لن يجد القارئ قصة تحمل عنوان المجموعة كما جرت العادة، وهو تساؤل أساسي حيّر غالبية القراء.
اليد التي ثبتت الزمن والتقطت صورة الطفلة المنشطرة على لعبة الأحصنة الدوارة “رسول المعرفة” التي غيرت حياة صاحبتها للأبد، اليد التي كسرت الأشواك بداخل طباخ “الزُّربِيان” ثم احترقت كاشفة عن تحولات عدن المدينة التي أحبها، وتلك التي أحبها “.
منذ الطفولة وأنا شغوفة بتفحص أيدي الآخرين، إنها تشي بهم أكثر مما يتوقعون، هناك اعتقاد بأنّ العين هي روح الإنسان، وخبيئته، وأنا أعتقد ذلك عن اليد أيضًا، أما المرآة فهي الانعكاس، وهي الكذب والحقيقة، وهي أيضًا الفاصل بين عالمين، المرآة ضرورية، صادقة بقدر ما هي مخادعة، العلاقة بين اليد والمرآة وطيدة “
ما يرضيني بشكل كاملٍ هو أن يجد كل قارئ شيئًا يخصه في المجموعة”.
* ” الإنسان وحيد تمامًا في رحلته الوجودية “
*”أنا مهتمة بتقديم صورة اليمني العادي أيضًا، الذي له صورة سرديّة بعيدًا من الحروب والصراعات السياسية. “
*” لقد خلقتني هذه المجموعة بقدر ما خلقتها”.
………………………..
تُؤكد مجموعة “اليد التي علّقت المرآة”، من الصفحات الأولى، امتلاك كاتبتها زمام اللغة، ولا محدودية خيالها، إذ تشكل الكاتبة اليمنية هدى جعفر من قصصها السبع، عشرات المجازات والصور والأفكار المدهشة. دمى ولوحات وحيوانات حقيقية ومحنطة ومزيفة، بحر وجبال وبيوت يدخلها الغيم، نجوم ونسور محلقة في سماء زرقاء لا نهائية، وساعات متوقفة وألعاب وجنيات وشياطين، فؤوس ومطارق و”مقامع من حديد”… خليط يبدو غير متجانس للوهلة الأولى، أو ربما يصلح كنواة لصنع عوالم متخيلة ومصطنعة، لكنها تغزل منه بمهارة حكايات من لحم الواقع اليمني، تذكرنا بالصورة القديمة التي كدنا ننساها لتلك البقعة الساحرة من العالم، أحد المنابع الأساسية لفن الحكي، كنز الحكايات والألغاز والأساطير. المفاجأة ربما تكون فقط في أنه كتابها الأول.
لن يجد القارئ قصة تحمل عنوان المجموعة كما جرت العادة، وهو تساؤل أساسي حيّر غالبية القراء. لكن الكاتبة تركت مفتاحاً في الصفحات الأولى من مجموعتها، لتؤكد من البداية على الطبقات المتعددة التي تحملها النصوص، وأن كل شيء وُضع تماماً في محله، وأنه لا وجود للصدفة حتى في ترتيب القصص داخل الكتاب. الإشارة جاءت بالتحديد في التساؤل عن الراقصة عنايات أبو سنة، البطلة الحقيقية لمسرحية “شاهد ما شافش حاجة” الشهيرة: “لماذا تستند المسرحية على قتل الراقصة، لكنها؛ أي الراقصة، لا تظهر على المسرح مثل باقي الأبطال؟ هل يكون الحضور عن طريق الغياب؟”. من هذا المفتاح، يمكننا تتبع تلك اليد الغائبة/الحاضرة والموزعة على قصص المجموعة بالكامل. اليد التي أسالت الشِّعر على لسان الشاعر، والمبصرة التي يشكل بها النجار تحفه المتروكة في بيوت الآخرين، يد “سجينة الوقت” التي علقت الساعات المتوقفة بعدما انتهكت صاحبتها أيادي لا حصر لها، اليد التي ثبتت الزمن والتقطت صورة الطفلة المنشطرة على لعبة الأحصنة الدوارة “رسول المعرفة” التي غيرت حياة صاحبتها للأبد، اليد التي كسرت الأشواك بداخل طباخ “الزُّربِيان” ثم احترقت كاشفة عن تحولات عدن المدينة التي أحبها، وتلك التي تنتزع صاحبتها سعادتها بنفسها وتعيد الروح للحيوانات الزائفة لكنها لا تجد من يقنعها بجدوى استمرار حياتها نفسها، واليد التي نحتت جسد مسعود ثم أضافت حلمة أنثى في منتصف جبهته لتكشف الجهل وتفضح الخرافة.
