* لا أخفى حبي للصعلكة وللشارع والمقهى
*لدينا في جيل التسعينيات شعراء ينتمون شعرياً لجيل الأربعينيات، ولدينا شاعر من جيل الخمسينيات ينتمي شعرياً لما بعد التسعينيات
• انشغال نصك باليومي والمهمش والعابر .. أيمثل هذا انعكاساً لذات الشاعر ؟
– هذا التوصيف الذي تطرحينه في سؤالك يقلقني .. قرأت الكثير من الكتابات النقدية التنظيرية حول ملامح الاشتغال الشعري في القصيدة التي تكتب الآن ، وجميع هذه طروحات النقدية تذهب إلى القول بانشغال النص الجديد باليومي والهامشي العابر.
وإذا كان ثمة انشغال في نصي باليومي العابر فإنني أحاول قدر الإمكان جعله انشغالاً ذاتياً بحتاً ، وأتمنى أن يكون كذلك ، بل انه هامشي الخاص.
قد يكون النقاد على صواب في نظرتهم العامة إلى ملامح النص الشعري الطازج ، لكنني أكافح في نصي نمطية الكتابة الشعرية ، أتمنى أن أكون دائماً خارج القطيع ، التشابه يفزعني ، وتعولم الذهنية الإنسانية واستنساخ آليات التفكير أمر مقلق.
يمكننا التبرير لانشغالات النصوص لدى شعراء القصيدة الجديدة بهذه المحاور واشتراكهم في الانطلاق منها من خلال النظر إلى وحدة الانشغال في نصوص الأجيال الشعرية السابقة التي تجمعها الأفكار الكبرى والأيديولوجيات والماورائيات .. بمعنى أن ثمة منطلقات شعرية تميز كل جيل شعري أو كل مرحلة شعرية.
أحمد السلامي ولكن علينا أن لا نتشابه بالضرورة، وليكن لكل شاعر أشياءه اليومية الخاصة ، ومهمشاته الأخص.
هذا السؤال يجعلني – أيضاً – أشعر بالندم لاقترابي من النقد كقارئ ، وكمساهم متواضع في كتابته على المستوى المحلي. اعتقد أن على الشاعر الاتجاه نحو قراءة الرواية وما يكتب عن السينما مثلاً والابتعاد عن نقد الشعر وتنظيراته.
النقد مرآة محبطة ينعكس على سطحها المزيد من الشك ولذلك يفشل أكبر النقاد في كتابة ولو قصيدة واحدة تغري بالقراءة.
• كم باباً فتحت ولم أجد أحداً خلفه ، الغرف ستغلق أبوابها على الوحشة ، البهجة في كأسي ولا باب ليمر المديح ، الباب القاسم المشترك بين نصوصك
أيمكنني اعتبار ذلك نوع من الحميمية تربطك بهذه الأبواب ؟
– تشيرين هنا إلى نصوص في كتابي الأول “حياة بلا باب” لم تكن المسألة ترتبط ارتباطاً مباشراً أو روحياً بحميمية تقليدية تجاه الباب من ناحية فيزيائية فجة ، كانت تلك حميمية مؤقتة ارتبطت بمحاولة إنجاز تجربة شعرية متجانسة نوعاً ما بمقاومتها قدر الإمكان لفكرة المجموعة المتناثرة من النصوص مقابل استغلال نمو تجربة شعرية يجمعها خيط ما وليكن الباب حسب اقتراحك.
كانت حميمية انتهازية لغرض إنجاز نصوص الكتاب ، لكنها مع توغلي في الكتابة كادت أن تكتسب مصداقية المعايشة لقد حاولت في هذا الكتاب أن انجز مشروعاً شعرياً لا يغادر في مشاغلة جدران البيت ، والباب محور بصري ملفت كالنافذة في أي جدار ، لكن النافذة لا تصلح إلا للانتحار الجسدي ، أما الباب فهو رمز مشترك بين الضدين: الحرية والعزلة ، لكنها أي العزلة في البيت عادة ما تكون اختيارية بالنسبة للشاعر.
لست مطالباً أمام القارئ بعمل شعري إحصائي لتفاصيل البيت ، إنما جعلت بوصلتي النفسية هي الراصد الشعري لأجواء البيت.
ستجدين في الكتاب نصاً بعنوان “صنعاء” لا أحفظ نصوصي لكني أتذكر إشارة في هذا النص إلى أن فرص التعارف تفشل في هذه المدينة ، ربما لأن جمال المكان يطغى على الأفراد ويجعل الإنسان يصادق واجهات البيوت المنقوشة بدلاً عن الأشخاص.
