عرفت الفنان علي عبدالله السِّمة مطرباً ذا صوتٍ شجي، وشاعراً كتب القصيدة الغنائية، وأجاد فيها، وما زلنا نحفظ ونذكر له أغاني جميلة، كانت من كلماته وألحانه وغنائه مثل: “يا مظلوم”، و”يا طالعات الجبل”، و”أنت المنى والحياة”.. وغيرها من أغانيه الشهيرة إلى يومنا هذا.
كانت بداية معرفتي به في مدينة تعز، حيث كان يسكن بحارة إسحاق، وتزوَّج منها من عائلةٍ فنيةٍ كانت تزفُّ العرسان تُسمَّى “بيت القاضي”، وكان يومها يغني الأغاني المسموعة من الفنان علي بن علي الآنسي؛ إلا أنه سرعان ما شق طريقه نحو التلحين والغناء من ألحانه، وأصبح له طابعه الخاص، وأذكر أغنيته الجميلة “في طريق صالة رأيت الغزالة”، وكنت ألاحظ التقدم السريع للفنان علي السِّمة بغنائه لكبار الشعراء أمثال: مطهر علي الإرياني، وعباس المُطاع.. وغيرهما، وبعض الأغاني كانت من إشعاره وألحانه.
وفي منتصف عام 1964م تمَّ الاجتماع في منزل المرحوم الأستاذ أحمد عبده سعيد ومجموعة من المهتمين بالفن والفنانين، وذلك لغرض تأسيس فرقةٍ موسيقية تُلبي تطور الأغنية اليمنية، وهم: الأستاذ أحمد عبده سعيد، والسفير عبده عثمان محمد، والشاعر علي بن علي صبرة، والفنان علي أحمد الخضر، والأستاذ أحمد هداش، والأستاذ محمد سيف ثابت، والأستاذ محمد عبدالواسع حميد، والأستاذ محمد قائد عبده والمؤلف، وبهذه المناسبة تمَّ تأسيس الفرقة الموسيقية من التالية أسمائهم: [1– علي بن علي الآنسي 2– فضل محمد اللَّحجي 3– علي عبدالله السِّمة 4– محمد قلالة 5– عبدالرحمن الآنسي 6– محمد العوامي]، وكنت ألاحظ أن الفنان السِّمة هو الأكثر مواظبةً ونشاطاً وحبّاً للفن والطرب اليمني.. كما تمَّ في ذلك الاجتماع تكليف الأستاذ عبدالوهاب جمعة – عراقي الجنسية – للسفر إلى أسمرة – إريتريا – لغرض شراء بعض الآلات الموسيقية، وذلك على نفقة “هيئة التعاون الأهلي” بتعز والذي يرأسه الأستاذ أحمد عبده سعيد.
واستمرت هذه الفرقة لفترةٍ من الزمن بعدها أنشأ أعضاء الفرقة “فرقة صنعاء الموسيقية” مكوَّنةً من فناني صنعاء المشهورين آنذاك وهم: أحمد السنيدار، ومحمد حمود الحارثي، ومحمد قاسم الأخفش، وحمود زيد عيسى، الثلاثي الكوكباني “سعد وعبدالوهاب ومحمد”، ويحيى السنيدار”.. كما كان مُتواجدٌ في صنعاء في ذلك الوقت الفنان الكبير صالح عبدالله العنتري الذي توفي مبكراً في نفس عام التأسيس، وأيضاً كان الفنان فضل محمد اللَّحجي – وهو الفنان البارز والمُدرب على أغلب الآلات والمقامات الصوتية، كان متواجدٌ أيضاً في صنعاء، وعاد بعدها في أوائل عام 1967م إلى منطقة المنصورة بعدن، وهناك أطلق مجهولٌ عليه النار، وتوفي في مستشفى الجمهورية – الملكة سابقاً – بخور الملكة سابقاً – بخور مكسر بعدن، رحمة الله عليه.. وكنت أحد المشجعين لهذه الفرقة مع زملائي الأساتذة: محمد عبدالوهاب جباري، وعبدالله الدَّيلمي، وأحمد العماري.. وغيرهم.
وبعد استقلال الشطر الجنوبي من الوطن عام 1967م وصل إلى العاصمة “صنعاء” الفنان أحمد تكرير بفرقته الموسيقية – التي كانت تُسمى “الفرقة العربية الموسيقية”، وتتكون من “14” عازفاً على مستوىً احترافياً جيد، وقد شاركت مشاركةً فعّالةً أثناء حصار صنعاء، ولحَّنت وسجَّلت أناشيد لكبار فناني اليمن، لبث روح الحماس عند المدافعين عن صنعاء المُحاصرة لمدة “70” يوماً –، هذه الفرقة حلَّت محل “فرقة صنعاء الموسيقية” لأسبابٍِ غير معروفة، وكانوا الفنانين المشهورين يستعينوا بها في أعمالهم الفنية.
