مؤسفٌ ما يحدث لإرث شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني من قِبَل جماعة صنعاء وهيئة كتابها، التي كنا نظن أن رئيسها سيُرجّح كفة الشاعر فيه على اتباع هوى الجماعة. وها هو الآن يظهر مستنكراً ما قاله توفيق الحرازي، أحد قراء البردوني لأكثر من عشر سنوات، للصحافي القدير عبد الله الصعفاني.
يعرف كثيرون، وأنا منهم، أن توفيق الحرازي رافق البردوني حتى أيامه الأخيرة من خلال كتابة المقالات والقصائد التي كان الشاعر يمليها عليه، ولهذا فإن تصريحاته يجب أن نأخذها بعين الاعتبار. فقد نقل الصعفاني عن الحرازي قوله إن “البردوني ذكره بالاسم مع آخرين ضمن قصيدة، لكن هذه القصيدة اختفت أو صودرت عمداً من الديوان الذي طبعته الهيئة العامة للكتاب، وأن للبردوني قصائد بخط يد توفيق الحرازي لم يبق لها أثر”.
وهو ما أشرنا إليه في منشورات سابقة، وكتب كثيرون حينها أن هناك قصائد نُشرت في ديوانين نسبتهما الهيئة للبردوني، وهي قصائد من غير الممكن أن يكون الشاعر الراحل قد كتبها، خاصة وأن بعضها يتعارض مع رؤاه الفكرية المعروفة.
وبسبب هذا الجدل، طالب البعض بتشكيل لجنة مختصة لقراءة المخطوطات، على أن يكون أحد أعضائها توفيق الحرازي، لمعاينة أصول ما تم طبعه ونسبه إلى البردوني. إلا أن هيئة الكتاب رفضت ذلك، مما أبقى التساؤلات متجددة حول مدى صحة ما قامت به الهيئة في غفلة من محبي البردوني، ودون أن تقوم بقية أسرة الشاعر الكبير بمطالبة هؤلاء بالكف عن العبث بإرث شاعر اليمن وضميره الحي.
***
لماذا تخافون من تشكيل لجنة مستقلة؟
(المحرر، كان رد الأستاذ علي المقري في الفيسبوك على عبدالرحمن مراد التالي:
“والله يا أستاذ عبدالرحمن مراد، لا يليق بك ولا بمنجزك الشعري والبحثي أن تبقى في خدمة جماعة انقلابية رجعية تقف ضد كل قيم العصر والثقافة الحديثة التي نعتقد أنك أحد أبنائها، خاصة وأنك كتبت مقدمة للديوانين المنسوبين للبردوني تمدح فيها السلطة الانقلابية، وهو ما لا يتوافق أبداً مع فكر وشعر البردوني، الذي لم يكن متصالحاً مع أي سلطة، فما بالك بأحفاد الإماميين الذين سجنوه، وصرخ عالياً بقصائده ضد سلطتهم المستبدة.
هذا أولاً؛أما ثانياً، فلم أتوقع منك هذا الرد المجحف في حق توفيق الحرازي، الذي كان مقرباً من الأستاذ البردوني، وكنت أراه عنده كلما زرته. بل إن البردوني قال مرة إن أحدا لم يعد يأتي إليه بانتظام سواه، أما الآخرون فيأتون للقراءة له كلما سنحت لهم الفرصة.
وللعلم، كثيرون ممن يدّعون وصلاً بالبردوني لم يكونوا في الحقيقة كذلك.أما ثالثاً، فإن ما تذكره عن إصدار المجموعة الكاملة مرفقة بملف يحتوي على المخطوطات، فأظن أن هذا غير كافٍ، وسيظل السؤال قائماً عن صحة المخطوطات نفسها. وهذا أمر لا يمكن أن تجزم فيه الهيئة وحدها أو بعض موظفيها، وإنما يجب أن تحسمه لجنة مستقلة من مختصين في التدقيق بالمخطوطات، ومن المقربين من البردوني الذين لديهم دراية كافية بمنجزه ومساره الشعري. وما ذكرتهم من أسماء هم محل تقدير، ولكن معظمهم قد توفي، ولا يعني أن هذه الوثائق مطابقة للقصائد المنشورة. خاصة وقد رأى كثيرون ممن يعرفون شعر البردوني أنها لا تتطابق مع مسيرته الشعرية والفكرية.
ولهذا سيبقى السؤال قائماً: لماذا تخافون من تشكيل لجنة مستقلة؟”.