كتب

محمد دبوان المياحي كروائي مجهول!

منصة انزياحات

 

شاب يأتي من القرية مشحون بالأحلام، منتعش الروح وبداخله طاقة لعصر الحياة كلها”

 

إن المياحي ليس مجرد كاتب، بل هو صوت للأجيال القادمة، حيث يسعى لتقديم رؤية فلسفية تحفز القارئ على التفكير والتأمل. “الفيلسوف الصغير” ليس مجرد رواية، بل هو دعوة للتساؤل والبحث عن الحقيقة في عالم مليء بالتحديات”

….

 

يوما ما قبل عامين تماما؛ احتفل الكاتب والصحفي اليمني محمد دبوان المياحي باصدار روايته التي حملت عنوان” الفيلسوف الصغير” ، كنت على اطلاع بالمفاجئة الروائية التي يعد لها صديقي التاريخي ودائما محمد دبوان المياحي ، حينها – واحزن أكثر إذ استحضر ذلك وهو حاليا في المعتقل -كتب المياحي منشورا توضيحيا بشأن روايته قائلاً:

 

“صباح الحب أيها العالم..

أكملت روايتي الأولى، كانت حكاية تكبر في ذهني منذ زمن، وأردت أن أسردها لكم، ما استطاعت لذلك رواية. لا أدري متى بدأت الفكرة بالرسوخ بداخلي، ما أتذكره أني ظللت أمضي في حياتي، وأينما توجهت، كان كل شيء يرتبط بهذه الفكرة، كل ما في الوجود، يصب فيها. في أي قضية وعند أي مشكلة وبأي مجال أبحث، كنت أنتهي إليها، لكأنها حافة كل فكرة بالوجود، النواة الأولى لكل شيء. وهكذا استمرت تلاحقني وما تزال. حاولت هذه المرة أن أتوقف عندها، مثل طفل يتلمّس حقائق الأشياء ويعيد ترتيب الحياة وتعريفها كأن حواسة تلتقيها أول مرة.

بدأت من هناك، من القرية، من أقاصي”فرع العدين” محافظة إب، هناك من تل صغير فوق القرية، من قرية تتكور كطفلة خائفة أسفل جبل، كنت أشاهد الأفق وأقول في نفسي: هناك الله، حيث تنتهي السماء، من هناك، حاولت أن أستعيد طبيعة الحياة، ومررت بثلاثة عناوين كبيرة.

1_النفس البشرية..ما طبيعتها..؟ لماذا يبدو البشر متفاوتين بهذا الشكل المهول، راعي مواشي في أقاصي ريف إب، ورئيس دولة عظمى. انسان يتحكم بالعالم وأخر منهار لا يقوى على الإمساك بحياته ويبدو وجوده عبئا عليه، إنهم متشابهون في تكوينهم الجسدي، كما أن استعداداتهم العقلية الأولية متقاربة، لا بد أن طبيعة النفس، هي ما يقف خلف هذه الفجوة الكبيرة بين طبائع البشر.

2_الجندر، وتلك باعتقادي أخطر وأهم فكرة ومحاولة بشرية لإعادة تعريف الإنسان، أجرأ فكرة عقلية للتشكيك بالطبيعة الثنائية للجنسين، تدمير الثابت المادي الوحيد، رفض التفاوت والاصرار على سيولة الهوية البيلوجية للإنسان. لا يوجد هوية جنسية ثابتة للإنسان..في البداية كان الأمر طبيعي؛ لكن ما تطوّر عن هذه الفكرة هو الأخطر. لا ذكر ولا أنثى، لا رجل ولا امرأة، هناك مخلوق فقط قابل للتشكل كيفما أراد. هكذا أصبح الإنسان، يقف حائرًا وذاهلا وقد فقد القدرة على تعريف نفسه.

