لن تعبروا
فالنخل والصبار والمُهج الصغيرة حرس لوحدتنا
(..)
سأغني الليلة أغنية
خضراء شجية
فليسمعني النخل وفئران القرية
سأغني أغنية ثورية
(..)
حتى أشجار التين بكت معنا
قولوا ما الصّبحُ
وما الليلُ!!
سوى قلب الفلاح الدامي
(..)
وجئتكِ من سبأ
جئت حافي اليدين وملء العيون ابتسامة
إنها مقاطع من قصائد (ذو نواس) الاسم الأدبي للراحل المهيب الأستاذ عمر الجاوي؛ الكاتب والكادر والنقابي والصحفي والسياسي اليساري الرفيع والبارز. والشاهد انه ما بين نهاية خمسينيات ونهاية ثمانينيات القرن الماضي-كان الأكثر اهتماماً وإخلاصاً للعمل السياسي والنقابي ينشر قصائده في صحيفة الطليعة وصحيفة الثورة و مجلة الحكمة التاريخية- بعد أن قام باستئناف إصدارها كلسان لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين-بذلك الاسم المستعار غالباً.تم نشر العديد من قصائده البسيطة الرائعة التي لم تعرف عنه على نطاق واسع في الذكرى السادسة لرحيله ضمن ديوان صدر عن الاتحاد حمل عنوان “صمت الأصابع “ قبل عشرة أعوام.
والحاصل انه لا يمكن تعريف الجاوي كشاعر شبه مجهول ينبئ عن موهبة فائقة لم يتم الإخلاص لها، وأيضاً كشخصية وطنية إشكالية ومتعددة المشاغل-بحيث طغى فيه الثقافي على السياسي، والسياسي على الشاعر- سوى انه أولا وأخيرا صاحب الهم الوطني الشاسع، وحادي القيم الجمهورية والوحدوية الرائد، بحيث انه واحد من ذلك الجيل الحلمي الباسل الذي رفع رايتهما مبكراً، وتحديداً في عز سلطتي الإمامة والاستعمار. معروف انه كان قائد المقاومة الشعبية في حصار السبعين يوماً، ومؤسس وكالة الأنباء اليمنية التي صارت وكالة سبأ في الشمال، ثم رئيس التحرير لصحيفة الثورة، ومدير إذاعة وتلفزيون عدن، إضافة إلى انه كان من أبرز مؤسسي حزب العمل في ذروة أيام العمل السري (سنوات التخوين والإحباط وصراع النظامين)، ثم من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب كبوتقة للمشروع الوطني وكأول منظمة وحدوية رغم واقع التشطير حينها،وهو الواقع المتسم بمعاداة الثقافة الوطنية وتهميشها خصوصاً في الشمال.
ولعلنا ندرك أن الجاوي هو الذي قام تلك المرحلة بكتابة مقدمة ديوان “عودة بلقيس” لإبراهيم صادق ومقدمة ديوان محمد أنعم غالب “ غريب على الطريق”، كما كتب مقدمة “يموتون غرباء” للروائي محمد أحمد عبدالولي.. ما يشير إلى تأثيره الواضح على أبناء جيله، جيل الثقافة الجديدة والمتجاوزة للسائد.مذاك استمر متميزاً بالشجاعة الحرة وبالرونق الفكري المختلف على صعيد السياسة أيضاً، كما اتهم بالمثالية والطوباوية وكان صاحب مواقف لا تتكرر، ومركزاً جاذباً لاحترام الجميع حتى خصومه، ليستمر بإجماع كل الأدباء والكتاب اليمنيين الأمين العام للاتحاد لعدة دورات بالمقابل.
المعنى: انه كان شخصية مبادئ تقدمية بامتياز “ يحدثني احد رفاقه أن الجانب الملكي أثناء حصار صنعاء حاول أن يفتح معه حواراً بصفته ينتمي لما يسمى بطبقة السادة فهو من أسرة السقاف الشهيرة، وبما أن الوسيط كان يخاطب فيه تلك النزعة لعله يميل إلى جانبهم ويتعاطف مع ورثة احمد حميد الدين عبر الإغراء بالذهب الذي كان يتدفق على الملكيين حينها، إلا أن رد عمر كان قاسياً وقاطعاً فاق تصوره، حتى انه كاد يصفع الوسيط..جوهر ما قاله له: لو ملكتمونا كنوز الأرض، أبداً لن نتوقف عن الدفاع من اجل جمهورية إلغاء الفوارق والطبقات ويجب التوقف عن استغلال الشعب وإهانته واحتكار تطلعاته، بل ليس أمام الجميع غير الاندماج بالشعب، ويجب التعافي من أمراض التاريخ البائد، كما لا مفر من المساواة والمواطنة “.
