لم يعرفه محملاً بالشر منذ التكوين؟
حتى السياسيين في الحروب يقولون في نهاية الأمر: إنه عمل الشيطان
عندما تصاب امرأة جميلة بالاكتئاب
، أو عندما تسقط امرأة أخرى حَملها
عندما يتحدث فيلسوف أو فقير أو ضرير مع نفسه بصوت عال
عندما يجلس الشاعر لساعات طويلة
معتقداً أن بلاغتهُ ستملأ الدنيا وتشغل الناس…
الشيطان..
هذا الذي رآنا جميعا ولم يره أحد!
آخر صورة لوحيد القرن
الآن صرت وحيداً
وحيداً وطيباً كما كنت
نتذكرك بفخر نحن الذين عاشوا زمنك
نحكي عنك للأحفاد
وكيف كان يمكن رؤيتك مباشرة
وأنت بكل تواضع ووقار
في حديقة الحيوان
كيف كنا نتابعك في مسلسل الكرتون
وفي لحظات مطاردتك
في الأدغال والمروج..
الآن صرت وحيداً أكثر من مجرد قرن
أكثر من كناية الاسم
أكثر من تخيل أكفنا على جلدك
الذي ظننا أنه من الحديد الخام..
الآن سنتأمل انقراضك جيداً..
نعرف كم تسببنا في ألمك..
كم كان توجسنا خطأً..
وكم كان خوفنا منكَ بلا مبرر..
كم كنت بريئا ومسالماً ووحيدا
الآن سنعرف…
ونحن نحدق في شاشة التلفزيون ذاتها
المليئة بالإنسان الوحش!
قصة مصورة
لم أكن الذئب
ولا القطيع..
ولا الرجل الذي يدعي وجود ذئبٍ
ولا السواعد المغفلة التي هبت لنجدته..
خرجتُ من الحكاية مبكراً
صورة شباك في البيت القديم
في ذكرى أول شباك تفتحه بيديك ..
أول مرة عرفت فيها كم من الأجنحة فيك ..
وطرت ..
طرت عالياً ..
ولم يصدقك أحد
نيجاتيف تقريبا
شخص كأنما مرآة ..
شخص يجيد الظهور كضيف شرف
في قصصك الحزينة ..
شخص كأنما لا أحد ..
هو كل ما تحتاجه الآن ..
من المجموعة الشعرية : فراغ في طابور طويل – 2019
ثقة
أثق في لحاءِ شجرةٍ مهملة
أكثر من الغابة
في القصيدة المبعثرة
أكثر من البيانات..
في “دوستويفسكي”
أكثر من يدي..
في أعين الخراف الذبيحة
أكثر من الوجود…
في المواقع المحجوبة
لأنَ العين تعلو على الحاجب..
في الحجارة لأنها حيّة…
في الحب لأنه بلا أضداد
في الجراح لأنها بلا تاريخ…
في العدو لأنه يعرفني جيداً..
في العابرين
لأن النيّة في القلب
في الضياع لأنه بلا قرائن…
**
في مكان ما
شخص له نفس أحلامك
لم ينم هو الآخر
يحاول جاهداً أن ينهي هذا الأرق
غير أنه لا يكف عن الأغنية التي جمعتكما معاً …
***
خذ ضحكتكَ على محمل الجد
خذها كاملة وعميقة ..
وضاربة بجذورها فيك ..
خذها قبل أن يرجع الألم
من نزهته اليومية خارج روحك !
***
حجم الخيبات يقاس
بتغير ملامحك أمام مرآة الصباح..
بكوب القهوة الذي يبرد في انتظارك…
بكم مرة مشيت
وأنتَ تربط أصابعك خلف ظهرك وتغني..
أعترف لهذا المطر بكل شيء
أعترف ..
وأعود مبللاً دون أخطاء..
***
صديق جيد لك أيها الفرح الصغير ..
صديق جيد وأعرف أنه بوسعك أن تكبر قليلاً
تاركاً هذه السلوكيات الصبيانية للحزن !
***
مرت حياته مثل سوء فهم متبادل
في المرة الأولى التي قال فيها : لا
كانت اللاء الخاطئة !
***
ثمة خطوة لم تكتمل ..
معلقة في حذائك …
خذ بيديها إلى أقرب باب
قصائد تالفة
قصيدة عن الموت
مزقتها مقابل أن أمشي تحت الأمطار..
قصيدة عن الوطن
أهديتها لقارئة الكف..
قصيدة عن وجهي
سرقتها من المرآه…
قصيدة عن الحب
كان من الأجمل أن تتحول إلى حضن..
قصيدة عن الحرب
فقدتها في أعين الأطفال القتلى
قصيدة عن الحرية
كتبت نفسها على الأغلال..
قصيدة القدر مجعلكة في الجيب..
قصيدة عن غيفارا
قالت نعم أكثر مما يجب..
قصيدة عن الجنوب
تحولت إلى شجرة..
قصيدة قصيرة كتبتها عن الغيوم العالية..
قصيدة ارتطمت بقوة في سقفها الضيق.
من المجموعة الشعرية ( سيرة ذاتية لغيمة ) 2023
اضطرار
يهطل المطر ..
الطيور تحتمي ذراعي الفزاعة
خذلان
تخذلنا المسافة لأنها نسبية
الصور لأنها لاتنسى
الوثن لأننا نصنعهُ بأيدينا
المطر الذي لا نجد أحداً نخبرهُ بهطوله ..
عزلة
في جيب معطف الحطّاب
عزلة لنبتة بريِّة ..
حلول
ظلهما على الجدار ..
أغصان متشابكة في عاصفة
ضباب
1
لسبب ما يتغير شكل الطبيعة ..
لسبب ما يجيء الضباب ..
ربما ليحرس كائناته من توحش البشر
ليحتفل بعش طائر بعيداً عن الأعين
لينجو بعاشقين من كلام الناس
ولندعك أرواحنا عندما لا نرى بوضوح
2
الأعين الحزينة أوضح في الضباب ..
3
يمسح نظارته جيداً كي يرى الضباب بوضوح
4
على أرض أحلامه
علق الزمن لوحة من المعدن
إحذر منطقة ضباب !
5
يلقي الضباب كلمته العصماء
كي نتساءل عن القصص التي لا نعرف نهايتها
عن الذين غابوا فجأة
في غابته البيضاء
6
يلقي الضباب كلمته العصماء
كي نتساءل عن القصص
التي لا نعرف نهايتها
عن الذين غابوا فجأة
في غابته البيضاء
7
يصل الضباب ولا يصل ..
في كل شيء وليس في شيء
يقضي عمرهُ كاملاً
في مماطلة غامضة ..
8
كل شيء كان واضحاً ..
كل شيء حتى الموت
لو لا حكمة الضباب !