وأخيراً اليد التي كتبت هذا كله وعلقته كمرآة يرى فيها كل شخص انعكاسه وصورته على حقيقتها.
تؤكد هدى في حوارها معنا هنا، حضور اليد والمرآة في كل قصص المجموعة، فتقول: “منذ الطفولة وأنا شغوفة بتفحص أيدي الآخرين، إنها تشي بهم أكثر مما يتوقعون، هناك اعتقاد بأنّ العين هي روح الإنسان، وخبيئته، وأنا أعتقد ذلك عن اليد أيضًا، أما المرآة فهي الانعكاس، وهي الكذب والحقيقة، وهي أيضًا الفاصل بين عالمين، المرآة ضرورية، صادقة بقدر ما هي مخادعة، العلاقة بين اليد والمرآة وطيدة، فكل مرآة تقابلنا، هناك يد ما اختارها قدر ما كي تعلّقها، واليد والمرآة كلاهما حاضران في كل القصص، بكل أشكالهما ومعانيهما المتسعة، الظاهرة والمتوارية”.
هدى باحثة في الجندر وناقدة فنية وأخيراً كاتبة قصة. لكن هذا الترتيب لم يكن هو نفسه في الواقع، فالحقيقة أنها بدأت الكتابة الأدبية قبل النقد السينمائي وفي أثنائه أيضًا، “كتبت قصصًا قصيرة، ونصوصًا سردية، عن الحرب، والمدن، والنزوح، والفنون، بكل التساؤلات الصغيرة والكبيرة، كتبتُ كثيرًا من دون أن أنشغل بالأجناس الأدبية التي تقولب الإبداع أحيانًا وتؤطره في إطارات ضيقة”. تتمنى أن تظل شغوفة بالكتابة وقادرة عليها، لأنّها برأيها فعل شاق للغاية، ويستهلك الكثير من الوقت، “أطمح أن أستمر في كتابة نصوص وقصص جيدة تحفر عميقًا في القارئ، تضيء بعض زواياه وتُظلم أخرى، وتجعله يضحك ويدمع ويفكّر ويتذكّر”.
تقول هدى ” إن المجموعة استغرقت قُرابة عام ونيف من الكتابة اليومية، والحذف، والتعديل، والقراءة، والتمحيص، بالإضافة إلى الجهد البحثي أيضًا: “كنت بحاجة إلى التأكد من بعض المعلومات التاريخية، والسياسية، والفنيّة، وغير ذلك”، وأرسلتها للنشر فور أن أخبرتها “هدى القارئة” بأنّها جاهزة.
…
التأويل مسألة مهمة جداً لقراءة المجموعة وفهمها.. فالقصص ليست بالبساطة الظاهرة، هناك أفكار أعمق وراء كل حكاية، وبعض القصص لا يبوح بأسراره من القراءة الأولى ويحتاج لإعادة قراءة. أنت تفترضين في القارئ الفطنة والذكاء لكن ماذا لو توقف عند الحكاية الظاهرية.. بشكل عام ما هي رؤيتك لمسألة الفهم والتأويل وأنت كاتبة النص؟د
ما يرضيني بشكل كاملٍ هو أن يجد كل قارئ شيئًا يخصه في المجموعة، فمن أراد أن يقف على الحكاية الظاهرة، له هذا، ومن أراد أن يكشف عن المختبئ تحت الصور، والتراكيب، والأصوات، والروائح، له هذا أيضًا. أبلغتني قارئة أنّها ترى إشارة واضحة إلى معاناة الأطفال ذوي الخيال الواسع في “لحظة كوداك عند الأحصنة الدوّارة”، وهناك من وجدها قصيدة في رثاء الزمنِ المنفلت. قارئ آخر وصل إلى أنّ “الباب وأنا وعنايات أبو سنة” تشير إلى مستويات التلقي لدى المشاهد، وهناك من أدهشتني بأنّها رأتها احتفاءً بالكتّاب والكتابة وهذا هو معنى القصة بالفعل! كل هذه التأويلات والقراءات تسعدني للغاية.
