محمد عبد القادر بافقيه، اسم يُحفر في ذاكرة اليمن والعالم العربي كأحد أعظم المؤرخين والعلماء في مجال الآثار، إضافة إلى دوره السياسي والدبلوماسي البارز.
وُلِد في 28 أغسطس 1928 في أديس أبابا، أثيوبيا، وتوفي في 16 أغسطس 2002 في عدن، اليمن.
***
الإرث العلمي والثقافي
ترك إرثاً علمياً وثقافياً يمتد عبر الأجيال، مُسلطاً الضوء على أهمية اليمن في تاريخ البشرية.،فلم يكن مجرد مؤرخ أو دبلوماسي، بل كان رمزاً لليمن وثقافتها الغنية وتاريخها العريق. ومن خلال عمله الدؤوب وفك شيفرة خط المسند، أعاد بافقيه كتابة تاريخ اليمن وفتح الأبواب أمام الأجيال القادمة لفهم أعمق لتراثهم الثقافي والديني. إرثه بالتأكيد سيستمر في إلهام الباحثين والمفكرين، إذ أن الأعمال العظيمة لا تموت بل تظل نبراساً للأجيال
***
البدايات والنشأة
وُلد محمد عبد القادر بافقيه بينما كان والده، عبد القادر بن أحمد بافقيه، يعتزم العودة من الحبشة إلى مدينة الشحر في حضرموت. عاد بافقيه إلى حضرموت حيث أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة “مكارم الأخلاق” بالشحر عام 1941. تميز منذ صغره بحب العلم والمعرفة، مما دفعه لتأسيس جمعية اتحاد التلاميذ الأدبية عام 1940. بعد إتمام دراسته الابتدائية، تابع دراسته في المدرسة الوسطى بالمكلا ومن ثم في غيل باوزير، حيث أكمل دراسته عام 1944م.
***
الدراسة الأكاديمية والتوجه العلمي
غادر بافقيه إلى السودان لدراسة المرحلة الثانوية في مدرسة “حنتوب” بمدينة أم درمان، حيث تخرج فيها عام 1948. التحق بكلية الخرطوم الجامعية وتخرج منها عام 1953 حاملاً البكالوريوس في الآداب. خلال دراسته في السودان، شارك في تأسيس اتحاد بعثات جنوب الجزيرة العربية عام 1946، مما يُظهر مبكراً اهتمامه بالعمل الجماعي والتطوير المجتمعي.
***
الإنجازات الأكاديمية والفكرية
حصل بافقيه بين عامي 1960 و1961 على دبلوم تربية من كلية سوانزي الجامعية في ويلز، المملكة المتحدة. وفي 21 يونيو 1983، حصل على شهادة دكتوراه في الآداب تخصص تاريخ قديم من جامعة السوربون بباريس، فرنسا. قدم بافقيه في رسالته للدكتوراه دراسة رائدة عن خط المسند، خط اللغة اليمنية القديمة، حيث تمكن من فك شيفرته، ما أثار دهشة الأوساط العلمية وأعاد النظر في تاريخ اللغات والأديان.
***
المسيرة المهنية والمسؤوليات
عمل بعد تخرجه في 1953 كمدرس ومساعد مدير المدرسة الوسطى في غيل باوزير. شغل منصب مدير المدرسة الوسطى من 1954 حتى 1955، ثم عميداً بالنيابة لمنطقة غيل باوزير التعليمية حتى 1957. تولى بين 1957 و1962 موقع نائب ناظر المعارف بالسلطنة القعيطية في حضرموت.
أسس بافقيه في عام 1957 مع عدد من أصدقائه النادي الثقافي
بالمكلا، مما كان له دور كبير في الحركة الثقافية في حضرموت. عام 1964، أسس وأشرف على متحف المكلا للآثار والتقاليد الشعبية، مما يعكس شغفه العميق بالحفاظ على التراث اليمني القديم.
