تعد رواية “الحقل المحترق” للكاتب اليمني ريان الشيباني الصادرة عن دار خطوط وظلال (ط1، عمّان، 2021م، 224 صفحة) ثاني أعماله الأدبية بعد روايته الأولى “نزهة الكلب”، الصادرة عن دار أروقة للدراسات والنشر في القاهرة (2017م).
أما عن المؤلف فهو ريان الشيباني صحفي يمني وفنان تشكيلي من مواليد عام 1983م. يرى الناقد اليمني فارس البيل في ندوة خاصة بالرواية أن اسم الرواية، الحقل المحترق، ربما يكون مقتبسًا من عنوان مجموعة قصصية للروائي المكسيكي “خوان رولفو” “السهب المحترق”، لكن للشيباني رأي آخر، إذ يرى أن العنوان على ما قد يوحي به من تقارب مع مجموعة “رولفو” إلا أنه يكثف ما في الرواية من أحداث، ويحمل رمزية أوسع.
الرواية تستدعي التأريخ لتعالج به المسألة الاجتماعية في اليمن، من دون إصدار أحكام عليه، مع ذلك يتفق الشيباني مع ما ضع في ندوة “ع المفرق” من أن عمله ليس رواية تاريخية، وإنما تخييل تاريخي. يقول المؤلف في مقابلة سابقة له: “تقدم ملامسةً شيقة لمرحلةٍ من التاريخ اليمني التي كانت في بداية القرن العشرين، باعتبارها محورًا للأسئلة الشائكة حول تشكل المأزق الوجودي للحالة اليمنية عمومًا.”
تطرح الرواية في مجملها أسئلًة حول: الهيمنة الاجتماعية وثقافة الإغارة والسلب والنهب، وتفكك الرواية أنماط الخطاب الذي تستخدمه الجماعات الايديولوجية للوصول إلى مقاليد الحكم، عوضًا أن الفترة التاريخية التي طرقتها الرواية لم تكن موضوع معالجة من قبل، يقول المؤلف حول اختيار هذه المرحلة: “كونها مرحلة تجاذب إقليمي، يمكن من خلال قراءة الملهات التي كتبتها، جزء من مأساوية الوضع الراهن. أيضاً، هناك تجسيد درامي، لكيف يمكن للكيانات الكبيرة أن تصبح ألعوبة في يد الكيانات الناشئة، إن قدر للأولى أن لا تضع في حسبانها الظروف الذاتية والموضوعية المحيطة.”
ابرز شخصيات الرواية هو “آق ديلك بيك” وقد يكون اسم رمزي للحاكم العثماني في اليمن”أحمد مختار باشا” أو “محمود نديم بيك” الذين قدما الي اليمن ليكونا حاكمين عليه، فيما عرف بالاحتلال العثماني الثاني لليمن. وقد صورها الروائي كشخصية مهتزة ومنعزلة، محدودة الرغبات، وملتبسة، وذات مأزق وجودي عميق يمتد إلى الطفولة.
بدأت حياته من شمال أفريقيا وانتقل بعد ذلك إلى فرنسا لدراسة العلوم العسكرية، ثم حاكمًا الي اليمن لتنتهي به هذه المغامرة ليقع رهينة في يد أول ملك يمني في القرن العشرين، ومن ثم التشرد والجنون.
الشخصية المقابلة هي لـ”تاج الدين بن سراج الفاتح” ويحمل ملامح من حكم الإمام يحيى حميد الدين، والذي يحمل سمات تكون على النقيضة من الوالي العثماني، لتدور الأحداث على مستوى بناء موازٍ. حاول الكاتب في الرواية الابتعاد عن إصدار أحكام على طبيعة الحكمين العثماني والإمامي اليمني واكتفى بوضع أسئلة من خلال ترميز أنساق الهيمنة وتقديمها كما تصورها مخياله.
الزمن العام للرواية بتكثف في يوم واحد، في بناء دائري، يطوق قسمي الرواية، وهو يوم الرابع من تشرين 1918، كما أن الذهاب إلى عدن تعريف تشرين، هل الأول أو الثاني، يقول الكاتب إن “تشرين” هنا ليس الشهر السرياني بقدر ما هو شهر زراعي في اليمن، نقتبس هنا من العمل: “جرت كل هذه الحوادث خلالَ ثلاثٍ وعشرين سنة، بدت على قسوتها وسوء طالعها وكأنها من تداعياتِ لحظة واحدة مشؤومة هي يوم: الرابع من تشرين وما سببته من حرائق ودمار. نعم الرابع من تشرين 1918م، التي لم يكن لها لتنتهي بعد”.
أما الحيز المكاني للأحداث، فيمتد من الساحل الإفريقي إلى فرنسا، ثم الاستانة واليمن (السعيدة)، لكن كثافة الأحداث، وتداخلاتها تجري في خارطة صنعاء (عاصمة السعيدة)، ومكان آخر اسماه الكاتب (قِدار)، وبالبحث عن هذا المكان يتضح إنه منطقة رمزية، أبهمها الكاتب لأسباب قد تكون متعلقة بالحساسية الاجتماعية والمسؤولية الأخلاقية له ككاتب، خاصة وأن المكان يوصف على أنه ملتقى مواخير ومسافرين.
يسفر الكاتب عن جزء من طبيعة المكان إذ يقول: “تكالبت عليهِ الأوبئةُ وقطّاع الطرقِ الذين يتحولون بطبيعةِ أعمالهم إلى أنبياءَ وملوك” لكن حيز المكان يتسع كلما ضاقت مجال الرؤية لنشاهد التفاصيل الدقيقة في الحياة آنذاك.
يعطي الكاتب في الرواية قيمة عالية للوصف، ليأتي أحيانًا على حساب السرد، وهو ما ظل مثار جدل لدى النقاد الذين تناولوا الرواية، ربما جاء تلبية لرغبة المؤلف لنقل ملامح البيئة آنذاك كما هي على نحو فنتازي الي حد ما أو ربما لأن المؤلف يمتلك ملكة الرسم، أو الفن التشكيلي ما يراه النقاد سمة طغت بشكل -قد يكون سلبي- على مسار الأحداث. لكن للناقد عبدالرقيب الوصابي رأي آخر، إذ يقول “إن الرواية اعتمدت على آلياتِ المعالجة السردية الحديثة القائمة على الاهتمام بالوصف واعتباره تقنيةً، لا مجرد عنصر من عناصر الرواية”