الكتابة طبقات متعددة من الرموز، في كل قراءة تظهر قشرة جديدة، وفي هذه المجموعة عوالم كاملة من الأفكار، والرؤى، والأحلام، وتساؤلات الهوية، والخوف، والفقدان، ومعنى أن تكون موجودًا في زمن معين ولحظة معينة، ولكل قارئ الحق في أن يغرف منها كما يشاء.
بالمناسبة متى تفكرين في القارئ؟
* في الزمن الحالي أصبح الكاتب يعرف رأي القارئ بشكل مباشر، ولهذا الموضوع جوانبه الحسنة والسيئة، والكاتب الجيد هو قارئ جيد بالضرورة، والقارئ الأهم لدى أيّ كاتب، من وجهة نظري، هو نفسه.
الطفلة المنشطرة في “لحظة كوداك” تتكرر بأشكال مختلفة، فمعظم الأبطال لديه وجوه أخرى خفية تظهر على فترات مختلفة ومتباعدة. كما أن كل أبطال المجموعة تقريباً يعانون العزلة والوحدة؛ العلاقة مع الألعاب والتماثيل والحيوانات تجسيد واضح لعزلتهم. ما الذي تمثله لك هذه الأفكار؟
عن نفسي لا أرى العلاقة مع التماثيل والألعاب والحيوانات، تجسيداً لعزلة الأبطال، بل تدل على نهمهم الروحيّ، وشفافيتهم وانفتاحهم في علاقتهم بما حولهم، لكن يرضيني أن ترى أنت عكس ذلك، وهذا بالضبط ما قصدته عندما تحدّثت عن مسألة التأويل. أما بالنسبة إلى عزلة الأبطال، أو العزلة بشكل عام، فأنا مؤمنة بأن الإنسان وحيد ومعزول في مراحل حياته كافة، وبأنّ الإنسان يسعى إلى العزلة بشكل غريزي حتى وإن لم يفطن لذلك، وهذا شيء إيجابي من وجهة نظري وليس سلبيًا بالمناسبة، وأقصد هنا أنّه وحيد ومعزول في اختبار تجربته حتى لو خاضها مع آخرين، الإنسان وحيد تمامًا في رحلته الوجودية، وهنا تكمن إحدى معجزاته، وأعتقد أنّ الأدب برمته قائم على فكرة الانعزال القدري هذا. وبالمناسبة، أود أن أذكر عبارة أرسلها لي أحد القراء واصفًا أبطال المجموعة، واعتبرتها أجمل عبارة وصلتني عنهم: “كلهم ذهبوا إلى عالمٍ أتمنى أن أذهب إليه”.
في قصة “نصف بصلة” تسردين الحدث الواحد بوجهتي نظر. وفي “حديث عن الساعات” تستخدمين صيغة نسوية لحكايات ألف ليلة. في مثل هذه النوعية من القصص، ما الذي يشغلك أكثر.. الموضوع أم التقنية؟ أم أن الموضوع هو الذي يحدد التقنية أو الشكل الفني؟
* أنا مشغولة بالقصة، كيف تبدأ وكيف تنتهي، والقصة هي التي تحدد شكلها الفني بنفسها، وما يترتب على ذلك من صور، ولغة، وحجم. وهذا التباين في المجموعة يرضخ بشكل رئيسي لموضوع كل قصة على حدة، وما يحمله من إشارات، وإحالات، وإسقاطات، وانتقالات بين الحقيقة والخرافة، بين الواقعي والفانتازيا، بين الوضوح والضبابية.
بمناسبة الحديث عن الحجم، بدأت قصص المجموعة بالحجم “المتعارف عليه” للقصص القصيرة ثم زادت مع القصة الثالثة. في رأيك، ما هو الحجم المثالي للقصة القصيرة إن وجد؟
* الاختلاف في حجم القصص كان خاضعًا لموضوع القصة، فحجم “الباب وأنا وعنايات أبو سنة” مثالي بالنسبة لموضوعها، وطول “شعرة في صحن العالم” مثالي بالنظر إلى موضوعها، أما إذا خرجت القصة عن سيطرة الكاتب، وهذا متوقع، فإنّ لكل حادثٍ حديث. بالمناسبة، كانت هناك قصة ثامنة في المجموعة، وبعد الانشغال لعامٍ كامل في كتابتها، رأيتُ أنّها أطول من أن تكون قصة قصيرة، وإذا أصرّيت على كتابتها كقصة قصيرة فسأهدرها وأضرّ بالمجموعة، لذلك استبعدتها.
