محمد عبد الوهاب الشيباني: قارئ جديد يتشكل الآن له اشتراطاته الوجودية
نوستالجيا كان الحوار عام 2010
- مجموعة مرقص: حياة تستقطع من فيوض معتمة في الخارج المغلق
–اليومي ومبذولاته اللامحدودة أشبه بمخزن مفتوح تزدحم في فضاءاته موتيفات وتفاصيل مهولة، منتجة بواسطة فعل غير متقطع، فعل تتآلف الطبيعة والكائنات في حضوره في الحياة لقيمة وجودية.
– في ” اقدام تتهيأ لركل المديح” حاولت فيها تقديم النص المتخفف من الصورة وظلالها الغنائي لصالح “التبصير” والمشاهد الملتقطة من مرسوم الشخصيات واحتشاداتها في اليومي المتاح أمامنا.
– أخاف فقط إن تتحول لعصا جلاد ضد خصومها إذا ما سيطرت كلياً على المنبر والخطاب بذات الطريقة التي سلتها الأشكال الأخرى.
– محمد عبدالوهاب الشيباني أحد الأسماء البارزة في الحركة الشعرية اليمنية الحديثة. في مجموعته الجديدة يذهب إلى لغة المرقص وعوالمه المتخفية بالصخب، ليكتب نصاً ينزاح لشعرية مختلفة. حول هذه المجموعة وفضاءات الكتابة لديه حاورناه. ؟ في مجموعتك الأخيرة “مرقص” نجد اشتغالاً على موضوع واحد. ما هي هواجسك في بناء النص/ الكتاب.
*أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى التي حملت عنوان “تكييف الخطأ” عام 2001، و أعقبتها عام 2003 بمجموعة “أوسع من شارع.. أضيق من جينز”، وفي عام 2004 أصدرت مجموعة “مرقص.. الليل محملاً بحصته الثخينة”، وفيها حاولت إنتاج نص مختلف لم يقارب في انصرافاته المجموعتين السابقتين، ليس فقط على مستوى الشكل، بل تجاوزها إلى الأسلوب، وقد رأت فيه بعض المقاربات النقدية (نسقاً جديداً لكتابة قصيدة تغادر فضاءاتها الشعرية لتغدو أداة من أدوات السرد الروائي، إلا أنها تنحاز إلى تدوينها الطباعي منذ النص الأول)، وأظن أن موضوع الاشتغال قد فرض هذا الأسلوب، فالمكان المتعين بمشغولاته من الكائنات التي تقيم فيه، وداخل لحظتها الزمنية، حقق مبذولاً سردياً للكتابة، أتاح لراو ممتلئ بالحكايا رصد حياة الليل في مرقص، مؤثث بسير وأفعال من يمدوه بالحياة كل ليلة من نساء ورجال، ليستمدوا بدورهم حياتهم من التباسات شتى. حياة تستقطع من فيوض معتمة في الخارج المغلق، وتتكثف في الداخل في علبة ليل بتفاصيل كثيرة، انتظمت جميعها في خيط واحد، أفضى إلى إنتاج نص واحد، أُستوعِب في كتاب، تحققت قصدية التأليف فيه بوصفه منتوجاً شعرياً، حسب بيانات الغلاف. أستطيع القول إن موجه الكتابة في “مرقص” كان الرغبة في إنتاج نص مختلف، وجد في خصوصية الموضوع المشبّع بالتفاصيل حاضنته التأليفية ليغدو النص كتاباً. فلتر العين
https://www.enzyahat.com/studies/878
( رابط قراءة فتحي أبو النصر لمجموعة مرقص كانت انزياحات نشرها قبل أشهر.. تنشر للتذكير فقط بهذه المجموعة الفاتنة الإشكالية)
– اليومي ومبذولاته في قصيدتك يبدو مشغولاً بكثرة. من أي زاوية يمكنك التقاط الشعري فيه؟
* اليومي ومبذولاته اللامحدودة أشبه بمخزن مفتوح تزدحم في فضاءاته موتيفات وتفاصيل مهولة، منتجة بواسطة فعل غير متقطع، فعل تتآلف الطبيعة والكائنات في حضوره في الحياة لقيمة وجودية، أبسط تمثيلاتها تتكثف في الوجوه والأمكنة الرازحة تحت سيريها غير المتخففة في الغالب، لتتيح لكل واحد منا الإحساس بها (بنسب متفاوتة طبعاً). عند قليلين تتحول هذه الأحاسيس إلى لحظة كتابة، تلعب العين فيها دور “الفلتر” الذي يوصل الصورة الحيّة النقية بالوعي واستبطاناته. في هذه اللحظة تقريباً أظن أني أعمل، في إنتاج النص الملتقط من العين لتسلمه للغة، تحاول إمداده بحيوات التوصيل. الكتابة بهذا المعنى لم تعد عندي فعلاً للتعالي اللغوي والتهويم وإفراغات الفذلكة والتعقيد، والشعري ليس كائناً نستجلبه من خارج مُدركاتنا لنجلد به القارئ.. الشعري شيء بسيط نقيم فيه ومعه ويحتاج فقط لتواضع ما لالتقاطه، ليمدك هو أيضاً ببساطته ليحيا على الورق.