إن إعجابي بهذا الفنان المُبدع كان يكبر يوماً بعد يوم، وسنةً بعد سنة حتى وصل إلى مصاف كبار المطربين في الساحة اليمنية.. وقبل وفاته بستة أشهر توطدت العلاقة بيننا، وكنا نلتقي دائماً وبعدة مناسبات منها: جلسات طرب، ورحلات إلى خارج صنعاء “مناطق بني حشيش ووادي ظهر واستراحات ذهبان”، وكان الفنان السِّمة هو نجمُ أيُّ جلسةٍ أو رحلة.
والفنان علي عبدالله السِّمة من مواليد عام 1935م في مدينة “صنعاء القديمة”، وتلقَّى تعليمه الأولي بها، عمل في بداية حياته في قيادة ناقلات البضائع، ثم هاجر إلى المملكة العربية السعودية بحثاً عن عملٍ أفضل لفترة، ومن ثم عاد إلى اليمن، والتحق بصفوف القوات المسلحة، وحصل على منحة للدراسة في مجال العلوم العسكرية من الاتحاد السوفييتي، ونال شهادة الماجستير، ثم درس الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى في محافظة عدن، وبعدها عمل في إذاعة صنعاء، ثم في إذاعة تعز، وقد بدأ السِّمة مشواره الفني مبكراً عام 1948م.
ويعد الفنان علي عبدالله السِّمة من جيل الرواد الذين عملوا على إحياء التراث اليمني كأقرانه من الفنانين، أمثال: علي الآنسي، وأحمد السنيدار، ومحمد سعد عبدالله، ومحمد أبو نصار، ومحمد حمود الحارثي.. وغيرهم، وله مكانته بين الرُّواد من المجددين في الأغنية اليمنية، كما تشهد بذلك أعماله الغنائية التي أبدع في تلحينها كأغنية “نظرة منك”، و”شاهيم طول الليالي”، و”هوى غانية” وغيرها. ومثلما أبدع الفنان علي السِّمة في غنائياته العاطفية؛ فقد أبدع كذلك في غنائياته الوطنية والاجتماعية؛ كأغنية “البالة”، و”فوق الجبل”، و”يا قافلة”، و”الوحدة”، و”يا حبيبة يا يمن”.. غنَّى للثورة اليمنية وللمقاومة الشعبية إبان حصار السبعين، ولعل من عاصروا تلكم الأحداث يتذكرون نشيد “حيوا معي رجال المقاومة” التي كتب كلماتها وصاغ لحنها الجميل، والتي كان لها أثرٌ كبير في إلهاب حماس المقاومة آنذاك.. تعامل مع العديد من شعراء الأغنية في اليمن، أمثال: عباس المطاع – الذي كوَّن معه ثنائياً جميلاً، ومطهر الإرياني، وعباس الديلمي، وعبدالله عبدالوهاب نعمان.. وغيرهم.
ومن أعمال الفنان علي عبدالله السِّمة: “تودعته – يا بروحي من الغيد – يا ويح قلبي – أشهدوا لي على الأسمر – يا لله يا نجم الليل – ما تذكروني – يا جارح الأكباد – من زمان غايب علينا – من بالهوى يا ناس ولعوني – يا أحلى من الحلو – يا مغير القمر – يا ناكر المعروف – دور على غيري – متى بلقاك – أسامر الليل”.. توفي الفنان علي عبدالله السِّمة في 21 مارس 1984م في مدينة صنعاء” “.. وفي يوم 22 مارس من عام 1984م وصلني خبر وفاته بطريقةٍ غادرة فنزل الخبر كالصاعقة عليَّ وعلى قلوب أهله ومحبيه في ربوع اليمن وخارجه، رحمة الله على هذا الفنان الذي أثرى الساحة اليمنية بأغانيه العاطفية والاجتماعية، وبصوته المليء بالشجن، وما زلت أحتفظ بأغانيه واستمع إليها في أوقات الإجازة والراحة.
وكما يقولون ابن الوز عوَّام؛ فقد تسلَّم ابنه الفنان الشاب ذائع الصيت هذه الأيام حمود السِّمة، والذي ورث عن أبيه العزف الجميل والصوت الجهوري الجبلي، وهو فنانٌ يتمتع بأخلاقٍ عالية، ويرفد الساحة الغنائية بكثيرٍ من الأعمال الغنائية.. كما أن للفنان حمود السِّمة أخٌ أكبر منه، هو الفنان محمد السِّمة الذي يمتلك أيضاً صوتاً جميلاً لا يقل عذوبةً عن صوت والده؛ إلا أنه فنانٌ مُقلِّ، ولا يرغب بالظهور والاحتراف، أتمنى منه أن لا يُحرم الجمهور من صوته الجميل.. وهكذا اليمن كانت ولادةً للعديد من الفنانين المبدعين الذين تركوا بصماتهم الخالدة في الأغنية اليمنية.. نسأل الله لوالدهما الرحمة ولهما كل التوفيق والنجاح.