لمحة مؤثرة عن الراحلين الكبيرين: الأديب اليمني عمر الجاوي و الشاعِر عبد الله البردَّوني
في مشهد من تاريخ الأدب اليمني، تبرز صورة حميمة و مؤثرة تجمع بين شخصيتين عظيمتين من رواد الأدب والفكر في اليمن: الأديب الكبير عمر الجاوي والشاعر الأكبر عبد اللَّه البردَّوني. هذه الصورة تحمِل في طياتها ذكريات عميقة وتحمل معها إرثًا ثقافيًا و فكريًا لا يمكن تعويضه.
ففي بداية سبعينيات القرن الماضي، كانت اليمن تعيش في ظروف سياسية واجتماعية صعبة. كان هناك انقسام بين الشمال و الجنوب، و التوترات السياسية والاقتصادية تُلقي بظلالها على المجتمع. في وسط هذه الأجواء، جاءت مبادرة تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كنافذة أمل وإبداع، يقودها الثنائي العظيم عمر الجاوي وعبد اللَّه البردّوني.
عبداللَّه البردَّوني: صوت الشعر المدوّي:
ولد عبد اللَّه البردّوني في قرية البردّوني، وهي التي منحته ٱسمه الفني. فقد بصره في سن مبكرة، لكنه عوض هذا الفقدان بقدرة فريدة على رؤية العالم من خلال كلماته. كانت قصائده تنبض بالحياة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي رسمت صورة حية عن اليمن بماضيها و حاضرها و مستقبلها.
عُرِفَ البردّوني بأنَّهُ شاعر يمني مبدع و متمرد على التقليدية، حتى وهو المخلص للشكل الكلاسيكي في القصيدة ،فكانت أشعاره تعبر عن قضايا الأمة وهموم الشعب، وتمتزج فيها الأصالة بالتجديد. قدّم من خلال شعره صوتًا قويًا و ثوريًا و تنويريًا، حيث كانت كلماته تُلهِم الأجيال وتحثهم على التفكير والتغيير والتمرد.
عمر الجاوي: صوت الحكمة:
أما عمر الجاوي، فكان رمزاً للحكمة و الوعي الثقافي. بصفته أديبًا وناقدًا وصحافيًا له مكانته الخاصة.. كان له دور كبير في نشر الثقافة والمعرفة بين اليمنيين، إذ كان الجاوي يؤمن بأن الأدب هو وسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي، وكان دائما يسعى لتعزيز الوحدة والتعاون بين الأدباء و المُثقفين.
لقد كانت كتابات الجاوي تعكس رؤيته العميقة و تحليله الثاقِب للأحداث، حيث كان يعبر عن آمال الشعب وطموحاته بأسلوب بسيط وقريب من الناس. لعب دورًا كبيراً في توحيد الأُدباء و الكتاب اليمنيين، حيث كانوا يجتمعون تحت راية واحدة، متحدين في سبيل الأدب والفكر قبل توحد السياسيين بسنوات طويلة.
الصورة الحميمة: لقاء الأرواح:
الصورة تمثل ” المبُصر والحالم” حد تعبير الناقدة و الأديبة و الصحفية شيماء باسيد، ذات نقاش حول الصورة، ابنة لحج الخضيرة.
في تلك الصورة التي تجمع بين الجاوي والبردوني، نرى التقاء الأرواح والشخصيات التي كانت تؤمن بقوة الكلمة والفكر. يجسد الجاوي وهو يقدم البردوني لحظة تكاملية، حيث يلتقي صوت الحكمة بصوت الشعر، ليشكلان معا لوحة فنية تخلد في ذاكرة الأدب اليمني.
تتجلى في هذه الصورة العلاقة العميقة التي كانت تجمع بين الجاوي والبردَّوني، علاقة مُبنية على الإحترام المُتبادل والتقدير العميق. لم تكن مجرد علاقة عمل أو صداقة عابرة، بل كانت شراكة فكرية وثقافية ساهمت في تشكيل ملامح الأدب اليمني الحديث.
إرث لا ينسى:
برحيل الجاوي والبردَّوني، فقدت اليمن صوتين من أعظم الأصوات الأدبية. فقدان البردوني كان بمثابة خسارة لصوت الشعر المدوّي الذي كان يحرك النفوس ويحث على التفكير والإبداع. أما فقدان الجاوي، فقد كان خسارة لصوت الحكمة والرؤية الثقافية العميقة التي كانت توجه الأدباء وتوحدهم.
لكن بالرغم من رحيلهما، فإن إرثهما الثقافي والفكري ما زال حيا. لا تزال قصائد البردوني تقرأ وتدرس، رغم محاربة السلطة لها فيما اختفت في ظروف غامضة بعد رحيله مجموعات شعرية وعدة كتب نقدية وأدبية فيما مسؤول كبير في سلطة علي عبد صالح كان زار بيت البردوني ثاني يوم من وفاته واخذ مسودات تلك الكتب والمجاميع الشعرية بزعم أنه سيلسمها لوزارة الثقافة ومذاك مرت ٢٥ سنة ومازالت الكتب والمجاميع الشعرية غير معروف مصيرها!
فيما تظل كتابات الجاوي مصدر إلهام للأجيال الجديدة من الأدباء والمثقفين، إذ ترك بصمة لا تمحى في تاريخ الأدب اليمني، وبفضل جهودهما، البردوني والجاوي تمكن الأدباء و الكُتَّاب اليمنيون من الاتحاد و الوقوف معًا في وجه التحديات.
اتحاد الأدباء والكُتَّاب اليمنيين إرث الوحدة:
من خلال اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، الذي كان الجاوي والبردوني من مؤسسيه، تجسدت رؤيتهما في وحدة الأدباء والمثقفين قبل توحد السياسيين بعشرين عامًا. كان هذا الاتحاد منصة للتعبير الحر والنقاش البناء، حيث كان الأدباء يتبادلون الأفكار ويناقشون القضايا المشتركة، مما أسهم في تطوير المشهد الثقافي اليمني.
هذا الاتحاد لم يكن مجرد مؤسسة ثقافية، بل كان حركة فكرية ساهمت في نشر الوعي وتعزيز الروح الوطنية بين اليمنيين. لقد كانت هذه الخطوة الجريئة بمثابة رسالة للعالم بأن اليمنيين قادرون على التوحُّد وزالتعاون من أجل مستقبل أفضل.
الحنين و الذكرى:
اليوم، ونحن نتذكر عمر الجاوي وعبد الله البردوني، في هذه الصورة الخالدة ،نشعر بالحنين لتلك الأيام التي كان فيها الأدب والفكر في أوج ازدهارهما. نستعيد تلك اللحظات الحميمة التي جمعت بين الجاوي وهو يقدم البردوني، ونتذكر كيف كانت كلماتهما تُلهِبُ مشاعر القراء وتدفعهم للتفكير و التغيير.
بل و يمكننا القول : إن “عمر الجاوي وعبد الله البردوني لم يرحلا حقًا، بل هما ما زالا حاضرين بيننا من خلال أعمالهما وإرثهما الثقافي”. حد توصيف للاستاذ الشاعر احمد قاسم دماج الذي ترأس اتحاد الادباء و الكتاب اليمنيين فترات.
لقد تركا لنا البردّوني و الجاوي كنزًا من الحكمة و الشعر، وعلينا أن نستمر في تقدير هذا الإرث والحفاظ عليه للأجيال القادمة. في تلك الصورة التي تجمع بينهما، نجد رمزا للأمل والتفاؤل، ودعوة للتوحُّد و العمل المشترك من أجل مستقبل أفضل لليمن والأدب اليمني.