حوار

“في الأدب لا تفيد النصائح”… حوار مكثف مع الروائي اليمني علي المقري

انزياحات – عن  رصيف 22 – صلاح الواسعي

 

علي المقري كاتب وروائي يمني، من مواليد تعز، اليمن، 1966، نال العديد من الجوائز العربية، وحاز على وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة فارس. له عدة روايات، منها: “اليهودي الحالي”، “بخور عدني”، “طعم أسود رائحة سوداء”، “بلاد القائد”، و”حرمة”، أيضاً كتابه الذي أحدث ضجة قبل سنوات “الخمر والنبيذ في الإسلام”. ترجمت مؤلفاته إلى عدة لغات منها الإنكليزية والفرنسية والكردية. ولأن الحديث عن الكتابة لا يمل، فإن الحوار يقترب كثيراً من تجربة المقري السردية لكي نتعرف على تفاصيل دقيقة من حياة الكتاب ورؤيته تجاه الكتابة والإبداع.

رواية “بخور عدني” للكاتب اليمني علي المقري

أين تلقيت دروس الكتابة الأولى؟

باستثناء تعلّم القراءة والكتابة وتحليل النصوص الأدبية أثناء الدراسة النظامية لم أحصل على إرشادات مباشرة لكتابة القصّة والرواية، فقد كنتُ أقوم بجهد ذاتي للتعلّم من خلال قراءة تلك التعليقات التي تتناول تقنيات القص ومقارنتها بالمنجز السردي العربي والعالمي الذي تتبعته في مختلف مراحله التاريخية.

ولم أتقيّد بالتأكيد بكل هذه التعليمات وكان لدي شغف بأولئك الكتّاب الذين يقومون بأعمال تجريبية لا تتقيّد بالنهج السردي التقليدي.

ورش الكتابة كيف تسهم في خلق كتاب مبدعين؟

تسهم في تعلّم الكتابة لدى أولئك الذين لديهم استعدادات أوّلية، أو شغف لممارسة الكتابة، خاصة إذا أقيمت هذه الورش من قبل كتّاب أو خبراء في فن الكتابة، ويتعلق ذلك في بناء النص كاملا من حيث تنقلات السرد أو تركيب الجملة والفقرة.

هل بإمكان المرء أن يصبح كاتباً بالتعلم، كأن يتلقى دروس الكتابة في معهد أو جامعة؟

إذا كان لديه شغف للكتابة فيمكنه أن يتعلّمها، إذ لا يكفي الشغف وحده لممارسة الكتابة. فالكتابة لغة وبناء وأنساق متناغمة لا يمكن معرفتها إلاّ بالتعلّم، حتى حين يريد أن يخرّب هذا البناء أو الأنساق الفنية التقليدية فإنّه بحاجة إلى خبرة سردية وفنية. ليس المهم، طبعاً، مكان هذا التعلّم وسواء علّم نفسه بنفسه أو علّمه آخرون.

رواية “طعم أسود… رائحة سوداء” للكاتب اليمني علي المقري

ما هو الخبر الذي تحمله رواياتك: بلاد القائد، حرمة، بخور عدني، اليهودي الحالي، طعم أسود رائحة سوداء، إلى العالم؟

الخير كلمة عامة، أو شمولية، لا يمكن اعتبارها هدفاً لسرد فني قائم على اللايقين أو الأسئلة. وأظن أن من هذا المنطلق يمكن أن تكون هناك قراءة مختلفة لهذه الأعمال.

ما هي طريقة على المقري في اختيار شخصيات رواياته؟

أحياناً تأتي من خلال تصوّرات أولية للنص المراد كتاباته أو تتخلّق أثناء الكتابة، ويشمل ذلك كل تفاصيل بناء الشخصية وحياتها.

قلت في حوار لك إنك تحلم بالعودة لليمن لكي يعود لك المزاج القديم وتواصل مشروعك الكتابي. هل هناك علاقة بين المكان والكتابة؟

هناك ارتباط حميمي في المكان يُكتسب، أحياناً، بسبب الاعتياد اليومي والمعاش، أمّا محفزات الكتابة فهي موجودة في معظم الأمكنة سواء كانت صاخبة أو هادئة. وهذا يعود لهواجس الكاتب الذاتية وما يفكّر به أو يراه.

ما الذي يجعل باريس محطة جميلة لعيش الكتاب والروائيين؟

باريس مدينة مليئة بالحياة، يكفي أن تجلس في مقهى أو على كرسي في انتظار المترو لكي ترى شخصيات محفزة على الكتابة والتساؤل. أظن أن باريس هي خلاصة العالم، ليس بتعدد وجوه الإنسان فيها فقط وإنّما أيضاً بتاريخ هذا الإنسان وحاضره بكل تفصيلاته.

