- فايز نعمان الصنوي – عضو اللجنة المركزية للحزب الإشتراكي اليمني
- الشباب يعيدون قراءة البيان الأول لثورة 26 سبتمبر عبر بث مباشر : رسالة تحدٍ”
في مشهد مهيب ومؤثر، يتجه منذ ايام الآلاف من الشباب والشابات في اليمن إلى إعادة قراءة البيان الأول لثورة 26 سبتمبر عبر بث مباشر، متحدين بذلك الرعب والقمع الذي تمارسه الميليشيات الحوثية. هذا الفعل الرمزي ليس مجرد استذكار لحدث تاريخي، بل هو رسالة تحدٍ لهذه الميليشيات التي تسعى إلى محو ذاكرة الشعب اليمني وتزييف تاريخه.
إن إعادة قراءة البيان في هذا الوقت العصيب يعبر عن رفض اليمنيين لمحاولات الحوثيين في إحياء النظام الإمامي، ويؤكد على إيمانهم العميق بقيم الجمهورية والمساواة. ورغم كل الضغوط والقمع، يواصل الشباب في اليمن التمسك بمبادئ الثورة، والتعبير عن رفضهم لكل محاولات العودة إلى الماضي المظلم.
في 26 سبتمبر 1962، انطلقت شرارة ثورة مجيدة غيرت وجه التاريخ اليمني إلى الأبد. كانت تلك اللحظة الفارقة التي أُعلن فيها إسقاط النظام الملكي في اليمن، وإعلان قيام الجمهورية، في خطوة بطولية أضاءت سماء البلاد وأعلنت عن فجر جديد حمل آمال اليمنيين بالتقدم والعدالة والمواطنة المتساوية. جاءت الثورة استجابةً لعقود من القهر والاستبداد تحت حكم الأئمة الذين كرسوا الملكية الوراثية وحرمان الشعب من حقوقه الأساسية بدوافع كهنوتية جراء مزاعمهم أنهم ينتمون لما يسمى ” آل البيت” ويحق لهم وفق ذلك حكم اليمنيين للابد.!
لقد جسدت ثورة 26 سبتمبر نقلة نوعية من التخلف إلى الحداثة، ومن العبودية إلى الحرية وكان الإعلان عن الجمهورية: لحظة فارقة.
هكذا عندما قرأ البيان الأول للثورة في صنعاء(عاصمة اليمنيين التاريخية المخطوفة اليوم من قبل الميليشات الحوثية العميلة الايرانية ) كانت تلك اللحظة بمثابة انفجار تاريخي أطاح بالنظام الإمامي، وأرسى قواعد الجمهورية التي حلم بها اليمنيون طويلاً. لم يكن البيان مجرد كلمات، بل كان إعلانا عن بداية حقبة جديدة من الحرية والمساواة، وضع حدا لتلك الحقبة الظلامية التي استمرت لعدة قرون. أقر البيان تأسيس دولة جمهورية ذات سيادة تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية، وتحترم حقوق الشعب في تقرير مصيره.
ولقد أطاحت ثورة 26 سبتمبر بالنظام الملكي الذي حكم اليمن عبر سلسلة من الأئمة الذين استخدموا الدين كأداة للسيطرة على الشعب. كان النظام الإمامي يعتمد على الجهل والفقر كوسيلة للبقاء في السلطة، حيث أبقى اليمنيين محرومين من التعليم والرعاية الصحية وفرص التنمية. تلك الحقبة كانت تُرسخ مفاهيم الرجعية والقبلية التي عرقلت نمو اليمن لعقود طويلة.
ولكن مع اندلاع الثورة، جاءت الآمال بإنهاء تلك الحقبة، وخلق دولة تضمن المساواة في الحقوق والفرص لكل مواطن. لا يمكن المبالغة في وصف عظمة هذا التحول، فقد كان خروجا من نظام أفسد المجتمع، وفتح الباب نحو بناء دولة حديثة ترتكز على المؤسسات المدنية وليس على الولاءات الشخصية أو الوراثية.
