عبدالله حسن العالم، هذا الٱسم الذي يحمل بين طياته تاريخاً من النضال والتحديث ، عاش وتوفي في مدينة القاهرة. تميز بنضاله منذ خمسينات القرن الماضي كمناضل يمني أصيل ضمن جيل من رموز التنوير و التثوير، في أوساط الطلاب اليمنيين.
البزوغ في القاهرة
ولد الراحل عبد الله حسن العالم في مدينة دريدوا في اثيوبيا سنة ١٩٣٥ وهناك قسطا أوليا من التعليم لكن البزوغ الحقيقي في العاصمة المصرية القاهرة، ففي منتصف خمسينات القرن العشرين، شهدت القاهرة بزوغ نجم عبدالله حسن العالم كأحد أبرز المناضلين اليمنيين. كان جزءًا من جيل من الطلاب اليمنيين في مصر الذين سعوا إلى تحقيق التغيير والتحديث في وطنهم. هؤلاء الرواد، مثل عمر الجاوي، أبوبكر السقاف، محمد أحمد عبد الولي، سعيد الشيباني، محمد أنعم غالب، إبراهيم صادق، محمد عبدالله باسلامة، أحمد الشجني، خالد فضل منصور، محمد جعفر زين، عبدالغني علي، فيصل عبداللطيف الشعبي، محمد علي الشهاري، عبده عثمان محمد، طاهر رجب، أسسوا حركة طلابية يمنية متماسكة، حيث أصبحوا قوة تغييرية تهدف إلى تحديث اليمن.
الحياة الطلابية و النضالية
وصل عبدالله حسن العالم إلى القاهرة بعد فترة قصيرة من وصول بعثة نادي الشباب اللحجي التي تبناها الاتحاد اليمني في العام 1954. كانت هذه البعثة تضم مجموعة من الطلاب النابغين من قرية الوهط التابعة للسلطنة العبدلية_ تحولت لاحقا إلى مديرية ثم مدبنة_مثل عمر عبدالله الجاوي، وعلي عيدروس السقاف، وأبوبكر عبدالرحمن السقاف، ومحمد جعفر زين السقاف، ومحمد عمر حسن إسكندر السقاف. تميز هؤلاء الطلاب بنشاطهم الفكري والسياسي، حيث كانوا على اتصال وثيق بالحركة الشيوعية المصرية.
التضامن و العودة
في صيف 1959، عاد العالم مع مجموعة من زملائه إلى مدينة تعز، حيث تضامنوا مع زملائهم المطرودين من المخابرات المصرية. كانت هذه العودة نقطة تحول أخرى في حياة عبدالله حسن العالم، حيث بدأ في التركيز على تطوير اليمن من الداخل. بعد العودة، واصل دراسته في موسكو، حيث تخصص في العلوم السياسية والاقتصاد.
الدراسة في موسكو
درس عبدالله حسن العالم العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة موسكو، وعاد إلى اليمن في العام 1967 ليشغل عدة مناصب في وزارة الاقتصاد والمجلس الوطني. كانت موسكو آنذاك مركزاً فكرياً لطلاب الدول النامية، وتوفر لهم بيئة تعليمية متميزة تمكنهم من اكتساب المعرفة والخبرة اللازمة لبناء أوطانهم. بعد فترة وجيزة، انتقل إلى عدن، ومنها إلى بيروت للعمل في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا). في الإسكوا، كان عبدالله حسن العالم خبيراً مرموقاً عمل على مشاريع تنموية مهمة تهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية. كانت خبرته ومعرفته الواسعة. بالتحديات التنموية في اليمن والدول العربية الأخرى محل تقدير واحترام كبيرين في المنظمة. لعب دوراً مهماً في صياغة سياسات تنموية تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
العودة إلى اليمن و للتقاعد
بعد تقاعده، عاد العالم إلى صنعاء ليكون مستشاراً ومرشداً للعديد من السياسيين والمثقفين. بقيت مكتبته منارة للمعرفة، ومصدر إلهام للأجيال الصاعدة. رغم انشغالاته المهنية، ظل عبدالله حسن العالم صديقاً وفياً لأصدقاء الثقافة والفكر، وخاصة في منتدى الجاوي الثقافي وحزب التجمع الوحدوي اليمني. كانت مكتبته تعج بالكتب القيمة في مختلف المجالات، وكانت دائماً مفتوحة للأصدقاء والزملاء الذين كانوا يترددون عليها للحصول على المعرفة والنقاشات المثمرة.