– نصوصك الجديدة الخالية من الصور الشعرية هل قربتك من القارئ. ثم هل يهمك القارئ؟
– بعد إصداري لمجموعة “مرقص” قمت بتهيئة مجموعتين جديدتين، الأولى تحمل عنوان “أقدام تتهيأ لركل المديح” والثانية تحمل عنوان “نهار تدحرجه النساء”، لكني لم أقم بإصدارهما في كتب حتى الآن، وإن كانت الأولى قد نشرت كاملة في مجلة “انزياحات” التي يشرف عليها الزميل الشاعر فتحي أبو النصر، وحاولت فيهما تقديم النص المتخفف من الصورة وظلالها الغنائي لصالح “التبصير” والمشاهد الملتقطة من مرسوم الشخصيات واحتشاداتها في اليومي المتاح أمامنا. شخصيات تجتهد لتقديم حضورها في الفعل الذي لا يحتاج سوى لاجتهاد الكاتب، وخبرته في تركيب هيكله أو شكله الخارجي. نص بسيط كبساطة شخوصه وتلقائيتهم غير المكترثة بضجيج الصورة وبهرجاتها. المستهدف من الكتابة (المنشورة) على الدوام هو القارئ، وبهذا المعنى كل كاتب يبحث بالضرورة عن قارئ ما دام اختار طريق النشر. تبدلات المتلقي والتوصيل خلقت قارئاً متبدلاً أيضاً، وكسرت بذلك الصورة النمطية للقارئ (المتلقي) ذلك المتربي في أذهاننا منذ زمن طويل. قارئ جديد يتشكل الآن له اشتراطاته الوجودية التي تتحقق في القراءة وأدواتها التوصيلية وآلياتها المختزلة في اللغة.
ملاحظة : لقراءة مجموعة ” أقدام تتهيأ لركل المديح” تجدونها كاملة على بصيغة pdf إذ كانت انزياحات 2010 نشرتها كديوان العدد اضغط على رابط العدد2222
نبتة شيطانية
– أصبحت قصيدة النثر مكرسة عبر مهرجانات ومؤتمرات واحتفالات.. ألا يفقدها ذلك بريق التمرد والرفض وتحويلها إلى مؤسسة؟
*خلال عشر سنوات الألفية احتضنت أكثر من عاصمة عربية مهرجانات وملتقيات ومؤتمرات خاصة بقصيدة النثر، لعبت التكوينات الثقافية من خارج المؤسسة الرسمية الدور الأبرز في الإعداد والتنظيم لها، هادفة من ذلك إنتاج لحظة جديدة لمقاربة تشكل شعري لم تزل الحاضنة الثقافية العربية بكل مراتبها (المدرسية) من المدرسة إلى الجامعة تنظر إليه بوصفه نبتاً شيطانياً. حضورها بهذا الضجيج المنبري حتى هذه اللحظة أراه جزءاً من تمردها ورفضها للاستكانة والهمود. أخاف فقط إن تتحول لعصا جلاد ضد خصومها إذا ما سيطرت كلياً على المنبر والخطاب بذات الطريقة التي سلتها الأشكال الأخرى.