قضايا

تطييف التعليم الأكاديمي في محافظة إب واستفزاز المجتمع

صورة توضح بوابة جامعة إب والتي تحولت إلى منصة لوحة جدارية للشعارات الطائفية
منصة انزياحات – إب

“استبعاد أساتذة الفكر الإسلامي يشكل إهانة لهم وللمنظومة الأكاديمية بأكملها”

يشكل قرار استبعاد أساتذة الفكر الإسلامي في محافظة إب واستبدالهم بأشخاص من جماعة الحوثي تهديدًا خطيرا للنظام التعليمي في اليمن وللتعايش السلمي بين مكونات المجتمع. هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة أوسع تهدف إلى فرض التشيع القسري على مؤسسات الدولة والمجتمع، وهي سياسة استفزازية تُظهر الوجه الحقيقي لجماعة الحوثي التي تسعى إلى تحقيق مكاسب طائفية على حساب وحدة اليمن واستقراره

ففي تطور خطير يهدد النسيج الاجتماعي والتعليمي في محافظة إب اليمنية، علمت “انزياحات” من مصادر أكاديمية أن القيادي الحوثي عبدالفتاح غلاب، المشرف المعين من قبل الجماعة لمحافظة إب، أصدر توجيهات باستبعاد أساتذة الفكر الإسلامي من التدريس في جامعة إب والجامعات الأهلية بالمحافظة. وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من الإجراءات التي تتبعها جماعة الحوثي منذ سيطرتها على اليمن، والتي تهدف إلى فرض أجندتها الطائفية على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك المؤسسات التعليمية.

من احتفاء جامعة إب إحياء بذكرى يوم الخرافة .

تشكل هذه التوجيهات حلقة جديدة من حلقات استهداف النظام التعليمي، ليس فقط على مستوى المناهج الدراسية التي تم تطييفها سابقا، بل تمتد هذه المرة إلى مستوى أعمق يتعلق بتحديد من يسمح لهم بالتدريس. هذا التوجه ينطوي على مخاطر كبيرة، إذ يسعى الحوثيون من خلاله إلى السيطرة على العقول وتشكيلها بما يتماشى مع أيديولوجيتهم الطائفية، التي تتعارض مع طبيعة المجتمع اليمني المتنوع.

 

محافظة إب السنية في مرمى الحوثي

 

محافظة إب، كغيرها من المحافظات اليمنية، تتمتع بتنوع مذهبي، لكن تاريخيا كانت محافظة ذات أغلبية سنية، ما يجعل محاولات جماعة الحوثي لفرض التشيع بالقوة على مؤسساتها ومجتمعها يمثل استفزازاً صارخاً للقيم المجتمعية والدينية فيها. قرار استبعاد أساتذة الفكر الإسلامي واستبدالهم بأفراد من جماعة الحوثي ليس مجرد إجراء إداري، بل هو خطوة واضحة نحو “التطييف القسري” للدولة والمجتمع، إذ تسعى الجماعة لزرع أيديولوجيتها الشيعية الجارودية على حساب الهوية السنية التي تشكل جزءاً كبيراً من التركيبة الاجتماعية والثقافية للمحافظة.

التشيع القسري: سياسة ممنهجة منذ بداية الصراع

منذ سيطرة الحوثيين على أجزاء واسعة من اليمن، وتحديدا منذ عام 2014، اتبعت الجماعة سياسة ممنهجة لفرض التشيع القسري في مختلف المؤسسات. هذه السياسة تشمل تغيير المناهج الدراسية، والتحكم في الإعلام، والتلاعب بالخطاب الديني، والآن، كما نرى في حالة محافظة إب، فرض أيديولوجيتهم على الجامعات والمؤسسات الأكاديمية.

 

تمتد هذه السياسة إلى استبعاد أي صوت يتعارض مع رؤيتهم، بما في ذلك الأساتذة الأكاديميون الذين يمثلون الفكر الإسلامي الوسطي. بدلاً من تعزيز التعددية الفكرية والدينية التي تعزز من روح التسامح، يسعى الحوثيون إلى إحكام سيطرتهم على المؤسسات التعليمية وتحويلها إلى أدوات لنشر عقيدتهم الشيعية المتطرفة.