لا أخفى حبي للصعلكة وللشارع والمقهى ، لكن عليك لاتنسي بأن الدخول إلى صنعاء ذاتها يمر عبر “باب اليمن” ولها أبواب أخرى انمحت آثارها ، ولكن تسمياتها تفعل فعلها في النفس بحيث تجعلك في حالة شعور فيزيائي بالدخول والخروج من وإلى المدينة التي تتحول إلى بيت كبير تحس به وبجدرانه حتى وأنت في زحام الشارع.
هذا لا يعني أن المدينة مغلقة هندسياً وعمرانياً إلى هذا الحد ، لكنه لا ينفي انغلاقها اجتماعياً ونفسياً رغم شاعرية وتاريخية طرازها المعماري الذي يحاول الامتداد بتاريخيته إلى ذهنية السكان أنفسهم بحيث يمكن القول بوجود طراز إنساني اجتماعي مواز لطراز البناء ذاته.
***
فكرة التجييل
• بما أنك جيل الثمانينات ، ماذا قدم هذا الجيل في سياق لحظته الزمنية الشعرية ، ومن هم جيلك من الشعراء ؟
– تصحيحاً لسؤالك: في الثمانينات كنت طالباً في المدرسة ، بدأت أقرأ منذ أواخر ذلك العقد ، لكنني لم أكتب وأنشر إلا في منتصف التسعينيات ، في الأمر خطأ ما ، لعلك اعتمدت على ما جاء في الدراسة التي كتبها زميلي الشاعر علوان الجيلاني حول مجموعتي الأولى “حياة بلا باب” كنا ومازلنا نكذب أمام الأجيال الشعرية التي سبقتنا بأننا كتبنا الشعر منذ الأزل ، نحاول كجيل جديد الدفاع عن وجودنا .. وستجدين أن الذين انخرطوا في الكتابة قبل عامين فقط يقولون بأنهم يكتبون منذ التسعينيات.
لا أستطيع أن أتحدث كثيراً عن جيل التسعينيات الذي هو جيلي وأعتقد بأنه يحتاج لعقد من الزمن حتى تتضح ملامحه وتكتمل.
لكنني أود أن اطرح ملاحظة صغيرة حول التجييل باعتباره لا معياري في النظر إلى المنتج الشعري ، بمعنى أن النظر إلى جيل شعري ما بوصفه كتلة متماسكة ومتجانسة الأفكار أمر غير صائب.
لدينا في جيل التسعينيات شعراء ينتمون شعرياً لجيل الأربعينيات، ولدينا شاعر من جيل الخمسينيات ينتمي شعرياً لما بعد التسعينيات
غير أن هناك شعراء يحبون تصغير أعمارهم وتشييب تجاربهم .. هناك أسماء بدأت فعلاً في الثمانينات ، وأغلبهم نشروا كتباً ونصوصاً في ذلك الوقت واعتبروها بدايات منسية ويحسبون الآن ضمن التسعينين ، ولديهم تجارب ناضجة وملفتة ، وكما قلت لك لا أهمية للتجييل والتحقيب ، تمنح أصحابها تواريخ ميلاد جديد.
• تتوسد نصوصك الكثير من الغربة واليتم والضيق والانهزام. التشاؤمية ربما يكون ذلك من مقتضيات ما أصطلح عليه الحداثة الشعرية؟
– لا أهتم بالمقتضيات النظرية للحداثة الشعرية ، ولم أسمع أو اقرأ بان اليتم – مثلاً – من سمات الحداثة. أحاول دائماً أن أكون “أنا” في النص وفي الحياة، وأكتب لنفسي قبل أن أكتب للقارئ، فمن الصعب على المرء أن يضع أمامه جدولاً بمقتضيات الحداثة ، ليجعل كتابته مشمولة ببنودها.
لا شك بأن سكان العالم يعيشون جواً نفسياً مشتركاً ساهمت في تعميمه شعورياً وسائل الإعلام والاتصال بحيث أصبح الانهزام كمثال هو الشعور المسيطر حتى على المنتصرين ، لأن الانتصار يحمل في أعماقه هزيمة داخلية وشعوراً عميقاً بالفراغ.
واعتقد أن مهمة الفن والكتابة في الزمن الراهن هي مقاومة هاجس الانتحار لدى الطرفين الأكثر حساسية بين البشر وهما المبدع والمتقلي النخبوي لهذه الألوان من النشاط الإنساني.