لكن السؤال هل قدرة البشر على تغيير هويتهم الجسدية، يعني قدرتهم على تغيير هوية النفس..؟

ثم فصل ثالث عن النساء (3)..ولطالما آمنت أن قصة العلاقة بين الجنسين، هو حكاية مختصرة عن قصة الوجود الإنساني كله، في هذه العلاقة يمكنك اختزال فكرة الحياة بكاملها.

ولماذا النساء دون الرجال، لقد كنت وما زلت أؤمن أن هذا المخلوق أكثر تلغيزا من جنس الرجال. وفي تاريخ المعرفة كلها، كانت المرأة موضوعًا محفزا للذهن وباعثًا للتساؤل حول طباعه أكثر من الرجل..؟ إنها طبيعة متحولة، مشروع مفتوح. يقول شكيب، وهو بطل الرواية بالمناسبة:

” أخطر ما في طبع المرأة، أنها مخلوق بلا تعريف نهائي، جاهز ومكتمل، كائن يتمتع بسيولة مدهشة وصادمة في وعيها بالحياة، مفتوح دوما لكل التأويلات وجاهزة دائما لتقييم الأمور ذاتها والحالة ذاتها بطريقتين مختلفتين بل وبطرق عديدة ومختلفة في كل لحظة. ” إنها أقرب لمفهوم الطبيعة البشرية بشكل عام، لمفهوم الإنسان. والإنسان هذا المخلوق الناقص، إنه مشروع غير مكتمل، ولهذا هو متململ دائمًا، غير مكتف بوجوده، ويمزق نفسه كل يوم بحثًا عمّا ينقصه، عن كماله البعيد، ولا أظنه يصل.

كانت البداية من طبيعة الحياة في القرية مرورا بكل ما سبق، ثم ختمتها بالمدينة وطبيعة الحياة هنا أو هناك أيضًا. لماذا تبدو طباع إنسان القرية مختلف عن إنسان المدينة، لماذا يبدو هذا الأخير أكثر وفرة وأكثر هشاشة..؟

وأما الحكاية، أما جوهر الفكرة إن كنتم تودون معرفتها، فهي: الطبيعة، ليست الطبيعة المادية الخارجية، بل طبيعة الإنسان. ما هي هذه الطبيعة، ما هو الإنسان وما هي طباعه، وهل للإنسان طبيعة ثابتة، هل هناك خصائص أولية غير قابلة للتبديل وتشكِّل ماهية الإنسان، ما الثابت وما المتغير في هذه الطبيعة..أم أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتوجب تركه بدون تعريف نهائي. فكرة ” الطبيعة”، فلان طبيعي وذاك غير طبيعي، لماذا هو غير طبيعي، قياسا إلى ماذا.

الطبيعة البشرية، الجوهر الثابت، الضمير، الفطرة، بلغة اللاهوت.

ما هو الأساس الأول لكل ما نشأ لاحقا عن الإنسان..؟ يبدو الأمر كما لو أنه بيان في الفلسفة الأساسية، لكنه ليس كذلك، بل فكرة حاولت صوغها بحكاية. تأرجحت فيها بين الفكرة والسرد، خلقت شخوصا وتحدثت معهم وتركت لهم أن يفصحوا عن هواجسهم حول الموضوع. رجل وامرأة، تاجر يتعرض لخسارة مالية وتنهار نفسه وتتبدل طباعه، وفتاة تتزوج باكرا، ثم تنفصل وتكره الرجال، ما تزال صبية شابة وقد باتت ترفض الزواج وتعبر عن سخطها من هذا المجتمع التقليدي، ثم تقع بعشق صديقتها. لقد تغيرت طبيعتها، ما الذي حدث لها..؟

وامرأة ثالثة، تتزوج وتعمل في المجال العام، تنجب الأبناء، وتستمر في التململ من زواجها الرتيب، إنها ليست منسجمة مع طبيعتها العميقة، ثم تنفصل عنه. كانت تكره الرجال وترغب بالتحرر والعمل، ثم تعدلت طباعها وميولها وباتت تبحث عن حياة هادئة، تخلت عن جموحها وصارت مرهقة من حالة التوتر تلك. إنها تتوق لاعادة صياغة حياتها بشكل متناغم مع جوهرها الداخلي. مع طبيعتها