ذات محاضرة للاستاذ عبد الله حسن العالم حاول أحد كبار قيادات المؤتمر الشعبي العام الحاكم أن يكذبه _صارخا بصوت عنجهي عال،في الحقائق التي أوردها عن تدهور الاقتصاد اليمني جراء سياسيات حزب الحاكم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام لكن الحاكم أخرس ذلك القيادي بالارقام. بينما كان يبتسم في وجهة وقد رأيت بعيني ذلك القيادي المؤتمري محتدما بالغيظ ليغادر المقيل دون أن يعقب ، إلا الحكيم العالم قام وراءه وودعه حتى الباب ليعطيه درساً في كيفية الحوار والأخلاق.
الأثر الثقافي و الاجتماعي
لم يكن تأثير عبدالله حسن العالم مقتصراً على العمل السياسي والاقتصادي فقط، بل كان له دور كبير في الحياة الثقافية والاجتماعية في اليمن. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات التي تناولت قضايا التنمية والتحديث في اليمن والعالم العربي. كان دائماً يسعى لنشر الوعي والمعرفة بين الشباب، ويحثهم على التفكير النقدي والإبداع. كان يعتقد أن التعليم هو المفتاح لتحقيق التغيير والتنمية في اليمن، وكان يشجع دائماً على القراءة والتعلم.
الحياة الشخصية
رغم إنجازاته الكبيرة، كان عبدالله حسن العالم شخصية متواضعة وبسيطة. كان يحب الحياة البسيطة ويقدر العلاقات الإنسانية. كان دائم الابتسامة ومتفائلاً بالمستقبل، رغم التحديات والصعوبات التي واجهها في حياته. كان يتمتع بروح مرحة وكان يحب الاستماع إلى الموسيقى والقراءة في أوقات فراغه. كانت أسرته دائماً في قلب اهتماماته، وكان يحب قضاء الوقت مع أبنائه وأحفاده، ينقل لهم خبراته وقيمه.
النهاية في القاهرة
مع ظروف الحرب في اليمن، اضطر عبدالله حسن العالم إلى مغادرة صنعاء والانتقال إلى دبي، حيث بدأت متاعبه الصحية تتفاقم ولم تستجب الحكومة لإنقاذ حياة أحد أشرف اليمنيين. نقلته أسرته إلى القاهرة لتلقي العلاج، ولكن حالته الصحية تدهورت بشكل كبير، حتى توفي في القاهرة. ورغم رحيله، يظل إرثه حياً في قلوب اليمنيين، وسيستمر في إلهام الأجيال القادمة لتحقيق مستقبل أفضل لوطنهم.
إرث لا ينسى
إنَّ مسيرته الحافلة بالإنجازات تجسد الدور الكبير الذي لعبه في صياغة مستقبل اليمن، والعمل على تحقيق الأهداف العامة للمرحلة التاريخية الجديدة. عبدالله حسن العالم، رغم تهميشه من الأضواء، يبقى رمزاً للرائد المنسي الذي ساهم بقوة في نهضة اليمن. سلاماً عليك يا عبدالله حسن العالم، إرثك سيظل حياً في قلوب اليمنيين، وسيستمر في إلهام الأجيال القادمة لتحقيق مستقبل أفضل لوطنهم اليمن ، (اليمن) التي احببت بجنوبه وشماله.