الجمهورية: مشروع وطني وحضاري
تميزت ثورة 26 سبتمبر بمشروعها الوطني الذي سعى لبناء دولة تقوم على مبادئ الجمهورية الحديثة: الحرية، المساواة، والعدالة الاجتماعية. من خلال الثورة، بدأت اليمن بفتح صفحة جديدة نحو التنمية والتقدم، حيث تم إنشاء المدارس والمستشفيات، وبناء بنية تحتية أساسية، والاهتمام بتطوير الاقتصاد وتعزيز حقوق المرأة والشباب.
الرؤية التي حملتها الثورة كانت مستوحاة من رغبة الشعب في التحرر من قيود الماضي والانطلاق نحو مستقبل أفضل. لم تكن هذه الثورة مجرد حدث عابر، بل كانت رمزا لإرادة شعب يرفض الخنوع والتبعية، ويؤمن بحقوقه في تقرير مصيره.
الانقلاب الحوثي: التشويه والتفاهة
في 21 سبتمبر 2014، شهدت بلادنا انقلابا دمويا قادته ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، سعت من خلاله إلى إعادة عجلة الزمن إلى الوراء. هذا الانقلاب ليس إلا محاولة بائسة للعودة إلى النظام الإمامي الذي أطاحت به ثورة 26 سبتمبر. هذه الميليشيات تعتمد على نفس المفاهيم الرجعية والظلامية التي أسسها النظام الإمامي، وهي تستغل الفقر والجهل لتحقيق أهدافها.
يروج الحوثيون لما يسمونه “ثورة 21 سبتمبر”، في محاولة منهم لإضفاء الشرعية على انقلابهم الدموي. لكن الفارق بين الحدثين واضح وجلي، فثورة 26 سبتمبر كانت ثورة من أجل الحرية والتقدم، بينما “ثورة” الحوثيين ليست إلا حركة انقلابية تهدف إلى إعادة تأسيس نظام يقوم على الظلم والاستبداد.
الفرق بين الثورة الحقيقية والانقلاب
الفارق بين ثورة 26 سبتمبر وانقلاب 21 سبتمبر شاسع كالفارق بين النور والظلام. ففي الوقت الذي قدمت فيه ثورة 26 سبتمبر مشروعًا حضاريًا لبناء الدولة، يقوم انقلاب الحوثيين على تدمير مؤسسات الدولة وتقويض أسسها. بينما كانت الثورة تعمل على تحرير الشعب من قيد الملكية، يعمل الحوثيون على استعباد اليمنيين وإخضاعهم لسيطرة فئة ضيقة تحاول فرض نفسها بالقوة.
إن ثورة 26 سبتمبر كانت تمثل تطلعات الشعب نحو الحرية والكرامة، فيما يمثل انقلاب 21 سبتمبر عودةً إلى الوراء، إلى الظلام والتخلف. وبينما حملت ثورة سبتمبر شعلة التقدم والحداثة، تسعى ميليشيات الحوثي إلى إطفاء هذه الشعلة وإعادة اليمن إلى عصور الجهل والتخلف.
خلاصة الخلاصة أن ثورة 26 سبتمبر ليست مجرد ذكرى عابرة في تاريخ اليمن، بل هي حجر الأساس الذي بنيت عليه الدولة اليمنية الحديثة. إنها تجسد تطلعات الشعب اليمني نحو مستقبل مشرق، خالٍ من الظلم والاستبداد. ورغم كل التحديات التي تواجهها اليمن اليوم، تبقى قيم الثورة متجذرة في قلوب اليمنيين، ولن يستطيع أي انقلاب أو ميليشيا طمس هذه الحقيقة.
وفي المقابل، فإن انقلاب 21 سبتمبر يمثل كل ما هو رجعي ومتخلف، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بعظمة الثورة السبتمبرية. الفرق بين الحدثين واضح وجلي، فالأول جاء لبناء الدولة والمجتمع، بينما يسعى الثاني إلى تدميرهما.
