بمبادرة مشكورة من الأخ العزيز الدكتور/ شوقي القاضي تم مساء السبت الموافق 23/8/2024م تنظيم ندوة افتراضية حوارية مفتوحة حول جدلية العلاقة بين الإلحاد والتدين، بدأت بمناظرة جادة بين كل من الأخ علي البخيتي كمعبر عن الجانب الإلحادي والأخ الدكتور/ عبدالله القيسي كمعبر عن الجانب الديني، وشارك فيها الالاف من المتابعين والمتداخلين في الداخل والخارج، وخلاصة ما دار بين الإثنين وتعليقي عليه بحسب طلب إدارة الندوة هو الاتي:
أولا: جدل اثبات وجود الله من عدمه.
1- علي البخيتي واثبات عدم وجود الله.
فعلي البخيتي يصر على اثبات عدم وجود الله فما ذلك إلا محض خرافات إذ لا فرق بين عبادة الأبقار في الهند وعبادة الأحجار في مكة بحسب قوله، وأن المجددين في الفكر الديني كعبدالله القيسي وأخيه عصام القيسي ليسوا أكثر من باحثين عن نسخة أخرى للإسلام الخرافة تحديده، كعملية تلفيق وترقيع جديدة لخرافة قديمة بحسب مضمون تعبيره أيضاً، وأن مثل هذا العبث ليس أكثر من مجرد خلق عوائق جديدة أمام الحداثة اللادينية، وهذا مالا نتفق فيه معه ويضيف القول بأن لا يعارض الدين كعقيدة شخصية وإنما المشكلة هي دين الدولة أو السلطة السياسية دين داعش والقاعدة والمهدي المنتظر..الخ دين السبي وقتل المرتد ورجم الزاني والجزية والغنيمة والحق الإلهي والخمس ونكاح الصغيرات …الخ، وهذا مالا نختلف فيه معه، غير ان قولي بأن هذا في رأيه هو الإسلام ولا شيء غيره مما يدعيه المرقعين من أمثال عبدالله القيسي وعصام القيسي وأخيراً حمود العودي، وأن الحل هو التسليم بحقيقة عدم ثبوت أو وجود الآخر أو الله كقوة طاغية وسلطة سياسية مستبدة هو ما يكذب به على الله والدين وما سنشير إليه لاحقاً.
2- د. عبدالله القيسي وأثبات وجود الله.
في مقابل محاولة علي البخيتي اثبات عدم وجود الله يأتي الدكتور عبدالله القيسي بالأدلة اليقينية في رأيه بإثبات وجود الله، وأن المشكلة لديه هي مخالفة الناس لما أمر به الله في دينه الحق وفي مقدمتهم أدعياء الإسلام السياسي وهو ما كره الناس في دين السياسة وأبعدهم عن دين الله الحق الذي لم يعودوا يعرفون عنه شيء إلا صورته المزيفة من داعش والقاعدة وحتى المهدي المنتظر وصار الإلحاد واللادين هو البديل في محاربة الدين السياسي من قبل الشباب باعتباره هو الدين الإسلامي ولا شيء غيره والأخ علي البخيتي بإصراره على ذلك هو النموذج الأبرز وهذا ما نتفق فيه معه جملة وتفصيلاً.
حيث يؤكد الدكتور القيسي في مناظرته جملة قضايا اهمها اثبات برهان يقين وجود الله بالاستناد إلى ارسطو وديكارت ومقولة السببية والعلة الأولى للوجود والذي لا يمكن وجوده واستمراره إلا بمدبر وهو الله وأن المتأخرين ضيقوا دائرة الإسلام على المسلمين عكس القدماء كالمعتزلة الذين جاوروا المسلمين وغير المسلمين بالعقل والحجة المنطقية بدلاً من الخرافات والأساطير الدخيلة على الإسلام كداعش والمهدي المنتظر وغيره، بخلاف الملحدين الجدد الذين يصرون بأن الإسلام هو داعش والمهدي المنتظر وأن مهمة الإلحاد السياسي الجديد هو محاربة الأديان الحقيقي من خلال الإسلام الساسي، وذلك ما قد نتفق أو نختلف فيه معه.
ثانياً: بعض الملاحظات المباشرة على حديث المتناظرين.
في البند السابق تناولنا الاتجاهات العامة في محاولة المتناظرين في قضايا الإلحاد والدين علي البخيتي وعبدالله القيسي، وفي هذا البند تركيز على بعض الجزئيات السلبية والإيجابية في حديثهما وعلى النحو التالي:
1- البخيتي يدافع عن الدين السياسي من حيث يدري أو لا يدري.