اليوم أصبح على المقري عنواناً لجيل كامل من الكتاب في اليمن، هل تشعر بالزهو حيال ذلك؟

أنا أرى دائماً أن الحركة الأدبية لا تقوم على فرد وحيد وأوحد. كنت دائماً ضد الصنمية الأدبية لأنّها تضيّع، بل وتحبط تطلعات كثيرين، يطمحون لتحقيق ذواتهم. أنظر مثلاً إلى التجربة الأدبية في مصر، فالعرب والعالم التفتوا إليها لأنّها قدّمت أسماء كثيرة فهي بلد طه حسين ويحيى حقي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس كما هي بلد أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وكبار المخرجين السينمائيين والممثلين والتشكيليين. فقدّموا جميعهم مصر التي نحب كما قدمتهم مصر للعالم، ولم يطغى اسم على بقية الأسماء. لهذا أظن أن هذا الجيل اليمني ينمو بالكل وأنا أحدهم.

رواية “حرمة” للكاتب اليمني علي المقري

 

عملت في الصحافة، هل العمل في الصحافة بالنسبة للكاتب يفيده في أن يصبح روائياً أو قاصاً أو كاتباً بارعاً؟

من خلال تجربتي، أظن أن العمل في الصحافة، في مختلف أقسامها، مفيد للكاتب لكنه ليس شرطاً. فالعمل في الصحافة بمثابة تدريب يومي على استخدام الكلمات وتركيب العبارات والفقرات وليس صحيحاً أن الصحافة تضر بالأدب، فلغة الخبر فيها يختلف عن لغة الاستطلاع أو التحقيق أو المقال. ومع هذه الخبرة والقدرة على التعامل مع الكلمات يمكن إيجاد لغة سردية لها إيقاعها الجمالي الخاص.

كم تكسب من الكتابة، هل تعيش حياتك معتمداً عليها؟

عشت طول عمري وما زلت معتمداً على الصحافة والكتابة سواء من خلال عملي المهني الصحافي أو كتابة المقالات وعوائد نشر الكتب وترجماتها.

هل تكتب عملك الروائي من الوهلة الأولى أم تعيد كتابته مرات كثيرة؟

لا توجد وهلة أولى في الكتابة كما أظن، لكنها تراكمات قد تأتي في وقتها المناسب. أمّا إعادة الكتابة فهي دائمة إذ تمضي في الحذف والإضافة والتدقيق.

رواية “بلاد القائد” للكاتب اليمني علي المقري

كم ساعات يومياً تقضيها مع الكتابة؟

من ساعتين إلى ست ساعات، حسب أجواء المكان وهواجس الكتابة والمقدرة الصحية، لكن هناك الكثير من الأيّام التي لا أكتب فيها.

كيف يمكن للمرء أن يتعلم الكتابة، ثم ما هي نصيحتك للكتاب الناشئين؟

في الأدب لا تفيد النصائح، مع هذا أقول إنّه يمكن تعلّم الكتابة من خلال القراءة ودراسة الجوانب الفنية وتطور السرد وتاريخه، فيعرف الفرق مثلاً بين رواية القرن الثامن عشر ورواية القرن العشرين. إضافة إلى دراسة التجارب الأدبية المختلفة سواء عبر جهده الفردي أو عبر تعلمه بشكل مباشر من أحد الكتاب أو الخبراء. إضافة، طبعاً، إلى تنظيم الوقت. وأن تكون هناك ساعات مخصصة للقراءة والكتابة والتعلّم.

كيف هي علاقتك مع القراءة وما هي الكتب التي تقرأها؟

أقرأ باستمرار وفي كل المجالات.

حتى الآن لا توجد رواية يمنية حازت على جائزة البوكر. ما السبب برأيك؟

الرواية اليمنية لا تختلف في مكانتها عن الرواية العربية وأظن أنها ستحصل على التقدير ذات يوم.

لو عاد بك الزمن إلى الوراء هل ستختار طريق الكتابة من جديد؟

لا أعرف في الحقيقة، لم أتصوّر إمكانية عودتي على الوراء من قبل.

ما سبب تطرقك لمواضيع جدلية في التراث العربي الإسلامي، “الخمر والنبيذ في الإسلام” مثلاً وقصة الحب مع اليهودي؟

انتبهت وأنا اقرأ في التراث العربي الإسلامي إلى جانب مغيّب فيه لا يُقرأ أو يُقدّم في القراءات المعاصرة ومن ذلك مسألة الخمر والنبيذ في الإسلام، فلكثرة اندهاشي بهذا التراث المميز عملت على تناوله في كتاب خاص.

رواية “اليهودي الحالي” للكاتب اليمني علي المقري

مّا رواية “اليهودي الحالي” فهي سردية عن إشكالية إنسانية، وإن بدت أنّها تتكئ على التاريخ في صفحات قليلة منها.

كيف تنظر إلي التاريخ؟ هل يغريك ويجذبك أم يشعرك بألم؟

أنا أقرأ التاريخ عادة من زاوية أدبية، ولهذا تدهشني أحداثه ويومياته بكل تعددها وتناقضاتها.