يمكن وصف القاصّة والباحثة والناشطة الحقوقية أروى عبده عثمان بأنها أكبر عاشقة للثقافة الشعبية وللتراث اليمني، وقد منحتها أخيراً منظمة “هيومن رايتس ووتش” جائزة “آليسون دي فورغ” للنشاط الحقوقي الاستثنائي لسنة 2014.
أروى عثمان خريجة الفلسفة في مجتمع كاليمن يعادي التفكير العقلاني، ناضلت، وما زالت ضد التعصب الديني الذي واجه انفتاح المرأة اليمنية، وشوّه قيم الريف التلقائية، ليساهم بشكل كبير في الطمس المزري للهوية الإثنية والأنثروبولوجية والوطنية الجامعة لليمنيين.
بدأت أروى عثمان النشر بأسماء مستعارة في النصف الأول من الثمانينات، لكننا عرفناها منتصف التسعينات ككاتبة لافتة وذات مشروع تنادي باحترام التعدد والاختلاف والاحتفاء بالتنوع الثقافي الاجتماعي، بينما تميزت بالنقد الساخر اللاذع، وتضمنت قصص اللغة المحكية ولاقت الانتشار الواسع جراء توظيفها لمختلف أنماط الثقافة الشعبية والفولكلورية.
ما أنجزته أروى عثمان في هذا المضمار بشكل فردي لم تستطع وزارات الثقافة المتعاقبة انجازه. جابت مدن وقرى اليمن بدوافع اللهفة الشخصية لتسجيل بعض أشكال التراث المادي والروحي خلال التسعينيات من القرن الماضي. وفي مجتمع محافظ شديد الذكورية كاليمن، تكابد أروى عثمان في قرارها نزع الحجاب، إلا أنها تشدد على ضرورة احترام القرار الشخصي للمرأة في خياراتها. الباحثة في مركز الدراسات والبحوث اليمني، لها طروحات جريئة في المواطنة واللاعنف، وتحديداً خلال مشاركتها كأحد أهم وابرز الوجوه النسوية في مؤتمر الحوار الوطني، وترأست فريق الحريات والحقوق بإجماع.
كانت من أهم اللواتي شاركن بجدارة في ثورة 2011، ومن حينها احترفت التصوير الفوتوغرافي بشكل لافت. وبسبب مواقفها المدنية الحاسمة تعرضت لتنكيل المتشددين ورجالات السلطة على السواء من خلال صحفهم ومنابرهم أيضاً.
والثابت أن أروى عثمان ليست من النوع المغرم بنضال الكاميرات المزيف في الساحات، أو بالتشبيكات المتهافتة مع المنظمات ثقافياً وحقوقياً، مثلما لا يمكن ان ترضخ لاستلابات استجداء السلطة، فضلاً عن أوهام الزعم النضالي الفارغ من أي مضمون ثقافي صميمي، بل إنها شخصية استثنائية متصالحة مع مبادئها، وممتلئة تماماً من الداخل. إنها المنشقة صاحبة الرؤيا العميقة والجوهرية غير السطحية على الإطلاق، أيقونة يمنية متفردة بأروع وشائج الثقافة الشعبية والمستقبلية في آن واحد.
تُعدّ أروى عثمان من الوجوه الثقافية اليمنية المجتهدة والناكرة لذاتها والمراهنة على التحديث. وبالرغم من كل المعوقات والتحريضات والواقع المحبط تستمر مع ارتفاع حس الإبداع وصوت القانون. مع السلمية وضد السلاح، مع دولة العدالة الاجتماعية واللااستئثار، مع الديموقراطية وعدم فرض الأحادية، مع العقل بعيداً من الخرافة، مع المدنية واللاتمييز، مع الموسيقى واللاكهنوت، مع يقظة الوعي وضد غيبوبة القات، مع الحريات والحقوق ورفض الاستغلال السياسي للدين. تحديداً مع الحداثة المعتزة بالتاريخ اليمني الثقافي المطمور والخلاق.
ويمكن ارجاع دأب عثمان في شغفها هذا كونها المعجونة بقيم الإنسان والجمال والتنوع. كانت احدى مجموعاتها القصصية حققت المركز الأول لجائزة الشارقة للإبداع العربي، كما نالت جائزة المنيرفا الايطالية المخصصة للمعرفة العلمية للنساء.
ومن ابرز تجلياتها تأسيسها لبيت الموروث الشعبي قبل سنوات، وهو الأول من نوعه، إذ ظهر كمتحف مرموق بجهود خاصة، واستمر يمثل بؤرة ضوء مهمة مفتقدة في البلد، ومساحة متنوعة لأنبل محمولات الوجدان الثقافي اليمني العريق. لكنه أغلق بسبب عدم القدرة على دفع الإيجار، ثم حين قامت بنقله بسبب ظروف الحرب التي دارت بين فصيلين في الجيش عام 2011 وإعادة افتتاحه، تفاجأت بتعرض البيت (المتحف) للسرقة.
اهتم البيت بالسرديات الشعبية والمعتقدات والأمثال والحكم والسير والأساطير والألعاب والرقصات واللهجات والأزياء والحلي والأغاني “أغاني الزراعة والأعراس وعادات الختان… الخ “، فضلاً عن ابتهالات المتصوفة. وتضمن البيت ما هو مادي كالأدوات المنزلية القديمة، ومئات الصور لمشاهد ووجوه وأمكنة عابقة باليمن المتنوع.
عموماً، ما زال الانحياز لقضايا وتميزات المرأة في حفرها التاريخاني الشعبي ميزة أروى عبده عثمان، وبشكل خاص لطالما حلمت بتكوين أطلس للحكايات الشعبية وصيانة ثقافة الفولكلور من الاندثار.
والحاصل أن اليمن تعاني من إهمال تراثها وفولكلورها الزاخر والمتنوع والأصيل، وحتى الآن لم يتم توثيقه كما ينبغي، فيما بيروقراطية الحكومة وعدم وعي القائمين على المسألة السياحية والثقافية من الأسباب الرئيسية. كان البيت اصدر بعض أجزاء عن مشروع ألف حكاية شعبية، إضافة إلى مجلة ذاكرة المتخصصة. كما أقام مهرجاناً فولكلورياً يعنى بتقاليد التراث الديني للحج وما ينطوي عليه من احتفائية شعبية خصوصية، فضلاً عن مهرجان ابرز فولكلوريات مدينة عدن المعروفة بحالتها الكوزموبوليتية الحاضنة للأديان والثقافات المختلفة، ومهرجان “المشاقر” الذي يعرض فيه أشهر أنواع من الزهور العطرية الخاصة بالزينة، وهناك مهرجان التسامح 2009 في يوم العيد العالمي للتسامح في 16 نوفمبر.
باختصار، هي أروى عبده عثمان القوية والملهمة للشباب والشابات في التمرد على القيم المنغلقة التي تقيد الذات داخل بوتقة قيمية منضبطة صارمة وتأبى الانفتاح. المثقفة اليمنية العصامية ذات الإسهام التنويري المشهود، ما زالت تخوض معارك فكرية بلا هوادة، كونها ضد تحويل الناس إلى قطيع، كما بإصرار مذهل تتجاوز مخاطر الواقع ومحبطاته، مواصلة انحيازاتها في الوقوف بمواجهة كل ما يدمر الثقافة والتراث، إضافة إلى كل ما يخرب التعايش والتقدم.