استفزاز المجتمع وتهميش الكفاءات

لا يمكن النظر إلى هذه الخطوة إلا كاستفزاز صريح لمجتمع محافظة إب وللأكاديميين الذين يرون في هذا القرار تعديًا على حقوقهم التعليمية والمهنية. إن استبعاد أساتذة الفكر الإسلامي يشكل إهانة لهم وللمنظومة الأكاديمية بأكملها، كما يعكس رغبة الحوثيين في إقصاء الكفاءات الفكرية التي لا تتماشى مع رؤيتهم.

 

الجامعات في اليمن كانت دوما منارات للعلم والحوار، حيث يجتمع طلاب من مختلف الاتجاهات المذهبية والسياسية. لكن تحويل هذه الجامعات إلى ساحات لنشر أيديولوجية طائفية واحدة يقوض الأسس التي قامت عليها هذه المؤسسات. فبدلا من أن تكون مراكز للتعلم والنقاش، تصبح الجامعات أماكن لنشر الدعاية الطائفية التي تعزز الانقسام وتزيد من تفكك المجتمع اليمني.

التأثيرات البعيدة المدى لتطييف التعليم

الخطورة الكبرى تكمن في التأثيرات المستقبلية لتلك السياسات الطائفية على التعليم والمجتمع ككل. استبدال الأكاديميين المتخصصين بأفراد ينتمون إلى جماعة الحوثي سيؤدي بلا شك إلى تدني مستوى التعليم في الجامعات، إذ سيتم إقصاء الكفاءات العلمية لصالح أشخاص يفتقرون إلى المؤهلات الأكاديمية، ولكنهم يحملون الولاء المطلق للجماعة.

 

إضافة إلى ذلك، سيخلق هذا القرار فجوة ثقافية وتعليمية كبيرة بين الأجيال، إذ سيتم توجيه الطلاب نحو رؤية واحدة ضيقة ومحددة، تتماشى مع أجندة الحوثيين وتبتعد عن قيم التعليم الحر والتعددية الفكرية التي كانت سمة أساسية للتعليم في اليمن.

الانعكاسات الاجتماعية والسياسية

تعد محافظة إب إحدى المحافظات ذات الأهمية الكبرى في اليمن، ليس فقط لأنها من المحافظات الكبيرة في تعداد السكان، ولكن لأنها تمثل نموذجًا للتعايش المذهبي في البلاد. محاولة الحوثيين فرض التشيع بالقوة في هذه المحافظة قد تؤدي إلى تصاعد التوترات المذهبية وزيادة حالة الانقسام الاجتماعي.

 

المجتمع في إب يدرك جيداً أن هذه الخطوات ليست سوى جزء من مخطط أوسع يهدف إلى تحويل اليمن من دولة تتمتع بتنوع مذهبي وثقافي إلى دولة طائفية تهيمن عليها جماعة واحدة. هذا التحول القسري سيزيد من عزلة الحوثيين على المستوى المحلي، حيث يرفض معظم سكان المحافظة مثل هذه السياسات الطائفية.

صورة توضح استغلال الحوثي لجامعة إب وتوظيف الصرح الجامعي لخدمة مشروعه السلالي الكهنوتي

ينبغي على المجتمع المحلي والدولي أن يدرك خطورة هذا التوجه وأن يعمل على دعم المؤسسات التعليمية التي تسعى إلى تعزيز التعددية الفكرية والمذهبية، بما يحافظ على الهوية الوطنية لليمن.

علاوة على ذلك، فإن هذا التوجه الحوثي يعكس افتقار الجماعة إلى رؤية وطنية شاملة قادرة على توحيد اليمنيين. فبدلاً من بناء دولة تقوم على التعددية والتعايش، تسعى الجماعة إلى بناء دولة طائفية تستند إلى الأيديولوجية الشيعية الجارودية، وهي رؤية لا تلقى قبولاً بين غالبية اليمنيين.