***
الدبلوماسية والسياسة
بعد استقلال جنوب اليمن في 1967، عين بافقيه أول وزير للتربية والتعليم ومسؤولاً عن الآثار والمتاحف حتى 1968. تولى بين 1969 و1970 منصب سفير اليمن الجنوبي في المملكة المتحدة، ثم بين 1970 و1972 سفيراً في مصر ومندوباً دائماً لدى الجامعة العربية وسفيراً غير مقيم في السودان.
عمل سفيراً في فرنسا أيضاً ،ومندوباً دائماً لدى اليونسكو من 1973 إلى 1978، وسفيراً غير مقيم في كل من بلجيكا وسويسرا وإيطاليا والنمسا. في الفترة ما بين 1978 و1982، كان نائب رئيس المجموعة العربية في منظمة اليونسكو. خدم كمستشار تربوي وثقافي لليونسكو في الإمارات بين 1983 و1985، وعمل أستاذاً زائراً في جامعة صنعاء بين 1986 و1988.
***
البحث العلمي والمؤسسات
أسس بافقيه في عدن مؤسسة “ريدان”للدراسات الأثرية والنقشية بين 1989 و1990.
شغل منصب رئيس الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف من 1990 حتى 1994. وفي الفترة بين 1995 وحتى وفاته في 2002، كان مستشاراً في الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف، مستمراً في تقديم خبراته وخدماته للأجيال الجديدة من الباحثين.
***
العضويات والجوائز
كان عضواً شرفياً بالجمعية الملكية الآسيوية في لندن منذ 1965، وعضواً في اللجنة الاستشارية للثقافة العربية باليونسكو بين 1973 و1982، وعضواً في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن منذ 1980، وعضواً في كرسي الأستاذ الدكتور محمود الغول في جامعة اليرموك بالأردن منذ 1984.
حاز على العديد من الأوسمة منها وسام الجمهورية من الدرجة الأولى من الجمهورية العربية المتحدة (مصر) عام 1968، وسام الآداب والفنون من اليمن الديمقراطية عام 1980، وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب عام 1989، ووسام الاستقلال من الجمهورية اليمنية عام 1995.
***
الإسهامات الصحفية والأدبية
بدأ بافقيه مسيرته الصحفية منذ عام 1949 بكتابة مقالات في صحيفة “المستقبل” العدنية، كما كتب في صحيفتي “الرائد” و”الرأي العام”، ونشر في مجلة “السودان الجديد” خلال دراسته هناك. كانت له مساهمات علمية في مجال التاريخ في العديد من المجلات اليمنية والعربية مثل “الحكمة”، “الثقافة”، “دراسات يمنية”، “الإكليل”، و”اليمن الجديد”، علاوة على مساهماته في الدوريات الأجنبية.
***
المؤلفات التي تُعد مرجعاً في دراسة التاريخ والآثار
صدر لبافقيه عدد من الكتب التي تُعد مرجعاً في دراسة التاريخ والآثار، ومنها:
– “أنبياء الله في جنوب الجزيرة”
– “صاروخ إلى القرن العشرين”
– “آثار ونقوش العقلة”
– “تاريخ اليمن القديم”
– “في العربية السعيدة”
– “المستشرقون وآثار اليمن”
– “مختارات من النقوش اليمنية القديمة”
– “صهيديات – بحوث حول نقوش الجزيرة العربية قبل الإسلام”
– “كنوز وادي ضرا”
***
إضافة إلى كتب أخرى لم يسعفه القدر على طباعتها ونشرها، حيث يحتفظ ورثته بهذه المخطوطات ويناشدون بضرورة أن ترى النور. ونحن بدورنا في انزياحات نناشد وزارة الثقافة بإعادة طباعة كتب هذا العالم السبأي الجليل ،بل ومؤسس علم السبيئات الحقيقي والذي يدرس في أرقى الجامعات الأوروبية.