شاب يأتي من القرية مشحون بالأحلام، منتعش الروح وبداخله طاقة لعصر الحياة كلها، يدرس ويكمل دراسته، الحرب تجري في الخارج، سنة، سنتين، ثلاث.. سبع، تتآكل روحه ويذوي، يرتبك ويصل لحافة الانهيار، يحاول الانتحار مرة ومرتين، ويعود.. يتعافى وينتكس، وما يزال متأرجحًا، بين دوافعه نحو الحياة، وجواذب الموت والتخلي عنها. لقد تحولت طبيعته وطباعه مرات كثيرة، من أقصى اليمين لأقصى اليسار. وتلك هي الطبيعة، حالة مفتوحة، قابلية للشيء ونقيضة، إنها مكابدة دائمة؛ كي يتدبر الإنسان وجوده فيها بأكبر قدر ممكن من التوحد والإنسجام.

المهم، شكرا لمارك، لو يحظرني كل سنة، شهرين، بكون أنجز بها، كتاب أو رواية وفي ذلك فضل كبير. أعتبر نفسي غزير بالكتابة بعض الشيء، ما أنشره هنا لا يتجاوز 10% مما أكتبه كل يوم، قبل الحظر وبعده، فترة انجاز الرواية وحتى ما قبلها. لكنني هذه المرة، وجهت جزء من طاقتي لانجاز هذا العمل.. لجانب كتاب فكري أخر قطعت فيه شوطًا كبيرا.

أتمنى أن أكون قد تمكنت من الاقتراب مما وددت قوله، أشعر ببعض الرضى، تحاصرة تلك النزعة الطبيعية للشعور أن شيئًا ما لم أقله بعد وكان يجب قوله. ولو استمعت لذلك الصوت، لظللت أشعر بنفس الشعور حتى لو قد أكملت ألف صفحة. ولهذا قررت أتوقف وأقول لكم، هذا ما صنعت، هو بين أيديكم، خذوه إن شئتم ووجدتم فيه شيئا جديرا بالتوقف معه، فذلك حلمي، ولا يود الكاتب شيئا سوى قارئا، يمنح الكلمات خلودا أكبر، يمسكها بقلبه وعينيه وروحه ويذهب بها نحو الأقاصي البعيدة، يوسّع المعنى فتتناسل عنه ألف فكرة. فالقارئ الجيد مؤلف ثان لأي كتاب أو رواية يتوقف معها، وأنتم خير من يمكنه فعل ذلك.

***

 

محمد دبوان المياحي: الروائي الذي أسَرَتْهُ الكلمات

 

هكذا قبل عامين، احتفل الكاتب والصحفي اليمني محمد دبوان المياحي بإصدار روايته الأولى “الفيلسوف الصغير”، ليُعبر عن رؤيته الفلسفية العميقة حول طبيعة الإنسان وجوهره. لكن في الوقت الذي يحتفل فيه بالإبداع، نجد انفسنا اليوم وهو في غياهب المعتقل لدى الميليشيات الحوثية، مما يطرح تساؤلات حول مصير هذا الكاتب الذي يسعى لتحرير أفكاره من قيود الواقع.

عرف المياحي ككاتب صحفي بارز، إلا أن روايته “الفيلسوف الصغير” تعكس جانبا آخر من شخصيته. الكتابة له ليست مجرد حرفة، بل هي وسيلة لاستكشاف الذات والمجتمع. في منشوره التوضيحي حول الرواية كما قرأتم، يصف كيف أن الفكرة كانت تلاحقه كظل، وأنه أدرك بعد سنوات طويلة أن طبيعة الحياة والمجتمع تتطلب منه السرد، لتكون الرواية مرآة تعكس مشاعر إنسانية عميقة.وفي عالم تسوده الفوضى والصراعات، يبقى محمد دبوان المياحي رمزا للأمل والإبداع. إن قصته تدعو إلى التفكير في أهمية الكتابة كوسيلة للتعبير عن الذات، ودور الأدب في تغيير الواقع. قد يكون مُعتقلا اليوم، لكن كلماته ستظل حية، تتردد في أذهاننا، تحمل معها روح الشغف والحب للحياة.