لكن قصة “شعرة في صحن العالم” مثلاً كتبت بطموح روائي، إن صحت العبارة. ليس فقط لحجمها الكبير، لكن أيضا لبناء ورسم الشخصيات الذي ربما أوحى بنمو وبنهايات أبعد، بعكس النهاية المبتورة التي انتهت عليها فعلاً.. إلى أي حد تصح هذه الرؤية؟ يقودنا هذا إلى السؤال التقليدي أيضاً حول مسألة الطموح لكتابة الرواية أو استمرار الإخلاص للقصة القصيرة؟
قصص المجموعة كلها كُتبت لتكون قصة قصيرة منذ البداية، والنهاية “المبتورة” كانت مقصودة ومتسقة مع ما سبقها من الأحداث، وأي نهاية أخرى ستضعف مغزى القصة برمّته، من وجهة نظري طبعًا. يرى البعض أنّ كتابة القصة القصيرة هي مرحلة من مراحل الرواية، بمعنى أن الكاتب “يُجرّب” نفسه في كتابة القصة، فإن نجح، عرف أن بإمكانه كتابة رواية! وكأنّ القصة القصيرة محطة انطلاق ذات خط واحد، هذه وجهة نظر لا تنطبق علي، ولا أتبناها، لقد اختُرت القصة القصيرة بوعيٍ كامل، لحبي لها أولًا، ولإيماني بأنّ القصص التي في حوزة خيالي يناسبها هذا الشكل الأدبيّ. القصة القصيرة مُنجز إبداعي هائل ومؤثر، وهي قادرة على حمل الكثير من الإشارات، والمعاني، والأفكار، بشكل مكثّف وموجّه ويصيب الهدف كأفضل سهمٍ من كِم سو-نيَنغ، رامية السهام الكورية الأعظم في التاريخ.
ما تفسيرك لغياب الثورات والأحداث السياسية الحالية عن المجموعة، رغم قربها وهيمنتها أحياناً؟
* القصص كلها تدور في الزمن الحالي لليمن، باستثناء قصّتين، والكثير من القراء اليمنيين أو المطلعين بشكل كبير على الوضع اليمني سيعرفون ذلك من إشاراتٍ بسيطة، مقتل الرئيس على سبيل المثال، هذا حدث مهم ودال للغاية. القصة الوحيدة التي تدور في زمن بعيد نسبيًا كانت “شعرة في صحنِ العالم”، فهي تغطي أربعة عقود تقريبًا، من الأربعينيات وحتى مطلع الثمانينات ورغم بعدها النسبي زمنيًا، فهي تصبُّ في تداعيات حاضرنا كيمنيينفالنهاية التي لاقاها البطل تُلقي بظلالها القاتمة على يمن اليوم وعلى معاناته، ولا يختلف في ذلك أيضًا “حديث عن الساعات” و”صلاة مسعود” بكل ما تحملها هذه القصص من حمولات سياسية ونفسية واجتماعية تتناول أحداث اليمن حاليًا، حسب وعيي ومفرداتي وأسلوبي الأدبي. فليس بالضرورة أن أذكر الثورة أو الحرب لفظًا صريحًا حتى أتحدّث عنها أو عن آثارها، أعتقد أنّ هناك استهلاكًا وتكرارًا مضرًّا في طريقة تعاطي الأدباء والكتّاب لمسألة الحرب والصراع العسكري الذي تعيش فيه دول منطقتنا، واليمن بالذات. بات من الضروري تعاطي الموضوع من زوايا جديدة وغير مطروقة.من ناحية أخرى، أنا مهتمة بتقديم صورة اليمني العادي أيضًا، الذي له صورة سرديّة بعيدًا من الحروب والصراعات السياسية. يمنيون تُصادفهم مشاكل وتعقيدات تُشبه ما يحدث لأي شخص في العالم، مثل بناء علاقة فريدة بين طفلة وراقصة مقتولة، أو بين طفلة وحيوان برمائي، هناك صورة أدبية لليمني آن الأوان لتغييرها، بعيدًا من الكليشيهات، والقوالب الجاهزة، والصورة المُحدّدة سلفًا.
