حوار

علي المقري: صراعنا مع حداثة عربية مرتبكة

علي المقري
علي المقري

يحمل علي المقري الوطن كفكرة مرهقة. فهو الحالم المذعور من كل  كوارث النخبة غير المعقولة واللا إنسانية، لكنه الواجم الضاحك كمشاكس غريب.

والحال أن للمقري صراعاته كإنسان وكأديب مع التابوهات والسُلطات الشائكة لمجتمع محافظ، شديد المجابهة للخطاب التنويري، كما هو الحال في اليمن. ففي العام 1987 لم يُسمح بدخول مجموعته الشعرية الأولى، “نافذة للجسد”، الصادرة في القاهرة، إلى اليمن. ثم بعد نشره مقالات من كتابه “الخمر والنبيذ في الإسلام” العام 1997، تعرض لسعار من التكفير، تلاه تكفيره في العام 2006 على خلفية قصيدة بعنوان “تدليك” اعتبرت مثيرة للغرائز والاباحية.

غير أن روايته “حرمة” التي منعت في أكثر من بلد عربي، فازت بجائزة التنويه الخاص من معهد العالم العربي للرواية العربية للعام 2015 في باريس ومؤسسة جان لوك لاغاردير. الرواية التي  كُفّر بسببها المقري داخل اليمن بعدما قرر الشاعر والناقد أحمد العرامي، المدرّس في إحدى الجامعات اليمنية في العام 2013، اقتراحها لطلابه للقراءة ليتعرض بسببها للفصل من عمله والتكفير من قبل متشددين أيضاً والتهديد بالقتل باعتبارها رواية منحرفة وتشوه زوجات رجال الدين.

كان المقري اضطر للنزوح مع أسرته من العاصمة صنعاء إلى أكثر من منطقة داخل اليمن، جراء الحرب التي تدور رحاها في اليمن منذ شهور، ثم غادر عبر البحر نحو جيبوتي، ليستقر مؤقتاً في مصر. ويقول لـ”المدن”: “الإشكالية لا تتعلّق، كما يبدو لي، في وجود صراع بين الكاتب ومجتمعه المحافظ، بل تتعلّق هذه الإشكالية في تكوين المجتمع نفسه وتحولاته التي أدت به إلى هذا الحال من التقهقر والارتباك في التعامل مع الحداثة بكل تمفصلاتها. وأبرز ملامح هذه الإشكالية هي وجود أنظمة استبدادية ظلت تتعامل مع كل ما هو حداثي بانتهازية واضحة، بحيث تستخدم كل وسائل الحداثة لما يلبي بقائها بالسلطة، أمّا ما عدا ذلك فهي تعمل على محاصرة كل فكر تنويري أو أدب حر وتضع القوانين والتشريعات الدينية التي تسمح بمحاكمة ومعاقبة كل من أراد الخروج عن المؤسسة الثقافية المجتمعية التقليدية”.

تحكي رواية “حرمة” (170 صفحة – دار الساقي)، صراع الكبت والتطرف الجهادي تحت وطأة استبداد السلطة وتخلف وفقر المجتمع، فضلاً عن ازواجية المفاهيم والمعايير تجاه حصار الرغبات والتظاهر بالتدين، وصولاً إلى النظرة الشوهاء للنساء باعتبارهن مجرد “حريم”. إلا انها الرواية الاشكالية التي نالت الاعجاب لجرأتها ومناقشتها معضلة مجتمعية من جهة، ومن جهة ثانية حصد كاتبها الاستنكارات باعتبارها رديئة اسلوبياً، فيما سلكت طريقها للترجمة الى اللغتين الانكليزية والفرنسية.

وفازت “حرمة” في ترجمتها الفرنسية الصادرة عن دار ليانا ليفي، إلى جانب رواية الكاتب السعودي محمد حسن علوان “القندس” بترجمتها الفرنسية الصادرة عن دار سوي. كما ضمت لجنة التحكيم نقاداً وروائيين فرنسيين وعرباً فرنكوفونيين.

وقال المقري في كلمة ارتجالية اثناء تسلم الجائزة، وكما يذكر : “لا أعرف ماذا أقول في هذه المناسبة؛ هل أتحدّث عن روايتي “حرمة” والجائزة، أم أتحدّث عن بلدي ورحلة العذاب اليومية في الحرب؟ حين كنت أكتب هذه الرواية كان أصدقائي يسألونني: ماذا تكتب؟ فأقولفأقول: أكتب: مدام بوفاري ولكن بطريقة تظهر فيها عارية.. لا أدري هل تحقق هذا؟.. لكن مدام بوفاري، التي حوكم فلوبير بسببها قبل قرن ونيف تقريباً، ما زالت تُقرأ حتى الآن وفي كلّ مكان، فيما رواية “حرمة” ممنوعة من التداول في معظم البلدان العربية. لهذا فإن هذا التنويه بالرواية أعتبره جائزة كبرى، وتشجيعاً لي على مواصلة حرّيتي في الكتابة”.