إن المياحي ليس مجرد كاتب، بل هو صوت للأجيال القادمة، حيث يسعى لتقديم رؤية فلسفية تحفز القارئ على التفكير والتأمل. “الفيلسوف الصغير” ليس مجرد رواية، بل هو دعوة للتساؤل والبحث عن الحقيقة في عالم مليء بالتحديات.

لعل محمد دبوان المياحي هو الكاتب الذي يملك القدرة على إسقاط الضوء على الظلام، ليُظهر لنا أن هناك دائمًا أمل في التغيير. إن روايته “الفيلسوف الصغير” تمثل نقطة انطلاق لفهم أعمق للإنسانية، وللأفكار التي لا تموت، مهما كان الظلام المحيط بها.

يستخدم المياحي الرواية كوسيلة لاستكشاف التجارب الإنسانية المختلفة. يقدم شخصيات تعاني من الضياع والفشل، ويُظهر كيف أن الطبيعة البشرية متقلبة، تتغير بناءً على الظروف المحيطة. يُعرّف القارئ على شاب قادم من القرية مشحون بالأحلام، لكنه يتعرض لخيبات أمل تتراكم مع مرور الوقت، ما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية. يتأرجح بين الحياة والموت، معبرًا عن التوتر الذي يعيشه الإنسان في سعيه للعثور على معنى وجوده.

يركز المياحي أيضا على المرأة، مشيرا إلى أنها كائن معقد يتجاوز التعريفات التقليدية. يُظهر من خلال شخصيات روايته كيف أن النساء يحملن أحلاما وآمالا وواقعا خاصا بهن، ويعكسن ذلك في تجاربهن اليومية. إن تناول علاقة الجنسين في الرواية هو تجسيد لحكاية الوجود الإنساني، حيث يمكن اختزال الحياة بأسرها في تلك العلاقة.

يتساءل أيضا عن مفهوم الجندر، معتبرا إياه من أهم القضايا التي تواجه البشرية. في مجتمع تسوده المفاهيم التقليدية، يجرؤ على تحدي الثوابت والحديث عن هويات غير ثنائية. في نظره، الجندر هو مفهوم متغير، وبهذا يكسر الحواجز بين الجنسين، مما يفتح المجال للنقاش حول حرية الاختيار وتحرر الأفراد من القيود المجتمعية.

إنها رحلة تساؤلات داخل النفس البشرية، ف” لماذا يختلف الناس في طبائعهم، من راعي مواشي إلى رئيس دولة؟ “يتعمق في هذه الفجوة بين الأفراد، مشيرا إلى أن ا”لاختلافات ليست إلا انعكاسات لعوامل داخلية وخارجية”.

رغم وجوده الآن في المعتقل، إلا أن روح المياحي تبقى حاضرة في كتاباته. إن اعتقاله لا ينفي إبداعه، بل يعزز من أهمية رسالته. إذ يُظهر لنا كيف يمكن للفن أن يكون مقاومة، وكيف يمكن للكلمات أن تُحارب الظلم وتُجسد الأمل.

من خلال روايته، يتمنى المياحي أن يجد قارئا يشاركه رحلته. إن كلماته ليست مجرد جمل تُكتب على الورق، بل هي نداء للبحث عن الذات والانفتاح على تجارب الآخرين. يُؤمن بأن القارئ الجيد هو مُؤلِف ثانٍ لأي نص، ويعتمد على خياله لتوسيع المعاني والأفكار.

 

الحرية ثم الحرية الكاتب الحر محمد دبوان المياحي

الآن كما أتخيل يحقق معه سبعة أفراد لكن الفيلسوف الصغير هو من سينتصر.