وكما أشرت سابقًا، فالقصة بموضوعها هي التي تحدد زمانها ومكانها، لا أفهم معنى أن يجلس الكاتب ثم “يتعمّد” أن يذكر حدثًا سياسيًا، أو مكانًا، أو زمانًا بعينه، هذا شيء غير مفهوم بالنسبة إلي.
في ظني كنت موفقة جداً في الحديث بصوت الرجل في بعض الأجزاء، ورغم ذلك هناك تعليقات تعتبر المجموعة “نسوية”. .هل تكتبين بمنطق تبني القضية النسوية؟
* تستحوذ على الآخرين فكرة تصنيف الأدب، أدب رجالي وأدب نسائي، هذا لا يحدث مع مجالات أخرى، ولا يحدث مع الكتّاب الرجال أيضًا، عن نفسي لستُ مهتمة بهذا التصنيف، في المقالات التي تناولت المجموعة، ذُكر أنّ من مميزاتها الخروج عن الصورة النمطية للكاتبة الأنثى، المحصورة في الكتابة عن الأنثى، وأنّ الكاتبة نقلت هموم كلا الجنسين. وأنقل فقرةً من مقال الناقدة المصرية شيماء مصطفى المنشور في موقع “نقد x نقد”، فتقول الأستاذة شيماء عن المجموعة: “اقتحام استراتيجي ممنطق ومتقن لعوالم الرجال وصراعاتهم بجرأة تُحسب للكاتبة”
وأنقل أيضًا من مقال الدكتور والأكاديمي فارس البيل، من مقاله المنشور في موقع “ميدل إيست أونلاين”، قوله بأن الكاتبة برعت “في استكناه الوجع من منظور الجنسين بلا فوارق بيولوجية يمكن أن تلفت القارئ من الجنسين، لتحمل هموماً مشتركة أكثر”.
ومن ناحية أخرى، أنا مؤمنة بشكلٍ كامل بأنّه لا يُمكن تفكيك قضايا النساء وتحليلها، من دون النظر إلى الرجال، فكلاهما ضروري لتفسير الآخر، والقضيتان يغذي بعضهما البعض الآخر، أؤمن بقضية الإنسان، إناثًا وذكورًا، وبالإنصات لكليهما تكتمل اللوحة الإنسانية، وبالتالي الأدبية والإبداعية..
ارتباطك بالسينما فرض ما يشبه التوقع لتأثيرها في كتابتك. لكن يمكن القول أيضاً أن التأثير لم يأت بـ”الشكل المتوقع” سوى في القصة الأولى التي تستدعين فيها مسرحية شهيرة. لكنه جاء بأشكال أخرى متوارية، كالمشهدية وتقطيع اللقطات والفلاش باك في قصص أخرى. هل كانت هذه الحسابات في رأسك وقت الكتابة وكيف تنظرين بشكل عام لفكرة التأثر بالسينما؟
* كل الفنون التي يتلقّاها الكاتب تظهر في كتابته، من موسيقى، وسينما، وشعر، ولوحات، وأدب وغير ذلك، وقبلها بالطبع كل المعارف والتجارب الأخرى، من أخطر وأصعب التجارب مثل الاقتراب من الموت، أو التحرش، أو الفقدان، إلى أبسطها وأكثرها روتينية مثل الذهاب إلى العمل، أو الطهي، أو اختيار الملابس، كل ذلك يحضر في الكتابة ويتسرّب إلى النص رغمًا عن الكاتب/ة.تأثير السينما فيّ كبير، لقد استلهمتُ، على سبيل المثال، “تأثير كوليشوف” في كتابة فقرة من إحدى القصص، وهو من أشهر تقنيات المونتاج، وتتلخص فكرته في إيهام المشاهد لاشتقاق معنى معيّن بناءً على ترتيب معين لصورتين أو أكثر، من ناحية أخرى فإنّ فكرة الكتابة تشرع بالتشكّل عندما تومض في خيالي في هيئة مشهدٍ سينمائي بممثليه، وموسيقاه، وألوانه، وإن لم يحضر هذا المشهد فلا يمكن أن أبدأ في الكتابة على الإطلاق.
لقد كنتُ محظوظة كوني ناقدة سينمائية إلى جانب الكتابة الأدبية، لقد أفادني ذلك في الكتابة لأقصى حد، والمفاجأة أنّ الاشتغال على مجموعتي أثرى رؤيتي النقدية، وجلاها، ونمّقها أكثر من ذي قبل، لقد خلقتني هذه المجموعة بقدر ما خلقتها.