ولقد عجز غالبية الإماميين عن الخروج من إسار هذه العقبة التي طغت على وعيهم الجامد، كما عجزوا عن التخلص من عيوب ومثالب الاستعلاء والطبقية والاستغلال السياسي للدين، فتكاتفت عليهم أحلام الثوار حينها لتهزمهم شر هزيمة ولتحول دون نمو أساليبهم الرعناء في الاستلاب والتجهيل والمغالطة باسم الدين. غير أن تراث نضالات الجاوي يجب أن يظل مبعث فخر للأجيال وذخيرة للمقاومة وعدم الخواء. ولقد كان على رأس ثلة ثقافية لعبت دوراً رفيعاً في التنوير الوطني. فيما قرر مبكراً أن يلقي بروحه في مقاومة وباء الاستعمار والسلاطين والأئمة والرجعية.فضلاً عن انه استمر يقاوم كل من سرقوا قيم الجمهورية وتاليا الوحدة التي عشقها حتى الثمالة.
فحيث لعبت قدراته الجدلية والإنسانية غير العادية دوراً اكبر في هذا المسار، كان أكثر من مؤمن بأن الدين ليس غريزة لإذلال المواطنين باسم الدين، بل كان يرى أن الحرية هي النسيج المتين للشعب، ولا مستقبل للشعب بدونها، ولذلك كان ضد أن يكون الدين حجة لإهانة البشر بأي شكل من الأشكال. بالمقابل كان الجاوي يفهم الجمهورية والوحدة قيمتين للتحرر والتمدن وشراكة الشعب وموضوعية المواطنة.
ابن لحج الذي يحكى عنه أنه خاض بحسه الوطني والشعبي المتفوق معارك يومية فكرياً واجتماعياً ضد أصحاب النوازع القروية والقبلية والمذهبية. على أننا لا نستغرب من طاقته الخلاقة حيث أسهم في البناء المؤسسي في الشطرين بجدارةكما ترك كل شيء بقناعة وزهد، ونجا من كمائن منحه أرقى المناصب في حال مارس المداهنة لكنه لم يرضخ على الإطلاق سوى لقناعاته، ولم يمارس الصمت المذل في كل مراحله كما هو معلوم، حتى قيامه بتأسيس حزب التجمع الوحدوي اليمني وصحيفة التجمع الصادرة عنه. ولقد كان هذا الحزب النوعي قليل العدد هو الكيان الأعلى صوتاً -قبل وبعد قيام الوحدة- من أجل إقرار الديمقراطية والتعددية السياسية وضمان حقوق الإنسان وحرياته ودولة النظام والمواطنة والقانون.
الثابت أن الجاوي كان شارك في إعداد دستور الوحدة ضمن اللجان الوحدوية،لكنه الدستور الذي تم التحريض ضده لاحقاً واستخدام صالح عديد أوراق لتغيير مواد فيه أبرزها رجال الدين وسلطتهم الشعبية الترهيبية، وصولاً إلى انقلابه على ذلك الدستور بعد الحرب، ما يعني إفراغ الوحدة من أهم مضامينها التقدمية للأسف. والحاصل أن الجاوي كان لا يعترف لا باشتراكية الجنوب ولا برأسمالية الشمال وله في ذلك معطياته الموضوعية العلمية المعتبرة. كذلك لم يعتبر أن هناك تناقضاً بين الإسلام والاشتراكية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
ومن الأحداث الفارقة في حياة (أبو آزال)أنه في العاشر من سبتمبر 1991 تعرض لمحاولة اغتيال دنيئة جداً، بينما ذهب ضحيتها الشهيد حسن الحريبي من قيادات حزب التجمع، وأصيب الجاوي بجروح وكانا معاً في السيارة يرافقهما نجل الحريبي الصغير فهد الذي رأى والده يقتل أمامه، و يالها من فاجعة.لكن الجاوي الذي استوحش فقدان رفيقه بكل أحاسيسه الوطنية الجارفة التي تعرضت لكل هذا الحقد، استأنف رحلته بعزيمة لا تلين بالرغم من كل ما أصابه من قهر وفقدان ووجع. ففي العام 1993 شارك بهمة ومسئولية عليا في لجنة الحوار الوطني وفي صياغة (وثيقة العهد والاتفاق)، كما تصدى لكافة المحاولات الهادفة إلى جر البلاد للحرب، ومع بوادر اندلاع الحرب صيف 1994 كان من ابرز المناهضين لها، في حين ظل يتصدى لفكرة إرجاع البلاد إلى حالة التشطير ببسالة.