لقد سُميت رواية المقري في ترجمتها للفرنسية “امرأة محرمة”، وفي خضم الرواية تنتقل بطلتها التي لا نعرف لها اسماً – فهي مجرد حرمة من صنعاء – إلى الرياض، فالقاهرة، فالسودان، فأفغانستان، لينتهي بها الأمر في سجن إيراني. ذلك ان حرمة وقد قبلت بالزواج من شيخ دين جهادي جلبه لها شقيقها، الماركسي السابق والأصولي الحالي، تكتشف أنها قد تزوجت عنيناً (عاجزاً جنسياً). ورغم هذا تسافر معه في رحلته الجهادية. لكن في مقابل حرمة، هناك اختها “لولا”، التي تتظاهر بالتدين الا انها في الواقع تضرب عرض الحائط كل قوانين وضوابط المجتمع فهي حرة جنسياً واقتصادياً، كما تجلب الأموال للأب الذي لا يسألها عن مصدرها، كونه يتواطأ معها ويعرف انها تبيع جسدها، فما يهمه أصلاً هو المال ولا شيء غيره.

هذا التناقض في الرواية بين الأختين اللتين يشملهما بيت واحد هو ما تتجوهر عليه الرواية التي تحتدم فيها تقنية الاسترجاع، لتكون رواية كبت وجنس وجهاد وفقر. فعندما تلقت بطلتها أغنية “سلوا قلبي” لأم كلثوم، من قبل جارها، لم تسمعها لاعتقادها أن الغناء حرام، ثم حين سمعتها بعد سنوات، اكتشفت أنها أغنية مديح للنبي محمد.

والشاهد ان انتقال علي المقري من الشعر إلى الرواية، وهو من الأسماء اليمنية المرموقة في انحيازها المبكر لقصيدة النثر، مثّل نقطة تحول وانعطافة حادة في تجربته الأدبية. وفي هذا الصدد يوضح لـ”المدن”: “يبدو لي أن قصيدة النثر، بالهيئة العربية التي تُكتب فيها، قد استنفذت طاقتها، بعد نصف قرن تقريباً من الكتابة في إطار هذا الشكل الذي أصبح يسقط في التنميط والتكرار. كانت العودة إلى كتابة السرد، بالنسبة إلي، هي استجابة لأسئلة كانت قد بدأت معي منذ أن نشرت قصصي القصيرة الأولى قبل أن أنشر الشعر. فرأيت أن كتابة الرواية تستجيب لطرح أسئلتي الوجودية القلقة فمضيت على هذا النحو”

كان المقري اضطر للنزوح مع أسرته من العاصمة صنعاء إلى أكثر من منطقة داخل اليمن، جراء الحرب التي تدور رحاها في اليمن منذ شهور، ثم غادر عبر البحر نحو جيبوتي، ليستقر مؤقتاً في مصر. ويقول “: “الإشكالية لا تتعلّق، كما يبدو لي، في وجود صراع بين الكاتب ومجتمعه المحافظ، بل تتعلّق هذه الإشكالية في تكوين المجتمع نفسه وتحولاته التي أدت به إلى هذا الحال من التقهقر والارتباك في التعامل مع الحداثة بكل تمفصلاتها. وأبرز ملامح هذه الإشكالية هي وجود أنظمة استبدادية ظلت تتعامل مع كل ما هو حداثي بانتهازية واضحة، بحيث تستخدم كل وسائل الحداثة لما يلبي بقائها بالسلطة، أمّا ما عدا ذلك فهي تعمل على محاصرة كل فكر تنويري أو أدب حر وتضع القوانين والتشريعات الدينية التي تسمح بمحاكمة ومعاقبة كل من أراد الخروج عن المؤسسة الثقافية المجتمعية التقليدية”.

(*) ولد عاي المقري العام 1966، وبدأ الكتابة مبكراً، كما عمل محرراً ثقافياً في العديد من الصحف اليمنية، ومؤخرا نال وسام الاستحقاق بدرجة فارس في الآداب والفنون الدرجة الأولى .

وعلى مدى 28 عاماً صدرت له “نافذة للجسد، مجموعة شعرية”، القاهرة 1987- “ترميمات”، مجموعة شعرية، الهيئة اليمنية العامة للكتاب، صنعاء 1999- “يحدث في النسيان”، مجموعة شعرية، اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء 2004- “كتاب الخمر والنبيذ في الإسلام”، دار رياض الريس، بيروت 2007 – “إديسون صديقي قصة للأطفال”، كتاب مجلة العربي الصغير، عدد يوليو 2009، الكويت- “طعم أسود.. رائحة سوداء”، رواية، دار الساقي، وصلت للقائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية عام 2009 -ا”ليهودي الحالي”، رواية، دار الساقي، وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2011- “حرمة”، رواية، دار الساقي، عام 2012 -“بخور عدني”، رواية، دار الساقي، عام 2014” ورواية بلاد القائد.كما شارك كعضو محكم لجائزة البوكر العربية للرواية.