في خطوة هامة تأتي في سياق الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار والتواصل مع المناطق المحررة، قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، بزيارة إلى محافظة تعز. هذه الزيارة، التي تُعد الأولى من نوعها منذ عام 2015 لرئيس يمني إلى المحافظة، تحمل في طياتها أبعادًا سياسية وأمنية وإنسانية في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد.
يدرك العليمي أن محافظة تعز تُعد محورًا هامًا في المعادلة السياسية في اليمن، وذلك لموقعها الجغرافي الاستراتيجي وتاريخها الحافل بالأحداث السياسية والاجتماعية المؤثرة. تقع تعز في قلب اليمن، وتربط بين شمال البلاد وجنوبها، مما يجعلها نقطة اتصال حيوية في أي مشروع وطني يسعى إلى توحيد البلاد. هذه السمات جعلت من تعز مدينة تتصدر المشهد الوطني في مختلف المجالات. ورغم المعاناة التي تعرضت لها المدينة نتيجة الحصار والصراع، تضل تعز رمزًا للصمود والإصرار على تحقيق السلام والتنمية.
الطريق الذي اختاره الرئيس للوصول إلى تعز ليس طريقًا عاديًا. فقد سلك طريق “الصحى، النجيشة”، المعروف بتضاريسه الوعرة وصعوبته، حيث يشكل تحديًا كبيرًا لكل من يضطر لاستخدامه. هذا الطريق يرمز إلى المصاعب التي تواجهها تعز يوميًا، ويُبرز عزيمة الرئيس العليمي في الوصول إلى المحافظة، رغم كل العقبات، ليكون قريبًا من أهلها ويسمع منهم مباشرة. استخدام الرئيس لهذا الطريق يعكس أيضًا رسائل متعددة؛ أولها، أن القيادة مستعدة لمواجهة التحديات الأمنية واللوجستية جنبًا إلى جنب مع المواطنين، وثانيها، أن الاهتمام بتعز يتجاوز الحدود الرمزية إلى خطوات عملية تعكس واقع الحال.
تعاني تعز منذ سنوات من نقص حاد في الخدمات الأساسية. الكهرباء، الصحة، البنية التحتية، جميعها خدمات تكاد تكون منعدمة، مما يزيد من معاناة السكان. الزيارة جاءت لتسلط الضوء على هذه الأوضاع المتردية، ولتؤكد أن القيادة على دراية بما يجري على الأرض. وقبل وصول الرئيس، بذلت السلطة المحلية جهودًا استثنائية لتحسين صورة المدينة، في محاولة لإظهارها بأفضل شكل أمام رئيس الدولة. إلا أن هذه المحاولات، ورغم أهميتها، لا تلغي الواقع الصعب الذي تعيشه تعز، وتؤكد الحاجة الملحة إلى دعم حقيقي ومستدام. إن السلطة المحلية تدرك تمام الإدراك أن التجميل المؤقت لا يمكن أن يحل محل الإصلاحات الجذرية المطلوبة لإعادة تأهيل المدينة، وأن هذا النوع من الجهود يجب أن يترافق مع خطط طويلة الأمد تسهم في تحسين جودة الحياة للسكان بشكل فعلي.
الاستقبال الشعبي الذي حظي به الرئيس العليمي يعكس آمال المواطنين في التغيير. حيث اصطف الآلاف على جانبي الطريق في المدن والقرى التي مر بها الموكب الرئاسي، حاملين آمالهم وأحلامهم في تحسين أوضاعهم المعيشية. الرئيس العليمي، الذي حرص على تحية الجماهير من على مدرعة عسكرية، بعث برسالة قوية مفادها أن القيادة موجودة في قلب الحدث، وأنها مستعدة لمواجهة التحديات مهما كانت كبيرة. هذا التفاعل الجماهيري ليس مجرد استجابة للحظات الاحتفالية، بل يعكس تطلعات الشعب نحو حكومة تقترب من همومهم وتعمل بجدية لتحقيق التغيير المنشود.
عند وصوله إلى تعز، عقد الرئيس العليمي اجتماعًا مع السلطة المحلية، حيث أكد إدراكه للجهود التي بذلت لتحسين مظهر المدينة، لكنه شدد على أن التجميل السطحي لا يكفي. وأعطى السلطة المحلية مهلة ستة أشهر لإحداث تحسن ملموس في الخدمات الأساسية والبنية التحتية. هذه المهلة ليست مجرد توجيه إداري بل هي تحدٍ حقيقي لقدرة السلطة المحلية على استثمار الدعم المقدم بفعالية وتنفيذ مشاريع تحظى بالاستدامة وتؤدي إلى تحسين ملموس في حياة المواطنين. كما شهدت الزيارة افتتاح ووضع حجر الأساس لعدد من المشاريع التنموية الممولة من السعودية، مما يعكس دعمًا دوليًا مستمرًا لتخفيف معاناة السكان. هذه المشاريع تمثل أملًا جديدًا للمنطقة، ولكن نجاحها يعتمد على الإدارة الفعالة واستمرار التنسيق مع الجهات المانحة لتحقيق النتائج المرجوة.
رغم هذه التحركات، تبقى تعز تحت حصار خانق تفرضه المليشيات الحوثية، مما يضع المزيد من الضغوط على الحكومة. التحدي الأكبر أمام الرئيس العليمي والسلطة المحلية ليس فقط في تنفيذ المشاريع المعلنة، بل في إيجاد حلول مستدامة لتخفيف الحصار وتحسين الحياة اليومية للمواطنين. إن فك الحصار هو قضية جوهرية لا يمكن تجاوزها في أي محاولة لإعادة بناء المدينة وتحسين ظروفها، حيث يمثل الحصار أحد أكبر العوائق أمام وصول المساعدات الإنسانية وتدفق السلع والخدمات.
زيارة الرئيس العليمي لتعز ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل هي محطة سياسية مهمة في مسار تحرير المحافظة وتحسين أوضاع سكانها. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الزيارة يعتمد على قدرة الحكومة والسلطة المحلية على تنفيذ وعودها في ظل ظروف استثنائية ومعقدة. تحقيق هذه الأهداف يتطلب رؤية استراتيجية متكاملة، وجهودًا مكثفة لتفعيل دور المجتمع المدني، والشركاء الدوليين في دعم هذه الرؤية والعمل على استدامة التغيير الإيجابي في تعز. إن نجاح الزيارة سيكون مقياسًا لمدى التزام الحكومة بتعهداتها وقدرتها على تحويل الأقوال إلى أفعال ملموسة تحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الناس.