اتذكر جيدا في آخر معرض للكتاب في صنعاء ايام ما كان معرض صنعاء الدولي يمتاز بالفعل الثقافي الذي يشرف اليمنيين ،قبل أن يتم الغاء المعرض بفعل الجائحة الحوثية ، أن رواية ” زوج حذاء لعائشة” حققت مبيعات هائلة ونفذت النسخ التي أرسلها الناشر دار الساقي ببيروت وعددها كما لم تخني الذاكرة 500 نسخة. هذا في المعرض تحديدا ثاني أيام المعرض. أما وكيل دار الساقي في صنعاء ، مكتبة أبو ذر الغفاري فقد نفذت عدد النسخ الاحتياطي وأتذكر العزيز عبد الجبار العتواني انه باع كل الاحتياطي عدد 100 نسخة.
السؤال الكبير كيف لاقت الرواية كل ذلك الزخم.. وهل فعلا لدينا قارئ يستوعب حساسية الكتابة الروائية الجديدة ،فضلا عن حساسية الموضوع الذي تناولته الرواية وعالجته بأسلوب بارع.
إن رواية “زوج حذاء لعائشة” تسلط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية المعقدة التي تتعلق بالمرأة والمجتمع اليمني، من خلال شخصيات متعددة تتشابك مصائرها في سياقٍ يهيمن عليه الدين والتقاليد الاجتماعية المتشددة. الرواية تتناول موضوعات حساسة مثل الدعارة، العنف ضد المرأة، والهيمنة الذكورية بطرق تنقل معاناة المرأة بشكل مكثف.
الكاتبة نبيلة الزبير، من خلال شخصيتها الرئيسية زينب، استطاعت أن تبرز الظلم الذي تتعرض له المرأة في المجتمع. زينب تمثل المرأة التي يسعى الجميع لابتزازها، سواء كان ذلك على المستوى الاجتماعي أو الشخصي. الرواية تصور زينب كضحية لنظام اجتماعي متخلف يعامل المرأة كسلعة ويخنقها ضمن حدود التقاليد والمعتقدات الدينية المتشددة. .زينب، وهي ضحية لواقع قاس، تُعتقل بتهمة الدعارة وتواجه تحديات كبيرة في سعيها للتوبة وإعادة بناء حياتها. ومع ذلك، حتى بعد زواجها، تظل محاصرة بشعور دائم بالذنب والعار، حيث يُخنقها الشك المستمر من زوجها طارق الذي لا يستطيع نسيان ماضيها.
نبيلة الزبير استعرضت في الرواية الدور الذي يلعبه الدين في تكريس القيم الأبوية المتسلطة. شخصية طارق، زوج زينب، تجسد هذا الصراع بين الواجبات الدينية وشهواته الشخصية، فهو إمام يتباهى بمظهره الديني أمام المجتمع، لكنه في داخله يعاني من صراعات شديدة تثير غيرته وشكوكه المستمرة تجاه زوجته، رغم توبتها.
إحدى النقاط المحورية التي تناولتها الرواية بعمق هي فكرة التحكم في مصير المرأة من قبل القوى الذكورية المحيطة بها، سواء كان ذلك عبر الأب أو الزوج أو حتى السلطة الحاكمة. زينب تحاول التحرر من الماضي والبدء من جديد، لكن المجتمع يرفض منحها الفرصة، حيث يستمر في معاقبتها بسبب ماضيها. وهنا تظهر عبقرية نبيلة الزبير في رسم صورة مجتمع يبتز المرأة من جميع الجوانب، ويجعلها في حالة من الصراع المستمر بين رغبتها في التوبة وإصرار المجتمع على إبقائها في دائرة الذنب والعقاب.
الكاتبة لم تكتفِ برسم شخصية زينب فقط، بل استعرضت شخصيات أخرى مثل نشوى، التي عانت من استغلال والدها الجنسي والعاطفي منذ صغرها، مما جعلها تعيش حالة من الضياع النفسي. علاقاتها الجنسية المتعددة وغير المشبعة تعكس محاولتها الدائمة للبحث عن الكمال العاطفي الذي فقدته بسبب طفولتها المعذبة. الرواية تعرض نشوى كشخصية متمردة على المجتمع وعلى نفسها، تسعى جاهدة لتحقيق اللذة العاطفية والجنسية، لكنها تبقى في حالة من البحث المستمر عن شيء مفقود.
