بدأ حياته في مدينة إب، في أربعينيات القرن الماضي، طالِبَ علْم، ويحترف العمل لِيَعُول نفسه.
خلال زمنٍ قياسي يُصبح طالبَ العلم فقيهًا لامعًا يدرُسُ ويُدرِّس طلاب المعرفة، ويُصلِح المعدات المنزلية والأجهزة النحاسية.
مدينة الرّبادي (إب) كانت مركزًا من أهم مراكز نشأة الحركة الوطنية ودعوات التحرر والإصلاح، قاومتْ الإمامة المتوكلية والاستعمار البريطاني باكرًا.
محمد علي الربادي عَلَمٌ من أعلام اليمن والأمة العربية والإسلامية.
كان الربادي كثيرًا متعددًا ومتنوعًا حدّ الاكتمال والغِنى.. فهو عالم دِين فقيه وصوفي وزاهد يُجسِّدُ في مسلكه وحياته سيرة الأنبياء والمرسلين: فآدم مُزارع، وداوود حدَّاد، وشُعَيب فلاح، ونوح صانع سُفُن، وعيسى طبيب، وموسى راعي غنم، ومحمد – عليه أفضل الصلاة والسلام – راعي غنم وتاجِر.
كان الأستاذ الرائع غاية في الاستقامة والصفاء، بعيدًا عن الضغائن والصغائر.
في العام الخامس للثورة عُيِّنَ نائبًا لوزير التربية والتعليم، وعيّنني مفتشًا في مدارس تهامة بناءً على توجيهات الأستاذ النعمان.
عمل في الصحافة مبكرًا، وكانت يوميات الثورة في السبعينيات من القرن الماضي محل اهتمام وتداوُلٍ واسعين.
كان الخطيب المفوّه، وكان وقْع كلماته الصادقة والعميقة أشدّ أثرًا من الرصاص والقذائف البعيدة المدى.
عملَ وكتب في صحيفة الجمهورية تعز، وفي صحيفة الثورة صنعاء، وكان عضوًا في اللجنة التنفيذية لاتحاد الأدباء والكُتّاب، ثم رأَسَ الاتحاد عام 1990.
بدعوة من رابطة الأدباء زارَ ليبيا، وكنتُ معه عندما عُرِضَ عليه مبلغ من الرابطة رفضَ استلام المبلغ، فلم نتمكن من السفر إلا مع الزعيم والمحامي الناصري عبدالعظيم المغربي، الذي أخذنا بسيارته إلى القاهرة.
كان شجاعًا في إبداء الرأي حدّ الفِداء، وعلى كثرة المناصب التي تولاها، وهي مناصب قيادية في التربية والتعليم والإعلام والإرشاد، ومع ذلك مات فقيرًا.. كان في الاتجاه القومي الناصري.
معرفة الرَّبادي بائع القمح، وعامل إصلاح الأدوات المنزلية، والدارس، والمدرِّس، وخطيب الجامع الكبير بإب، والثائر الذي تعرض للاعتقال مرتين في عهد الإمامة المتوكلية، وقطب الحركة القومية، والمُعارض السياسي الشجاع حدّ المواجهة، كلها لا تكتملُ إلا بمعرفة موقف مدينته إب واحتضانها حركة المعارضة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.. فالربادي العظيم ابنٌ بارّ لجمعية الإصلاح، وللآباء الروحيين الدُّعيس وباسلامة والحدّاد وآل الأكوع والعنسي والأرياني ومطيع دماج… وعشرات من الرموز الثائرة والمناضلة.
في ثلاثينيات القرن الماضي رفعت مدينة إب راية الدعوة الإصلاحية، وذهبَ خيرة أبنائها للاعتقال في حجة قبل حركة 1948.
وكان قادة الثورة السبتمبرية من هذه المنطقة: علي عبدالمغني، عبداللطيف ضيف الله، ناجي ابن علي الأشول – أمين سر التنظيم السبتمبري ومدوِّن محاضِره، وعشرات غيرهم.
كانت المنطقة في رأس الثورة (سبتمبر 62)، وخلفية داعمة ومساندة للثورة في الجنوب (ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963)، ودفعت ثمنًا باهظًا في الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.
كان الربادي العظيم أحد الضمائر اليقظة لإرادة الوطن والأمة العربية في التحرير والحرية والتغيير والحداثة والعدل الاجتماعي.
ظَل الربادي الذي عرفته في بداية الثورة الصديق لأحمد قاسم دماج وعبدالله الوصابي وعبدالحفيظ بهران والحبيشي وأحمد منصور.
كان الربادي طوال حياته الضمير الحيّ واليقظ للحركة القومية، وكان الفادي بحقٍّ وحقيق.
مَن مِنّا لا يتذكر قبيل ساعات من رحيله المباغِت وقوفه أمام الحاكم المستبِد علي عبدالله صالح في إب… ليقول له وجهًا لوجه: لا نطلبُ منك شيئًا، إنما نذكّرك بما امتنّ الله به على كفار قريش، أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف.
كلمته الأخيرة للرئيس صالح أمام هيلمانه: لم تُطعموا جائعًا ولم تُؤمّنوا خائفًا، وانفطر قلبه حزنًا على شعبه.
نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق
***
كان معلماً متعلماً
حناطاً متثقفاً
كاتباً يريد تغيير العالم بكلمة
(عبدالله البردوني واصفاً
محمد علي الربادي)
****
كان دكانه ـ حينما زاره الأستاذ عبدالله البردوني في العام 1956ـدكانه الراحل الكبير الأستاذ محمد علي الربادي عامراً بهواء الثقافة ، واذا جاءه مشترون كال لهم الحبوب بلا مساومة، وكأنه صار معهوداً بالصدق من أول كلمة. كان يبيع ما اشتراه في نفس اليوم، فلا تنطبق عليه صفة تاجر حبوب، لأنه لم يختزن ولا يغالي اذا غالى الآخرون كما ذكر الزائر، كما استعاد ذلك بعد أربعين عاما حين كتب يرثيه.
الشاعر والناقد محمد عبد الوهاب الشيباني