الثورة مستمرة، والأمل قائم، واليمنيون يواصلون النضال من أجل الحفاظ على مكتسبات ثورة 26 سبتمبر، وضمان عدم عودة الظلام إلى بلدهم مرة أخرى.
لذلك وبكل شجاعة، وقلوب تملؤها العزة والإصرار، يتجه الآلاف من الشباب والشابات منذ ايام حيث تفصلنا اسبوع على ذكرى ثورة 26 سبتمبر إلى إعادة إحياء روح هذه الثورة المجيدة، في خطوة تعكس نضجهم السياسي وإيمانهم العميق بقيم الجمهورية.بل في مواجهة قمع وحشي يمارسه الانقلاب الحوثي على كل من يحلم بالحرية، يظهر هؤلاء الأبطال أمام العالم ليعلنوا أن صوت الشعب اليمني لا يمكن إسكاتُه، وأن ذاكرة الثورة لا يمكن طمسُها مهما حاول الطغاة.
إن هذا الفعل الرمزي، الذي يتجسد في إعادة قراءة البيان الأول للثورة عبر البث المباشر، ليس مجرد استذكار لتاريخ عظيم مضى، بل هو استلهام لحاضرٍ يتشكل بفضل شجاعة هؤلاء الشباب. إنهم ليسوا فقط من يتمسكون بمبادئ الثورة، بل يجددون عهدها في ظروف بالغة التعقيد والقسوة. في ظل محاولات الحوثيين المستميتة لإحياء النظام الإمامي القديم وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، يقف هؤلاء الشباب كجدارٍ منيع أمام الظلم والتخلف، مؤكدين على تمسكهم بالجمهورية التي ضحى من أجلها الأبطال في 1962.
ثم إن ما يقوم به هؤلاء الشابات والشباب هو فعل مقاومة من نوع آخر؛ مقاومة فكرية وسياسية ترفع من شأن الحرية والمساواة والكرامة الوطنية. إنهم يتحدون الجهل والإرهاب الذي يحاول الحوثيون زرعه في المجتمع، ويواجهون قمعا شرسا من قِبل ميليشيا لا تطيق فكرة أن الشعب اليمني قد ذاق طعم الحرية ذات يوم، ولا يمكن أن يعود إلى العبودية والاستبداد.
من خلال إعادة قراءة البيان الأول للثورة، يبعثون برسالة إلى الحوثيين وإلى كل من يقف ضد إرادة الشعب اليمني بأن الثورة لم تمت، وأن قيمها لا تزال حية في قلوبهم. يتحدون الرصاص والسجون والعنف ليقولوا بصوتٍ واحد: لن نعود إلى الوراء. هذا الفعل الجريء هو تعبير عن رفض مطلق لمحاولات الحوثيين في إعادة ترسيخ النظام الإمامي، كما أنه رسالة للعالم بأن اليمنيين لا يزالون متمسكين بجمهوريتهم، وأنهم مستعدون للوقوف أمام كل من يحاول سرقة حريتهم.
الشباب والشابات الذين يقومون بهذا العمل البطولي لا يستحقون فقط المدح، بل الاحترام والتقدير العميقين. لقد وضعوا حياتهم على المحك من أجل الدفاع عن قضية عظيمة، قضية تساوي وجودهم ومستقبل وطنهم. شجاعتهم تستحق أن تُخلّد في صفحات التاريخ كأحد أعظم أشكال المقاومة السلمية ضد الظلم والطغيان.
وعليه، لا يمكن لنا إلا أن نقف إجلالا واحتراما أمام هؤلاء الأبطال الذين يعيدون اليوم بث الحياة في روح ثورة 26 سبتمبر، ويرفعون رؤوسهم بشجاعة في وجه القمع والظلم. إنهم أمل اليمن ومستقبله، وبرسالتهم الشجاعة يؤكدون أن النضال من أجل الحرية لا يزال حيًا في قلوبهم، ولن يستطيع أحد أن يسلبهم هذا الحق المقدس.