فهو حينما يندد ببشاعة حكم الرجم والولاية والخلافة وحتى العادة السرية وقتل المرتد وغير ذلك مما ينسبه إلى الإسلام الحق وهو يعرف أنها من أحكام الإسلام السياسي ولا وجود لها في كتاب الله، وحينما يعتبران كل من ينازع الدين السياسي بحجة دين الله الحق أنهم مجرد مرفعين ومعيقين للحداثة الإلحادية، في حين يرى أن لا اعتراض لديه على الدين كعقيدة شخصية وهو بذلك لا يقدم نفسه كملحد كما يدعي بل مجرد معترض على الدين السياسي ونحن لا نختلف معه في ذلك، وهو كذلك حينما يقدم نفسه كعلمانياً مدافعاً عن الدولة العلمانية باعتبار أن العلمانية في نظره هي الفصل بين الدين والدولة، هو بذلك يبرز مرة أخرى كمتدين أو مقر بالدين الحق المنفصل عن الدولة أو السياسية وليس كملحد كما يدعي ونحن لا نختلف معه في ذلك مرة ثانية.
أما إصراره على تقديم نفسه كملحد لا ندري ما الذي سيضيفه بذلك إلى الحياة غير الشهرة على طريقة “خالف تعرف” وهذا من حقه، وما قد نتفق أو نختلف معه فيه، وآخر الملاحظات ترد في تعقيبه على مداخلتي على كلامه وكلام الدكتور القيسي بتقويلي القول بأن “الإسلام جميل ورائع وكل شيء تمام” وأنني بذلك ضمن “المرقعين” رغم أنني لم أتفوه بمثل هذه العبارة قط، لأننا كنا جميعاً في حوار فكري حول أكثر القضايا إثارة للحساسية والجدل “الإلحاد والدين” وليس في أمسية شعرية طلابية رغم أنني من محبي الفن والأدب وكتبت فيه الكثير، فليسامحك الله ياشيخ علي أما لترقيع والتشطيط فأكتفى بتعليق الدكتور القيسي “عليكم وعلى الدين السياسي أن تشططوا وعلينا أن نرقع وتلك تهمة لا تنفعها وشرف لا ندعيه.
2- القيسي يدافع عن دين الله أدوات الدين السياسي.
أما ملاحظاتي الجزئية على حديث الدكتور عبدالله القيسي فإنه وبالرغم من رصانة فكره ومصداقية تدينه إلا أنه قد كان أقل إثارة للجدل وحيوية الحوار ولم يتجاوز المألوف إلا قليلاً وأنا أعرفه كما أعرفه وقد أهداني أحد كتبه القيمة في منارات ومعزته عندي لا تقل عن معزة أخيه المفكر الاستثنائي عصام وثالثهما علي البخيتي الاشتراكي القديم والحوثي الوسيط والإنساني الملحد الجديد، والمهم ان عبدالله قد اسهب في محاولة إقامة حجته على الملاحدة بنفيهم لوجود الله بما أسماه بالأدلة القطعية وليس الظنية في السنة النبوية والفقه الإسلامي، ما عداء إشارته الغابرة إلى المعتزلة الذين حاوروا غير المسلمين بحجة العقل والمنطق، وكأننا لا نحتاج إلى العقل والمنطق إلا حينما نتخاطب مع غير المسلمين، أما المسلمون فيكفي معهم القلقلة والعنعنة (قال وقال وعن وعن) والتركيز على ما هو قطعني أو ظني في ذلك، هذه الكارثة التي صودر معها العقل والمنطق والقياس والاستقرار والاستنباط وعوامل الزمان والمكان والتدبر والتفكر والاعتبار والتبصر والذي يشكل الحث على كل ذلك ثلث آيات القرآن الكريم (لعلكم تبصرون، لعلكم تعقلون، أنظروا وتدبروا…الخ…الخ) ليصبح الحديث عن أي شيء من ذلك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وصارت العنعنة والقلقلة مصدر كل أنواع شيطنة التسنن والتشيع السياسي الذي لم ينزل الله به من سلطان، فمتى نسترد نعمة العقل والعلم والمنطق التي ميزنا الله بها عن سائر المخلوقات من عبودية “العنعنة والقلقلة” التي ما أورثتنا غير “شيطنة التسنن والتشيع السياسي” بدءاً من غلطة جبريل بتوصيل الرسالة إلى محمد بدلاً من علي مروراً بخرافة المهدي المنتظر والاعور الدجال وحتى الزنابيل والقناديل.
ثالثاً: الحقيقة وعبثية اثبات مالا يمكن اثباته موضوعياً.
