في سطور

عبد الباري طاهر.. الماركسي الذي تأسس على نحو فقهي

عبدالباري طاهر (انزياحات)
عبدالباري طاهر (انزياحات)

عبدالباري طاهر الأهدل؛ أو الطاهر عبد الباري_ كما يحب أن يسميه صديقه وزميله الأستاذ حسن العديني. يتهيّب المرء حين يكتب عنه. كاتب وصحفي يمني مرموق يلقب بعميد الصحفيين اليمنيين كونه أول رئيس لنقابة الصحفيين اليمنيين بعد توحيد نقابتي الصحفيين في شمال وجنوب اليمن في 6 يونيو سنة 1990.

خريج آداب لغة عربية جامعة صنعاء_ تأخر في البكالوريوس بسبب المطاردة والاعتقالات. وعبد الباري طاهر علماني متدين؛ إنه توليفة صعبة من الرقي والانضباط القيمي. يستطيع أن يحاورك حتى الصباح ويقنعك أن لا تعارض بين العلمانية والدين.

تولى العديد من المناصب الإعلامية والثقافية، وهو أول رئيس لنقابة الصحفيين اليمنيين بعد توحيد نقابتي الصحفيين في شمال وجنوب اليمن في 6 يونيو سنة 1990، ونائب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب 1979، وتولى رئاسة الهيئة العامة للكتاب منذ عام 2011 إلى سنة 2016. في سنة 2014 اختارته منظمة “مراسلون بلا حدود” ضمن قائمتها “مائة بطل معلومات” التي تضم مدافعين عن حرية الصحافة في عموم العالم.

من مواليد المرواعة سنة 1941. التحق بكُتَّاب قريته سنة 1946 لحفظ القرآن وتعلم الفقه وأصول الشريعة الإسلامية، وفي عمر 15 سنة انتقل لمدينة مكة لدراسة علوم الشريعة واللغة العربية والبلاغة والنحو والصرف، وحصل على درجة الإجازة من مدرسة الحرم ومدرسة الفلاح في مكة. عمل مدرسا وموجها تربويا من 1963 إلى 1967 في محافظة الحديدة.

أكثر شيء يميز رداء عبد الباري طاهر تلك المعاوز التي لا تراه غالبًا إلا وهو يتأزر بها؛ إذ لا يلبس البنطلونات إلا حين يكون خارج اليمن. وعبد الباري طاهر من النوع الذي يحب المشي، يمشي في اليوم على الأقل أكثر من عشر ساعات. يمشي ويفكر طبعًا في المقال التالي.

دائمًا حين ألقاه يقول لي كم قصرنا بحق رفيقنا عبد الباقي شاهر – خالي – القاص والروائي الذي لم تُجمع أعماله؛ كان ينشرها في مجلة “الحكمة” و”اليمن الجديد” و”الكلمة” و”المعرفة” في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. من أهمها رواية “الفرزة” التي كان ينشرها على فصول. ومن مؤسسي “المعهد القومي للعلوم الإدارية” الذي تحول بعد الوحدة إلى اسم “المعهد الوطني للعلوم الإدارية”. وكان عميد فرع تعز أكثر من عشرين عامًا، وسكرتيرا ثانيا لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني في تعز. اعتقل وعذب بعد حرب 1994، حتى أنهم كانوا يعذبونه بإجباره على التقلب بين الأسمنت ليجمد الأسمنت تماما على جسده. تصوروا معي حجم الآلام الرهيبة التي كانت على جسده جراء هذه الطريقة في التعذيب. هذا المعهد رفد الدولة بآلاف الكوادر من المحاسبين والإداريين.

سنة 1973 التحق عبد الباري طاهر بالعمل الصحفي في صحيفة الثورة اليومية، وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة الثورة منذ سنة 1975 إلى سنة 1977، وعمل رئيس تحرير صحيفة الثوري منذ عام 1990 إلى عام 1992، وشغل منصب رئيس تحرير مجلة الحكمة سنة 2006.

كما كان المدير التنفيذي لمؤسسة العفيف الثقافية منذ سنة 2013 إلى سنة 2016. وكان عضوًا في مجمع العربية السعيدة للعناية بالتراث واللغة العربية.

