في سطور

السقاف ” الحكيم”

 

الدكتور عبد الرحمن السقاف، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني منذ ديسمبر 2014، يمثل شخصية معقدة ومتعددة الأبعاد في المشهد السياسي اليمني. تولى منصبه في وقت حرج حيث كانت اليمن تعيش مرحلة اضطراب شديدة بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء. في هذا السياق، كان عليه أن يرسم مسارا جديدا لحزبه، مميزت إياه عن الأطراف المتصارعة في الساحة السياسية.

 

السقاف يبرز كرجل يسعى للحفاظ على قيم النضال السلمي وتجنب الانزلاق نحو الحرب، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع وآليات النضال السلمي. في هذا الإطار، كان له مواقف واضحة ولكن في نفس الوقت معقدة، حيث حاول الوقوف في المنطقة الفاصلة بين الأطراف المتنازعة. هذا التوازن الدقيق أحيانا يُفهم بشكل خاطئ على أنه حياد أو حتى انحياز لطرف ما، ولكن السقاف يراه كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى بناء دولة يمنية اتحادية فيدرالية، وهو مشروع يتماشى مع رؤية الحزب الاشتراكي.

 

رؤيته تقوم على أساس أن الحزب الاشتراكي ليس مجرد متفرج على الأحداث، بل هو جزء لا يتجزأ من الشرعية الدستورية والسياسية التوافقية التي تمثل السيادة الوطنية وتعترف بها المؤسسات الدولية. موقفه هذا يعكس فهما عميقا لتعقيدات الوضع اليمني ورغبة حقيقية في إيجاد حلول بعيدا عن العنف.

 

على المستوى الشخصي، يأتي السقاف من خلفية أكاديمية وثقافية مميزة، حيث تخصص في التاريخ اليمني القديم، مما يضفي عليه عمقا فكريا واستباقية في التفكير. تحليلاته في وقت مبكر من عام 2012 حول مخاطر إضعاف القوات المسلحة اليمنية ودورها في بروز القوى الميليشياوية تثبت أنه كان يملك نظرة بعيدة المدى لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع.

 

السقاف، رغم أنه لم يكن من القيادات التاريخية للحزب، استطاع أن يحافظ على تماسك الحزب في ظل ظروف قاسية، وحاول توجيه مساره نحو سياسات أكثر انفتاحا وتوافقية، مما يعكس قدرته على التكيف مع التغيرات والضغوط الكبيرة التي فرضها الوضع اليمني الراهن.

الدكتور عبد الرحمن السقاف يُعدّ شخصية ذات رؤية سياسية عميقة وقدرة على قيادة الحزب الاشتراكي اليمني في فترة تعد من أكثر الفترات تعقيدا في تاريخ اليمن المعاصر. منذ توليه منصب الأمين العام في ديسمبر 2014، كانت اليمن في حالة اضطراب شديد بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، مما خلق بيئة سياسية مليئة بالتحديات. هذه التحديات لم تكن فقط متعلقة بالصراع العسكري والسياسي، بل أيضا بالصراع على الشرعية وتحديد الاتجاه الذي يجب أن يسلكه اليمن في مستقبله.

 

في ظل هذا الوضع المعقد، اتخذ السقاف موقفا حازما ضد الحرب، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع وآليات النضال السلمي. هذا الموقف لم يكن مجرد موقف سياسي، بل هو تعبير عن رؤية فلسفية أعمق تؤمن بأن الحلول السياسية لا يمكن أن تُفرض بالقوة العسكرية، بل من خلال الحوار والتوافق. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية جلبت له ولحزبه انتقادات من مختلف الأطراف، حيث رأى البعض أن هذا الموقف يعني التراجع عن الدعم الكامل للشرعية أو حتى الانحياز نحو الحياد.

 

رغم هذه الانتقادات، استطاع السقاف أن يحافظ على موقفه المبدئي، موضحا أن الحزب الاشتراكي جزء لا يتجزأ من الشرعية الدستورية والسياسية التوافقية. الشرعية التي كانت ثمرة لمبادرة خليجية واتفاقات سياسية تهدف إلى ضمان وحدة اليمن وسلامته. السقاف يدرك تماما أن أي حل مستدام يجب أن يكون شاملا، ويجب أن يحترم تطلعات جميع اليمنيين شمالا وجنوبا.