كان الجاوي بارعاً في بث الحماس فيمن يعملون معه، كان تفاؤله باليمن شديد العظمة. كان قائداً سياسياً صلباً ومتفوقاً له ابتسامة عنيدة طافحة ببراءة الأطفال.كان يقف في وجه تطلعات علي عبد الله صالح بصرامة ثابتة المبدئية. كان متواضعاً وجسوراً عشق اليمن حتى النخاع، مثلما كان ضد صيغ المؤامرات لأنه خصم شفاف وشريف، كما كان ضد الصيغ الانتهازية التي تخللت مسار الحركة الوطنية على حين غفلة وصعد على اثرها دعاة وطنية إلى مناصب عليا كما نعرف.
و إلى جانب طرحه الثقافي والفكري العميق، اشتهر الجاوي بكتاباته السياسية الساخرة و الناقدة لتيار المتشددين الدينيين خصوصا الأصوليين المتطرفين منهم، ومثل هؤلاء تيار السلطة المزايدون من العسكر وشيوخ القبيلة بلا استثناء،وفي السياق: كانت له انتقادات جريئة كذلك حتى على رفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني الذين كانوا يحترمونه جداً بالرغم مما يبدر بينهما من اختلاف في وجهات النظر، بينما اشتد نقده على الجميع في فترة المرحلة الانتقالية للوحدة، ليستمر كترمومتر وطني لا يخشى أحداً وغايته قول الحقيقة إلى أن حان رحيله الفاجع في ديسمبر 1997 ما ترك فراغاً كبيراً في الساحة الوطنية على اكثر من صعيد.والحال أن الأيام أكدت لنا صواب الاتجاه الجاوي، إضافة إلى خطيئة رهانات الشخصيات الهزيلة التي تغلغلت في الحركة الوطنية في لحظات معقدة ووصمتها بالخيبات والخذلانات.
تذكيراً، درس في مصر الخمسينيات الثانوية والجامعة عن طريق نادي الشباب اللحجي، وهناك ساهم برفقة نخبة متميزة وملهمة صارت لاحقاً من خيرة العقول الوطنية شمالاً وجنوباً في تأسيس رابطة الطلبة اليمنيين الموحدة 1956، متحدين سلطة الإمام والإنجليز معاً، بل انه صاحب الشعار للمؤتمر التأسيسي للرابطة المتمثل في النضال المشترك لتحرير الجنوب المحتل من الاستعمار البريطاني وإسقاط النظام الإمامي الاستبدادي في الشمال. كما تفيد عديد مصادر.
كان الماركسيون والمنضوون في حركة القوميين العرب عماد الرابطة، جاء في البيان رقم 1 للرابطة على سبيل المثال أن «قضية الشعب اليمني قضية تحرر من الاستبداد والاستعمار».. و«الكفاح ضد الاستعمار إنما تعني استكمال الاستقلال الوطني لشعبنا مع كفاحه ضد الاستبداد من اجل امتلاك السيادة الشعبية بقيام حكومة شعبية ديمقراطية لكل اليمن».
ولقد تميزت الرابطة بدورها الكفاحي في الحركة الوطنية و«بتجاوزها لواقع التجزئة على مستوى كل من الفكر والممارسة» بحسب تعبير الأستاذ عبد الباري طاهر –والسعي إلى يمن جديد. يرى الأستاذ عبد الباري طاهر أيضاً أن بيان الطلاب حينها مثل تجاوزاً واعياً وناضجاً لرؤى وبرامج وخطاب الحركة الوطنية سواء الأحرار والاتحاد اليمني المتفرع أو رابطة أبناء الجنوب أو الحركة القومية: البعث وحركة القوميين العرب التي بدأت تمد نشاطها التنظيمي والفكري والسياسي حينها.