وبرأي طاهر “الحياة المدنية هي الإرادة العامة للناس – كل الناس – بينما الحرب إرادة جلاوزة لا يستطيعون الاستنقاع في الحكم إلا بتسعير الحروب وإشعال الفتن، وهم بذلك يئدون الحياة، ويعتدون على كرامة الإنسانية، ويخرسون العقول، ويخنقون الكلمة، ولكن إلى حين”.

أما “المليشيات اليمنية المنتشرة في طول اليمن وعرضها، فإن بقاءها مرهون باستمرار الحرب، ولا بقاء للحرب. إنهم يستميتون في استمرارها؛ لأنهم لا يستطيعون التسيد بدونها”.

من مؤسسي الحزب الاشتراكي، عضو لجنة مركزية ومكتب سياسي وعضو أمانة عامة، لكنه قدم استقالته لأنه يؤمن أن عهد الصنمية ولى. لوحق عبد الباري طاهر بتهمة الانتماء إلى الجبهة الوطنية الموالية للنظام الماركسي الذي كان حاكما في جنوب اليمن. تنقل طاهر بين دمشق وبيروت، وكان حينها يكتب بأسماء مستعارة في بعض الصحف كالسفير والنداء اللبنانيتين. عاد بعد المصالحة بين نظامي الشطرين اليمنيين الشمالي والجنوبي ليمارس الصحافة معشوقته الوحيدة.

من مؤلفاته “اليمن الإرث وأفق الحرية” و”اليمن في عيون ناقدة” و”فضاءات القول”.

رغم كل الانتكاسات الوطنية وهو يدلف الثمانين سنة، يرى أن “الحروب مهما يكن جبروتها وقوتها لا بد لها من نهاية، وأنها عبر التاريخ الاستثناء الشاذ، وليس القاعدة؛ فالحياة دوماً أقوى من الموت؛ أو كما علمنا المفكر الإيطالي غرامشي: لا يهزم تشاؤم العقل إلا تفاؤل الإرادة”.

كذلك يشدد طاهر: “الدور المنوط بالمثقفين والمتنورين هو إسقاط حاجز الخوف”.

الذاكرة المفعمة بالتجدد، صاحب الوعي النقابي الذي لا يختلف أحد حوله، والمرجعية الوطنية التي لا تتشوه على الإطلاق.

كان ضميرنا المجنح على الدوام في نقابة الصحفيين، كما هو الاستثنائي الصلب بمواقفه المناصرة للحريات وللحقوق، ومضادنا الحيوي ضد أمراض التشيؤ والتزلف والبيع.

لم ينقلب قيمياً كآخرين على اتحاد الأدباء والكتاب الذي يعد من أبرز رواده، وما زال كما هو ذلك التهامي العنيد الطيب.

فيض التلقائية الآسرة، وتجليات الجاذبية العصامية، وكاريزما النقاء النوعي، ملتحماً بالبياض حتى حدوده القصوى.

تبدلت مواقف كثيرين خضعوا لمنطق تحولات المراحل وماديتها وفهلويتها، لكنه ظل مخلصاً لعنفوان أحلامه كما لو أنه القديس الصعب.

ماركسياً تأسس على نحو فقهي بشكل مثير للإعجاب، كما أخذ على عاتقه تعزيز مفهوم التسامح والحرية قولاً وممارسة.

ماركسياً ليبرالياً خارج نطاق التصنيف الجاهز والأحزاب الهرمة، بل أبعد عمقاً وأعلى قيمة من مفهوم المثقف العضوي.

اكتفى بالتواضع الجم وبساطة المثقف الحقيقي، بمثاليةٍ متقدة، ممتلئاً جداً من الداخل، ومنفتحاً في كل ذلك على إنسانية الإنسان باعتبارها ضالته التي لا نظير لشغفها.

ولقد ظل وما زال فارس معركة الحداثة في اليمن، شهماً ونزيهاً، لا يميز بين الإنسان والإنسان بمختلف تمظهراته على الصعيدين الفكري والروحي، بل إنه على استعداد دائم لقولة الحق، كما ظلت مقولاته تتردد، خاطفة في الذهن، ومستقرة في الروح، ومهيجة للمعنى، لأنها نابعة من صميمه العميق غير المزور على الإطلاق.

عزاؤنا في بسمته الجموحة العصية على التدجين، وهو القيمة التنويرية والتثويرية التي ستبقى ملهمة لعديد أجيال.