 

إضافة إلى مواقفه السياسية، فإن السقاف يُعرف بعمق معرفته التاريخية، حيث تخصص في التاريخ اليمني القديم وحصل على درجة الدكتوراه في هذا المجال. هذا العمق الفكري أعطاه القدرة على تقديم تحليلات دقيقة للوضع في اليمن. على سبيل المثال، كان من أوائل الذين حذروا من مخاطر إضعاف القوات المسلحة اليمنية، مشيرًا إلى أن ذلك سيؤدي إلى بروز قوى سياسية تستند إلى الميليشيات المسلحة، وهو ما حدث فعلا بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء. هذه الرؤية الاستباقية تثبت أن السقاف ليس مجرد سياسي تقليدي، بل هو مفكر يملك القدرة على استشراف المستقبل بناء على فهم عميق للتاريخ والأحداث.

 

أحد الجوانب التي تميز السقاف هو قدرته على المناورة بين مختلف التيارات السياسية داخل اليمن. ورغم أنه لم يكن من القيادات التاريخية البارزة للحزب الاشتراكي، إلا أنه استطاع أن يوحد الحزب حول رؤية مشتركة، ويقودها في مرحلة انتقالية صعبة. وقد أظهر براعة في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الحزب، محافظا على تماسكه واستقلاليته.

 

وبالنظر إلى جذوره وأصوله من محافظة لحج الجنوبية، فإنه يمثل جزءا من تركيبة معقدة داخل الحزب الاشتراكي تجمع بين الأجنحة المختلفة التي تشكلت نتيجة لتاريخ طويل من الصراعات والتحالفات. ومع ذلك، استطاع السقاف أن يتجاوز هذه التحديات ويثبت نفسه كقائد قادر على جمع مختلف الفئات تحت مظلة الحزب.

 

في سياق التحولات الكبرى التي شهدتها اليمن، يظل الدكتور عبد الرحمن السقاف شخصية رئيسية تسعى للحفاظ على الهوية اليمنية والوحدة الوطنية، مع التأكيد على ضرورة الانتقال إلى نظام فيدرالي يحقق العدالة للجميع. هذا الهدف يمثل جوهر رؤية الحزب الاشتراكي اليمني، ويعكس إيمان السقاف بأن مستقبل اليمن يجب أن يكون مبنيا على أساس من التوافق والشراكة بين جميع مكوناته.

 

في نهاية المطاف، يمكن القول إن الدكتور عبد الرحمن السقاف يمثل نموذجا للسياسي الذي يجمع بين الفكر والعمل، بين الاستراتيجية والواقعية.

ففي ظل وضع يمني يتسم بالفوضى والتشرذم، يمثل السقاف صوت العقل والدعوة للحوار، مع الالتزام بالمبادئ التي يؤمن بها الحزب الاشتراكي منذ تأسيسه. هذا الالتزام بالمبادئ ورفض التنازل عن قيم النضال السلمي، حتى في أصعب الظروف، هو ما يميز قيادة السقاف ويجعله شخصية ذات تأثير كبير على الساحة اليمنية، سواء على مستوى الحزب الاشتراكي أو على المستوى الوطني بشكل عام.

الدكتور عبد الرحمن السقاف هو شخصية معروفة بتخصصه العميق في التاريخ اليمني القديم، وهو مجال يتيح له فهما متجذرا للهوية اليمنية والقيم الحضارية التي أسست لهذا البلد عبر العصور. ورغم هذا الاعتزاز العميق بالتاريخ اليمني، فإن بعض الأوساط توجه إليه اتهامات بالتواطؤ مع الحوثيين، مشيرة إلى أصوله التي تنحدر من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم. هذه الاتهامات ترتكز على الفكرة السائدة بأن الانتماء النسبي يمكن أن يؤثر على المواقف السياسية.

 

السقاف علماني ،ومع ذلك، فإن السقاف يشدد مرارًا على أنه لا يؤمن بالتمييز العنصري أو الطائفي، ويعتبر أن المواطنة المتساوية هي الأساس لبناء دولة حديثة وعادلة في اليمن. هو يؤمن بأن جميع اليمنيين، بغض النظر عن أصولهم أو خلفياتهم، يجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق والواجبات. هذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع الإيديولوجيا التي تتبناها جماعة الحوثي، والتي تستند إلى فكرة التفوق العنصري والديني.

 

علاوة على ذلك، فإن السقاف لم يتوانَ عن انتقاد عنف الميليشيات الحوثية، معتبراً أن استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية هو أمر مرفوض وغير مبرر. في نظره، الحلول السلمية والحوار هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم في اليمن، وليس العنف أو الفرض بالقوة.

 

في النهاية، يظهر الدكتور عبد الرحمن السقاف كشخصية معقدة تتمتع بإيمان عميق بمبادئ المواطنة المتساوية ورفض التمييز، رغم الاتهامات التي توجه إليه. موقفه المتوازن والنقدي تجاه الحوثيين يعكس التزامه بقيم العدالة والمساواة التي يعتبرها أساسا لأي حل مستدام في اليمن.

باختصار شديد.. إنه السقاف ” الحكيم”