ما يميز رواية “زوج حذاء لعائشة” هو الجرأة في تناول موضوعات تعدّ من المحرمات في المجتمعات العربية، مثل الدعارة، تعدد العلاقات، والاستغلال الجنسي داخل العائلة. نبيلة الزبير لم تتردد في فضح هذه الحقائق المؤلمة التي تعيشها الكثير من النساء في مجتمعاتهن، وسلطت الضوء على التناقضات التي تعيشها المرأة في مواجهة المعايير الاجتماعية القاسية.
رغم الصعوبة التي واجهتها زينب، إلا أن الرواية تقدم رسالة أمل وتحدٍ، فشخصيتها تسعى بشكل مستمر للتغلب على الظروف المحيطة بها. نبيلة الزبير قدمت زينب كامرأة تسعى للتحرر من قيود المجتمع والعيش بكرامة، رغم كل التحديات التي تواجهها. لكن الرواية أيضا تسلط الضوء على كيف أن المجتمع نفسه غير مهيأ لتقبل النساء اللواتي يحاولن التحرر من القيود القديمة.
الرمزية الموجودة في عنوان الرواية “زوج حذاء لعائشة” تشير إلى حالة الانفصام والتمزق التي تعيشها المرأة في المجتمع اليمني. الحذاء هنا يمثل القيود التي تكبل المرأة وتمنعها من المضي قدماً في حياتها، في حين أن عائشة تمثل النساء اللواتي يحاولن التحرر من هذه القيود.
النقاد الذين تناولوا الرواية أشادوا بقدرة نبيلة الزبير على تقديم رواية جريئة ومليئة بالتفاصيل الواقعية. الكاتب والناقد أحمد السلامي أشار إلى أن الرواية تمثل إضافة مهمة للأدب اليمني المعاصر، كونها تتناول موضوعات تهم المجتمع ولكنها مغيبة عادة عن المشهد الأدبي. كما أن الشاعر محمد عبد الوهاب الشيباني أشار إلى براعة الكاتبة في اختيار العنوان، حيث يمثل اختزالاً ذكياً لمحتوى الرواية الذي يتناول قضايا المرأة في مجتمع يهيمن عليه الرجال.
من خلال هذه الرواية، أكدت نبيلة الزبير أن المرأة التي يبتزها الجميع ليست فقط ضحية للمجتمع، بل هي أيضا شخصية قوية تسعى لتحقيق التغيير والاعتراف بإنسانيتها. الرواية تقدم صورة واقعية للمجتمع اليمني بكل تناقضاته وتعقيداته، حيث تجد المرأة نفسها في حالة دائمة من الصراع مع المجتمع والدين والأسرة.
الكاتبة لم تكتفِ بعرض معاناة النساء في المجتمع، بل استطاعت أن تقدم نقداً لاذعاً للسلطات والمؤسسات التي تسهم في تفاقم هذه المعاناة. سواء كانت الشرطة التي تبتز زينب أو رجال الدين الذين يستغلون سلطاتهم، الرواية تكشف عن فساد المؤسسات التي من المفترض أن تحمي المرأة.
في النهاية، يمكن القول إن نبيلة الزبير أنصفت المرأة اليمنية من خلال هذه الرواية، إذ قدمت صورة واقعية عن معاناتها ورحلتها الطويلة في البحث عن التوبة والكرامة. الرواية تقدم رسالة قوية بأن المرأة ليست مجرد ضحية، بل هي شخصية قادرة على التحمل والصمود، رغم كل ما تتعرض له من ابتزاز وقمع.
رواية “زوج حذاء لعائشة” تعتبر واحدة من الأعمال الأدبية المهمة التي تسلط الضوء على قضايا المرأة في المجتمعات العربية، وتدعو إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يُنظر بها إلى النساء في هذه المجتمعات. نبيلة الزبير قدمت عملاً أدبياً متميزاً يعكس بعمق مشاعر النساء ومعاناتهن، ويؤكد أن المرأة ليست مجرد سلعة في يد المجتمع، بل هي كائن حي يستحق الاحترام والكرامة.