أما الدكتور احمد القصير فيرى انه ربما كان رد المفكر الرائد الماركسي الأستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب في الصحافة العدنية مؤشر الجدية والاهتمام والتلاقي, فقد وصف البيان بالوثيقة السياسية الخطيرة تلقي أضواء جديدة من شأنها تعميق جذور حركتنا الوطنية ودفعها نحو النضج والتكامل.بلا شك فإن الجاوي تشرب روح ثورة يوليو المصرية جيداً وكما ينبغي، وهو كما نعرف ابن تلك المرحلة العنفوانية بكل ما تعنيه من أمل ضد اليأس.
و في مصر كان لعمر ورفاقه الشيوعيين علاقة واسعة بحركة (حدتو) الشيوعية المصرية، وبالتالي تعرضوا لملاحقات الأمن. تحديداً حدثت في مايو عام 1959 بعض المصادمات بين الطلبة اليمنيين الذين يدرسون في مصر حيث هاجم بالضرب الطلبة البعثيون والقوميون اليمنيون بمساعدة الشرطة المصرية زملاءهم من الطلبة الماركسيين والديمقراطيين، والملفت أن أسباب الصدامات وتراكماتها تداخلت فيما بينها لأسباب إيديولوجية، غير أن السبب الذي تردد في اكثر من مصدر هو أن الطلبة الشيوعيين لم يوقعوا على وثيقة تدين الحزب الشيوعي العراقي كمنظمة إرهابية دموية، ونتيجة لهذا تم طرد الجاوي و22 طالباً بتهمة الشيوعية، ثم قرروا العودة إلى تعز عبر الحديدة وهناك مارس بدايات الكتابة في صفحات (الطليعة) التي كان المعارض والملهم الكبير (أبو اليسار اليمني)عبدالله باذيب يصدرها مكللة بصرخته الخالدة “ يمن حر ديمقراطي موحد”.
المهم.. حينها كان الإمام احمد بعلاقة تامة السوء والصدام بعبد الناصر، ولقد رأى إمكانية اصطفاف الطلبة واغلبهم من الجنوب معه، إضافة إلى إمكانية استغلال المتعاطفين مع الطلبة وهم من الجيل الجديد في عموم اليمن باعتباره التعاطف الذي سيجلب عديد نقاط سياسية تحسب له ضد المقاومين والمعارضين لنظامه كما خيل إليه. جراء ذلك تم ابتعاثهم إلى الاتحاد السوفيتي وألمانيا.ويرى القصير أن الإمامة وزبانيتها ضاقوا بالطلاب المطرودين وبالأستاذ باذيب وبالطليعة التي انتهجت خطاً لا يقدر على رسمه غير عبقري كباذيب. أما الطلاب الآتون من القاهرة فقد وزعوا على البلدان الاشتراكية وكانت موسكو هي التي استقبلت العدد الأكبر.
ويقول التاريخ إنه تم التحريض ضد أولئك الطلاب المطرودين بشكل شنيع من قبل خصوم سياسيين موالين للإنجليز أو لقيام إمارات اتحاد الجنوب منا من معارضين تقليديين للإمام -بنزعة إصلاحية- يخشون من التيار اليساري الثوري وشبابه ولن يتحملوا الصراع بين الجديد والقديم حيث تميز الطلاب المطرودين بالجدل والنقاش المفتوح والتحريض على التغيير وإثارة المسألة الوطنية كلما حانت الفرصة.للأهمية نورد أدناه ما قاله البردوني العظيم عن عمر الجاوي عقب رحيله مباشرة، وذلك تعزيزاً لشخصيته التعددية المدهشة وباعتبار هذا القول للبردوني يمثل ذاكرة وطنية كما ينطوي بشدة على تفاصيل مهمة، وبالضرورة فإنه من المهم أن نعيد استيعاب دلالاته اليوم:
“ في العام 67م تخرج عمر الجاوي من موسكو، وكان أول ما زاوله المحاضرات النارية في المقاومة الشعبية التي كانت تحاصر محاصري صنعاء آخر الستينيات حتى أصبحت المقاومة قوة كالجيش والأمن وكالجيوش القبلية، حيث أدهشت هذه المقاومة جيوش الحروب فتساجلوا الشهادات لهذه المقاومة بالاستبسال واقتحام الغمار والالتحام مع الموت وجهاً لوجه.وقال عمر الجاوي: لابد أن تلتم الفلول علينا، منتهزة انسحاب الجيش المصري بعد نكسة حزيران، فهل نستطيع أن نقول بأفواه النار: إن صنعاء 68م غير صنعاء 1948م”. وقالت الكلمة نفسها ـ كما صاغها الجاوي الذي كان يلتقط من كل حركة ومن كل “طلعة” رائحة مؤامرة.