في ضوء كل ما سبق من اختلاف وجهتي النظر بين من يصر على عدم وجود الله الخالق القادر على كل شيء وبين القائل بالدليل اليقيني القاطع على وجوده عقلاً ويقيناً موضوعياً نستطيع القول بما هو خلاف هذا وذاك في محاولة للوصول إلى الغائب أو المعيب لدى الطرفين من العقل والمنطق والممكن الأخذ به خروجاً من عبثية هذا الجدل العقيم الذي بدأ منذ أكثر من ألف عام ولم يزل والذي ما من علة أو سبب حقيقي خلفه غير البحث عن الاستئثار بالسلطة والثروة من دون الناس بطريقة غير مشروعة من قبل الاقلية على حساب الأغلبية من الناس والموضح من وجهة نظرنا في الآتي:
1- إن ليس في مقدور من يصر على وجود الله أو عدم وجوده أن يثبت ذلك على سبيل اليقين العلمي والموضوعي، إذ ليس لدي من يصر على وجود الله أكثر من مجرد فكرة الإيمان بالغيب أو مالا قدرة على العقل والعلم أن يحكم به والعكس بالعكس صحيح، حيث لا يملك من ينفي وجوده من دليل موضوعي غير اعتقاده بأنه غير موجود، وكلاهما مؤمن بما لا دليل عقلي أو مادي عليه قط، مع فارق بين مؤمن يؤمن بالإثبات والأخر بالنفي، وهذا هو ما يذكرنا بمدرسة السفسطة اليونانية العبثية القديمة القائلة بأن نفي النفي اثبات.
2- إن ما ينبغي التسليم به يقينا وبديهياً هو أن حدود ما نعرفه من وجودنا ومحيطنا كجزئية بسيطة جداً من الكون المطلق قد ارتكز على قوانين ونظم دقيقة وموضوعية مطلقة منها ما قد صار في علمنا وهو الأقل ومنها مالم يعلم بعد ونحاول معرفته وهو الأكثر، وذلك هو ما نسلم به إيماناً غيباً بأن الله الحق افتراضاً إيماناً بالغيب لا أكثر كمسلمين ويهود ونصارى وليس الله السياسي، وهو براهما عند الهنود وبوذا عند الصينيين والروح العظمى عند الهنود الحمر…الخ…الخ.
3- إن ضرورة الدين أي دين كان التدين أي تدين كان تنبع من قصور قدرة فهم الإنسان لمساحة ما بعد قدرة العقل والعلم على فهمه موضوعاً بعد، بحيث تصير تلك المساحة إما مجالاً للخيال الديني الخرافي والأسطوري اللانهائي في التعدد عند السواد الأعظم من الناس أو التوحيدي الفلسفي العلمي عند الأقل منهم والمتغيرة دائماً وبمقتضى قانون التناسب العكسي القاضي بأنه كلما زاد الإنسان من أعمال عقله وتجربته في كسب المعرفة العقلية والموضوعية من أجل تلبية حاجاته والدفاع عن نفسه ضاقت مساحة الخيال الخرافي والأسطوري المرتبط بحاجاته والدفاع عن نفسه والعكس بالعكس صحيح، ودون أن يلغي أي منهما الآخر.
رابعاً: الإسلام الحق كعقيدة وشريعة.
1- الإسلام كعقيدة: في ضوء ما سبق يمكن بل ويجب فهم الإسلام كعقيدة اختيار مقتضاها الإيمان بما لا نعلمه من غيب مساحة ما فوق العقل والعلم المتاح حتى نعلم ذلك قدر الإمكان، ومقتضى ذلك العلاقة المباشر بين العبد وربه دونما وصاية أو ولاية لأحد على ضميره.
2- الإسلام كشريعة مقتضاها العقل والعلم وبما يجلب النفع ويدفع الضرر وهي من الناس كل الناس وإليهم عملاً بحكمها في القرآن الكريم “وأمرهم شورى بينهم” وهي أي الشريعة عابرة لكل الديانات والمعتقدات، لأن الخير والشر لا يتجزأ وكذلك هو الحسن والسيء والنفع والضرر والظلم والعدل، وما لله لله وما لقيصر لقيصر، وبالتالي فإن لا سلطة دينية في الإسلام ولا إكراه في الدين.
3- إن الخلط بين الأمرين (العقيدة والشريعة) او تركيب العقيدة فوق الشريعة وعدم الفصل بينهما في الدين السياسي هو علم وسبب إفسادهما معاً وتحويل دين الرحمن إلى دين الشيطان بدافع السبب الأعمق وراء الأكمة وهو الاستحواذ على السلطة والثروة من دون الناس ولا شيء غيره، ويوم أن يتم فصل هذا عن ذاك سيعود للدين قوامه الحق كضرورة روحية واخلاقية وللشريعة الإنسانية قوامها في تنظيم شؤون البشر كحق لهم منهم وإليهم وعملاً بقوله تعالى: (وامرهم شورى بينهم) والدين لله والوطن للجميع.