حداثة الوعي
• كيف يمكن الوصول إلى حداثة شعرية متجددة تسعى إلى ارتياد فعل التجريب والمغامرة ؟
– لكل منا عالمه الخاص وأرباكاته الخاصة ، صحيح أن الفرد يتأثر بما حوله، ولكن الشاعر يتلذذ بالحركة الحادثة في الزمن ، وعادة ما تكون الارتباكات أراضِ خصبة لنمو تجارب شعرية متعددة داخل تجربة الشاعر الواحد.
في رأيي أن الحداثة الشعرية تعني حداثة الوعي الشخصي الفردي بما حول الكائن ، وفي رأيي أن الشاعر والكاتب هو سيد نفسه ومحرك كتابته وهواجسه .. بل إن الشاعر هو صانع التحولات الفكرية التي تسبق الواقع وتتقدم عليه وبالتالي فهو دائماً في حالة وصول وابتداء لمسير جديد .. مسير يتجدد مع كتابة كل قصيدة جديدة.
برأيك هل ارتبطت الممارسة الشعرية اليمنية بخطاب نقدي يرصد ملامحها ، ويكشف إمكاناتها الجمالية؟
هناك جهود نقدية للدكتور عبد العزيز المقالح وآخرين لكنها لم تمتد زمنياً لتشمل المنجز الشعري الجديد ، باستثناء مساهمة الدكتور حاتم الصكر الناقد والأستاذ الجامعي العراقي المعروف الذي أنجز مؤخراً كتاباً هاماً بعنوان “قصيدة النثر في اليمن – أجيال وأصوات” أفرد فيه مساحة لائقة لا شتغالات الجيل الجديد من الشعراء اليمنيين.
وهناك أيضاً إسهامات نقدية ينجزها شعراء ونقاد من داخل الجيل الشاب في محاولة منهم لسد الفراغ النقدي الملحوظ ومن بين هؤلاء محمد عبد الوهاب الشيباني ، محمد المنصور ، علوان الجيلان ، هشام شمسان ، وآخرين أغلبهم شعراء تسعينيين أحسوا بوجود خلل ما في المشهد الثقافي اليمني أساسه غياب النقد مقابل تسارع الحركة الشعرية الشابة في مراكمه منجزها الشعري.
كانت لي –أيضاً – محاولة في هذا الاتجاه أثمرت كتاباً حول المشهد الإبداعي التسعيني في اليمن ، حاولت فيه استشراف آفاق الكتابة الشعرية الجديدة وإحباطاتها.
****
أحلام الغريب
مجموعتك (ارتباك الغريب) حدثنا عن أجوائها الإبداعية؟
ارتباك الغريب صدرت هذا الشهر ، وجعلتني أشعر بدرجة من الإحباط ، أشعر أنني أخطأت في الترتيب ، كان يفترض أن تكون هذه المجموعة هي الأولى ، وليست الثانية ، نصوصها أقدم من كتابي الشعري (حياة بلا باب). للمنصات نظراً لإتكائها على موسيقى التفعيله ،وهناك نصوص جديدة تضمنتها المجموعة وهي لا تزيد عن ثلاثة أو أربعة لا أستطيع أن أجد خيطاً واحداً يجمع نصوص هذه المجموعة ، غير أن بينها جامع يوحد بينها هو أل (أنا) وأحلامها الضائعة التي هي أحلام الغريب واخفاقاته وارتباكاته.
***
اندماج إلكتروني
(عناوين) هذه الصفحات التي تحررها على النت هل ترى أن هذه الشبكة قد أوجدت علاقة جديدة بين المبدع والمتلقي في أي مكان في العالم؟
– تجربة الاندماج مع عالم الإنترنت مثيرة بالنسبة للمبدع ، وبالنسبة لي حاولت أن أتجاوز التلقي عبر الشبكة إلى النشر عبرها.
آخر ما أنجزته هو تأسيس موقع جديد قام على أنقاض الموقع السابق (عناوين) ، وكنت في الفترة السابقة أركز على النص الشعري اليمني ، ولكن انعقاد ملتقى الشعراء الشباب العرب بصنعاء جعلني أفكر بموقع عربي واسع للشعر الجديد، وأجد الفرصة هنا مناسبة لدعوة الشعراء الشباب إلى المبادرة بإرسال نتاجهم لنشره في
صدر له:
حياة بلا باب – شعر
الكتابة الجديدة_ مقالات
ارتباك الغريب – شعر
دون أن ينتبه لذلك أحد – شعر