قال بعض الشيوخ: كنا نطمع في البنادق التي تطول قامات أولئك الشبان الذين تجمعوا من المدارس والمطاعم إلى الخنادق، وانصبوا إلى المعركة من جميع جهات اليمن، وإذا جاء سيل الله بطل سيل معقل، فكانوا يحصدوننا قبل أن نقتطف بندقية.. اقتحموا بيوتاً اطلقت النار في “شملان” ولاقوا براميل مليئة بالريالات الفضية، وما مد مقاوم إليها يداً. ولما استحال النصر على المحاصرين اندحروا إلى وراء الحدود لكي تقوم حرب الجمهورية والجمهورية، بحجة من هو أكثر ثورية ومن أقل ثورية، وتقاتلت القوى المجمهرة، فكانت أحداث أغسطس 68م، ومر الرفيق النضالي “عمر الجاوي” من صنعاء..!! لأن أحداث أغسطس هذه وشت بما بعدها من التصالح مع الذين حاربناهم ثماني سنوات. ترك الجاوي أعطر الذكريات واشمخ الأعمال الصامتة والصائتة “.انتهى
نخلص مما سبق إلى أن الجاوي كان شخصية رقيقة وراقية تماماً، لكنه كان شخصية صدامية لاذعة ولا تساوم في النقد والانحياز للعدالة ولليمن، كان شخصية منفعلة وتلقائية ونزيهة تأخذ بيد الشباب بامتلاء كبير من الداخل، وهو الامتلاء النابع من الاتساق الوطني الجيد مع نداء المستقبل الحتمي.
كان من معدن قيمي أصيل ببساطة.. وإذ كان يصيب صغار النفوس بالرعب، فقد كان يقاوم كل الأفكار والممارسات المعادية للديمقراطية وللقيم الحقوقية العميقة بثبات محيّر.. لم يكن تبعياً بقدر ما كان تياراً لوحده، ويكفيه انه كان الأقدر على الإبداع والفكر الحر والرأي المستقل.
ومن كتابات ومؤلفات الراحل النقدية والبحثية الفكرية المندثرة التي نأمل إعادة طباعتها نظراً لقيمتها الوطنية والتدوينية: افتتاحياته الشهيرة لمجلة الحكمة، الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، عدن 1985 كتاب الزبيري شاعر الوطنية، مطبعة الجمهورية، عدن 1972 كتاب حصار صنعاء، مطبعة صوت العمال، عدن 1975 كتاب الصحافة النقابية في عدن (1957 – 1967) مؤسسة 14 أكتوبر، عدن 1976. وفضلاً عن قيامه بترجمة كتاب (سياسة الاستعمار البريطاني في عدن) للباحثة فالكوفا عن اللغة الروسية، إلا أن للجاوي عمر عديد كتابات قيمة لم تطبع بعد أهمها مقالاته ذائعة الصيت في صحيفة التجمع.
السلام على روح الجاوي، وأكاد أصرخ في وجه كل شيء بهذا البلد تالف الذاكرة. ذلك انه من غير المعقول عدم وجود حتى شارع باسمه على الأقل – ومثله الكثير من انبل المناضلين والمثقفين في تاريخنا المعاصر- بينما غالب شوارع العاصمة تنسب إلى أرقام من شارع صفر إلى شارع الستين، و يا للمفارقة المخجلة.
..تلك قطرة فقط من بحر زاخر متجدد المعاني والدلالات هو عمر الجاوي وأدوار وطنية ضليعة واستثنائية وضد النسيان.
* كتب في 2013